بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه نود و یکم
تتمة:
قال السيد الاستاذ قدس سره:
«ويبقي هنا بحث قد اثاره المرحوم المحقق السيد إسماعيل الصدر ( رحمه الله ) عرف على الألسنة وفي العبارات ب: " الشبهة العبائية ".
وملخص هذه الشبهة:
بعد الالتزام بعدم انفعال ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة للنجاسة:
انه لو فرض انه قد تنجس جانب من عباءة لا يعرف بعينه بل كان مرددا بين الا على والأسفل، ثم طهر الأعلى - مثلا – فلاقى جسم الانسان الجانب الاخر وهو الأسفل، فإنه لا يحكم بنجاسة الجسم لعدم العلم بنجاسة الجانب الأسفل، والمفروض ان ملاقاة أحد أطراف الشبهة المحصورة لا تستلزم الانفعال.
وأما لو لاقى الجسم تمام العباءة بجانبيها، فان مقتضى استصحاب بقاء النجاسة في العبائة هو الحكم بنجاسة الجسم.
ومثل هذا الحكم غريب، إذ بعد عدم الحكم بالنجاسة عند ملاقاته للجانب غير المطهر، فكيف يحكم بنجاسته إذا انضم إليها ملاقاة الجانب المطهر ؟ لوضوح عدم تأثير ملاقاة الطاهر في الانفعال ضرورة.
وبعبارة أخرى:
يلزم الحكم بنجاسة ملاقي مقطوع الطهارة ومشكوك النجاسة.
والمحصل:
ان استصحاب الكلي ههنا يستلزم حكما غريبا لا يمكن البناء عليه ).
وتصدي الاعلام لدفع الشبهة.
فأفاد المحقق النائيني في اجود التقريرات بما محصله:
انه لا يجري استصحاب النجاسة في المثال لاثبات نجاسة الملاقي لعدم ترتب اثر شرعي عليها.
وذلك: لأن نجاسة الملاقي تترتب علي امرين:
1 ـ احراز الملاقاة.
2 ـ احراز نجاسة الملاقي ـ بالفتح ـ
ومن المعلوم: ان استصحاب النجاسة الكلية المرددة بين الطرف الاعلي والاسفل لا يثبت تحقق ملاقاة النجاسة الذي هو الموضوع لنجاسة الملاقي[1].
وأفاد قدس سره في دفعها في فوائد الاصول:
ان محل الكلام في استصحاب الكلي إنما هو فيما إذا كان نفس المتيقن السابق بهويته وحقيقته مرددا بين ما هو مقطوع الارتفاع.
وما هو مقطوع البقاء، كالأمثلة المتقدمة، وأما إذا كان الاجمال والترديد في محل المتيقن وموضوعه لا في نفسه وهويته فهذا لا يكون من الاستصحاب الكلي، بل يكون كاستصحاب الفرد المردد.
كما لو علم بوجود الحيوان الخاص في الدار وتردد بين أن يكون في الجانب الشرقي أو في الجانب الغربي، ثم انهدم الجانب الغربي واحتمل تلف الحيوان بانهدامه لاحتمال أن يكون في الجانب المنهدم.
وكما لو علم بوجود درهم خاص لزيد فيما بين هذه الدراهم العشر ثم ضاع أحد الدراهم واحتمل أن يكون الضائع هو درهم زيد، فإنه لا يجري الاستصحاب في المثالين.
لأن المتيقن أمر جزئي حقيقي لا ترديد فيه، وانما الترديد في محله وموضوعه، فهو أشبه باستصحاب الفرد المردد عند ارتفاع أحد فردي الترديد. وما نحن فيه من هذا القبيل كما لا يخفى، فان التردد في النجاسة بلحاظ محلها لا حقيقتها [2]
وأفاد السيد الاستاذ قدس سره بعد ذكر التقريبين لدفع الاشكال عن المحقق النائيني قدس سره:
«تحقيق الكلام في حل هذه الشبهة ـ لو سلمت انها شبهة مستلزمة لمحذور فقهي، فان للتأمل في ذلك مجالا واسعا:
ان اسناد النجاسة إلى العباءة اسناد مسامحي، فان تمام العباءة ليس متنجسا وانما أحد طرفيها، فالفرد المتنجس مردد بين فردين.
وعليه، فيرد على جريان الاستصحاب في النجاسة في المثال وجهان:
الأول:
انه من استصحاب الفرد المردد، وذلك:
لان الأثر الشرعي في باب الانفعال المأخوذ في موضوعه النجس مترتب على النجس بنحو العموم الاستغراقي، فالموضوع هو كل فرد من افراد النجس، وليس هو مترتبا على كلي النجس، فالمستصحب في المثال هو الفرد الواقعي للمتنجس المردد بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع.
ولا معنى لاستصحاب كلي المتنجس لاثبات الانفعال. وقد عرفت أن استصحاب الفرد المردد لا مجال له.
ولعل ما ذكرناه هو مراد المحقق النائيني ( رحمه الله ) في وجهه الثاني وإن لم يكن صريحا فيه فتدبر.
واما ما ذكره من أمثال الدرهم الضائع، فلم يتضح لنا وجهه، إذ أي اثر لجريان الاستصحاب في مورد الضياع حتى يبحث فيه، إذ هو لا يخرج عن الملكية بالضياع كما لا تجوز المطالبة به لعدم القدرة على تسليمه بعد اشتباهه بغيره واحتمال ضياعه.
نعم لو مثل له بالتلف كان استصحاب بقائه وعدم تلفه مؤثرا في بقاء الملكية لزوال الملكية بالتلف. فتدبر والأمر سهل.
الوجه الثاني:
انه لو سلم جريان الأصل في الفرد المردد في نفسه أو جريانه في كلي النجس الموجود، فلا ينفع في ترتب الانفعال، إذ الانفعال مترتب على ملاقاة ما هو نجس بمفاد كان الناقصة.
فموضوع التنجيس هو كون الملاقي نجسا، وهذا لا يثبت باستصحاب بقاء النجس - بنحو الكلي أو الفرد
المردد - إلا بالملازمة.
فهو نظير استصحاب بقاء الكر في الحوض لاثبات كرية الماء الموجود فيه.
فاستصحاب بقاء النجس لا يثبت نجاسة الموجود الملاقي إلا على القول بالأصل المثبت.
[1]. السيد الخوئي، أجود التقريرات تقرير البحث السيد النائيني، ج2، ص395.
[2]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج4، ص422.