بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهارم
وقد أفاد صاحب العروة (قدس سره) في المسألة الثامنة من فصل الحج الواجب بالنذر وعهد واليمين:
«( مسألة 8 ) : إذا نذر أن يحج ولم يقيده بزمان فالظاهر جواز التأخير إلى ظن الموت أو الفوت فلا يجب عليه المبادرة إلا إذا كان هناك انصراف.
فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون عاصياً، والقول بعصيانه مع تمكنه في بعض تلك الأزمنة وإن جاز التأخير لا وجه له.
وإذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة، فلو أخر عصى وعليه القضاء والكفارة، وإذا مات وجب قضاؤه عنه ، كما أن في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه.
والقول بعدم وجوبه بدعوى أن القضاء بفرض جديد ضعيف لما يأتي .
وهل الواجب القضاء من أصل التركة أو من الثلث ؟ قولان:
فذهب جماعة إلى القول بأنه من الأصل، لأن الحج واجب مالي وإجماعهم قائم على أن الواجبات المالية تخرج من الأصل.
وربما يورد عليه بمنع كونه واجبا ماليا ، وإنما هو أفعال مخصوصة بدنية وإن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدماته ، كما أن الصلاة أيضا قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء والساتر والمكان ونحو ذلك.
وفيه: أن الحج في الغالب محتاج إلى بذل المال بخلاف الصلاة وسائر العبادات البدنية، فإن كان هناك إجماع أو غيره على أن الواجبات المالية تخرج من الأصل يشمل الحج قطعاً.
وأجاب صاحب الجواهر:
بأن المناط في الخروج من الأصل كون الواجب دينا ، والحج كذلك فليس تكليفاً صرفا ، كما في الصلاة والصوم بل للأمر به جهة وضعية ، فوجوبه على نحو الدينية بخلاف ساير العبادات البدنية ، فلذا يخرج من الأصل كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة بأنه دين أو بمنزلة الدين.
قلت : التحقيق:
أن جميع الواجبات الإلهية ديون لله تعالى ، سواء كانت مالا أو عملا ماليا أو عملا غير مالي ، فالصلاة والصوم أيضا ديون لله ولهما جهة وضع ، فذمة المكلف مشغولة بهما ولذا يجب قضاؤهما فإن القاضي يفرغ ذمه نفسه أو ذمة الميت ، وليس القضاء من باب التوبة ، أو من باب الكفارة بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به ، ولا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل.
بل مثل قوله: لله على أن أعطى زيدا درهما ، دين إلهي لا خلقي فلا يكون الناذر مديونا لزيد بل هو مديون لله بدفع الدرهم لزيد، ولا فرق بينه وبين أن يقول : لله على أن أحج أو أن أصلي ركعتين ، فالكل دين الله ، ودين الله أحق أن يقضى ، كما في بعض الأخبار ، ولازم هذا كون الجميع من الأصل.
نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضاؤه، لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه، ولا بعد موته، سواء كان مالاً أو عملاً مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة ، فإنه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه ولا على وارثه القضاء ، لأن الواجب إنما هو حفظ النفس المحترمة ، وهذا لا يقبل البقاء بعد فوته.
وكما في نفقة الأرحام فإنه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكنه لا يصير دينا عليه ، لأن الواجب سد الخلة ، وإذا فات لا يتدارك.
فتحصل:
أن مقتضى القاعدة في الحج النذري إذا تمكنه وترك حتى مات وجوب قضائه من الأصل ، لأنه دين إلهي.
إلا أن يقال:
بانصراف الدين عن مثل هذه الواجبات.
وهو محل منع، بل دين الله أحق أن يقضى.
وأما الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث فاستدلوا بصحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور الدالتين على أن من نذر الإحجاج ومات قبله يخرج من ثلثه، وإذا كان نذر الإحجاج كذلك مع كونه ماليا قطعا فنذر الحج بنفسه أولى، بعدم الخروج من الأصل.
وفيه:
أن الأصحاب لم يعملوا بهذين الخبرين في موردهما، فكيف يعمل بهما في غيره ؟
وأما الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض بناء على خروج المنجزات من الثلث ، فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها من الأصل.
وربما يجاب عنهما: بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة، أو على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات، وفيهما ما لا يخفى خصوصاً الأول»[1].
و اساس ما أختاره صاحب العروة (قدس سره) لزوم اخراج حج النذر من الأصل دون الثلث فی هذه المسألة ما أفاده بقوله: «و التحقيق...»
و حاصله: ان جميع الواجبات الالهية ديون لله تعالی بلا فرق بين کونه مالاً أو عملاً مالياً أو عملاً غير مالی. لأنَّ هذه الواجبات إنما توجب اشتغال ذمة المکلف، و لذا لو لم يأت بها المکلف فان القضاء ليس من باب التوبة أو الکفارة، بل إنَّما وجب من باب الإتيان لما کانت الذمة مشغولة به فکلها دين الله علی ذمه المکلف و دين الله أحق أنْ يقضی.
و إنما استثنی منه الواجبات التی لا يقبل بقاء شغل الذمة بعد فوته و لا يجب قضاؤه.
و ما اختاره فی المقام فی توجيه مختاره يفترق عن ما نقل عن صاحب الجواهر حيث انه (قدس سره) أفاد ان الواجبات علی قسمين:
1- ما کانت تکليفاً صرفاً کما فی الصلاة و الصيام من العبادات البدنية.
2- ما کان للأمر بها جهة وصيغة فيکون وجوبه علی نحو الدينية کالحج و ما يلزم فيه إخراج مؤونة القضاء من أصل المال هو القسم الثانی.
کما انه (قدس سره) نقل قبل ذلک مختار جماعة من الاصحاب علی اخراج مؤونة الحج من اصل المال لقيام الاجماع علی ان الواجبات المالية تخرج من الاصل و قرر الحج من هذه الواجبات ولکن علی أساس ما اختاره من انه دين علی ذمة المکلف.
[1] .السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص498-502.