بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتم
ثم قرره السيد الحكيم في المستمسك:
«...ولو كان مفروض المسألة كما ذكر من الموت بعد التمكن لم يحتج إلى هذه المتعبة العظيمة ، إذ الحكم حينئذ يكون موافقا للقواعد . . إلى آخر ما ذكره في تقريب أن مفروض المسألة هو مورد الرواية ، وأن الوجه فيه هو الرواية.
أقول : قد اشتملت الرواية على فرضين :
الأول : ما إذا نذر إن ولد له ولد أن يحجه أو يحج عنه ، فولد له ثم مات الوالد.
والثاني : ما إذا نذر إن ولد له ولد وأدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الوالد قبل أن يدرك.
والمفروض في كلام الأصحاب هو الأول . فلاحظ ما تقدم عن الشرائع .
ومثله : ما في النافع والقواعد وغيرها . ولم يتعرض في كلام الأصحاب للفرض الثاني . ولأجل ذلك صح للمسالك وغيرها : قولهم : " الأصل في مفروض الفقهاء هو حسن مسمع " . وليس مرادهم مفروض المتن الموافق للفرض الثاني ، وإلا لعبروا به. ولما صح لهم الاستدلال عليه بالقاعدة ، فإن الشهيد في المسالك - مع أنه ذكر أن الأصل في المسألة رواية مسمع - قال بعد ذلك - في الاستدلال على وجوب القضاء من التركة - : " لأنه حق مالي تعلق بالتركة ، وهو مدلول الرواية " . ونحوه في كشف اللثام.
وبالجملة : العبارة المذكورة في كلام الأصحاب آبية عن الحمل على ما ذكر في الجواهر ، ويتعين حملها على ما ذكره في الرياض ، الذي هو الفرض الأول في الرواية . فلاحظ .
ومن ذلك يظهر : أن الرواية لم يظهر عمل أحد بها في الفرض المذكور في المتن، الذي هو الفرض الثاني المذكور في الرواية»[1].
وافاد السيد الحكيم في ذيل قول صاحب العروة ـ في مسألة 13 ـ : وعلى ما ذكرنا لا يكون مخالفاً للقاعدة كما تخيله سيد الرياض وقرره عليه صاحب الجواهر، قال: ان الحكم فيه تعبدي على خلاف القاعدة:
«لم يتضح ترتبه على ما ذكره ، فإنه لم يتقدم منه إلا مجرد الفتوى والاستدلال بالرواية ، وكلاهما لا يظهر منه أن مقتضى القاعدة لزوم القضاء وانعقاد النذر.
بل قد تقدم منه في المسألة العاشرة: إما البطلان أو التفصيل ولا فرق بين المسألتين إلا في أن المنذور في السابقة الحج ، وفي هذه المسألة الاحجاج ، وهو غير فارق.
وقد عرفت في تلك المسألة أنه يمكن التفصيل بين ملاحظة الشرط بنحو الشرط المتأخر وبين ملاحظته بنحو الشرط المتقدم، وهو آت هنا أيضا.
ويحتمل أن يكون مراده مما ذكرنا: ما ذكر في المسألة الثانية عشرة من صدق الدين في نذر الاحجاج بخلاف نذر الحج.
لكن كان كلامه هناك فيما لو حصل الشرط في حياته ولم يتمكن من المنذور، والكلام هنا فيما لو تمكن من المنذور ولم يحصل الشرط. والفرق بين المقامين ظاهر ، فإنه مع حصول الشرط يكون استحقاق المنذور فعليا ، ولا مانع من انعقاده إلا عدم التمكن ، فيمكن منع مانعيته.
وفي المقام لم يحصل الشرط ، فلم يكن الاستحقاق فعليا.
هذا مضافاً:
إلى أنه لم يظهر الوجه في اعتباره - في لزوم قضاء المنذور تمكنه منه قبل موته ، مع أن التمكن حينئذ لا دخل له في الانعقاد ، إذ التمكن المعتبر في انعقاد النذر التمكن من المنذور في حين فعله لا غير وهو ظاهر جداً.
وبالجملة: فكلام المصنف في المقام لا يخلو عن غموض واشكال»[2]
وأفاد السيد الخوئي (قدس سره) في المستند:
« قد عرفت مما تقدم أن مقتضى القاعدة بطلان النذر مطلقا سواء تعلق بالحج مباشرة أو بالاحجاج مطلقا أو معلقا ، لأن الموت يكشف عن عدم القدرة ، فلا ينعقد النذر من أصله.
وقد عرفت أيضا أن نذر الاحجاج لا يجعله مدينا ، بل لو تعلق النذر بنفس اعطاء المال وبذله لا يكون مدينا غاية الأمر يجب عليه اعطاء المال كما يجب عليه الاحجاج .
وبالجملة:
متعلق النذر في كلا الموردين عمل وفعل من الأفعال ، ولا يصير مدينا حتى يجب قضائه من الأصل ، وبالموت ينكشف البطلان وعدم الانعقاد.
نعم: مقتضى صحيح مسمع المذكور في المتن وجوب القضاء في نذر الاحجاج وقد عمل به المشهور ، فوجوب القضاء مما لا كلام فيه .
إنما الكلام في أنه يخرج من الأصل أو من الثلث ؟
ولم يصرح في خبر مسمع بشئ منهما وإنما المذكور فيه أنه يخرج مما ترك أبوه ومقتضى اطلاقه جواز الخروج من الأصل.
ويعارضه ما تقدم من الصحيحتين (صحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور ) الدالتين على الخروج من الثلث ومقتضى الجمع بينهما وجوب القضاء من الثلث ، وقد ذكرنا غير مرة أن الصحيحتين وإن أعرض عنهما الأصحاب ولم يعملوا بهما في موردهما إلا أنه لا عبرة بالاعراض ولا يوجب سقوط الخبر عن الحجية .
فتلخص من جميع ما ذكرنا:
أن نذر الحج المباشري لا يجب القضاء عنه لا من الأصل ولا من الثلث لعدم الدليل ، وأما نذر الاحجاج يجب قضائه من الثلث ولو كان بالتعليق ومات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك كما هو مورد صحيح مسمع ، وإذا وجب القضاء في مورد نذر الاحجاج المعلق ، وجب قضائه في نذر الاحجاج المطلق بطريق أولى .
بل يمكن أن يقال:
بشمول خبر مسمع لنذر الاحجاج المطلق أيضا لأن المستفاد من الخبر صدرا وذيلا ومن تطبيق الإمام ( ع ) ما نقله عن النبي صلى الله عليه وآله على ما سأله السائل ، إن نذر الاحجاج مما يجب قضائه بعد الموت سواء كان مطلقا أو معلقا وسواء مما تمكن منه أم لا. »[3]
ثم ان المذكور في كلام السيد الخوئي قدس سره التعبير عن رواية مسمع بالصحيحة وفي كلام غيره كصاحب العروة وصاحب الجواهر وغيرهما التعبير عنها بالخبر أو الحسن.
والرواية ما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن مسمع.
لا كلام في وثاقة علي بن ابراهيم ولا في أبيه ابراهيم بن هاشم وقد مرَّ ان ابن محبوب الراوي عن علي بن رئاب هو الحسن بن محبوب الثقة ومن أصحاب الاجماع كما مرَّ تمامية وثاقة علي بن رئاب.
[1] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص333-334.
[2] . نفس المصدر، ص334-335.
[3] . السيد الخوئی، مستند العروة الحج ، ج1، ص407-408.