بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نهم
الوجه الخامس:
ما افاده الشيخ قدس سره فيما مر من كلامه من استصحاب الحكم دون الموضوع.
وقد اورد عليه المحقق النائيني قدس سره في دورة من دورات بحثه:
بأنه لا يجدي في احراز وقوع الفعل في الزمان الخاص، اذ لو كان استصحاب وجوب الامساك مجدياً لذلك لكفي استصحاب الموضوع لترتب الحكم عليه.
ولكنه في دورة اخري رد هذا الاشكال:
بأن استصحاب الحكم يكفي في احراز وقوع الفعل في الزمان الخاص، كاستصحاب وجوب الصوم، لأن استصحاب الزمان لا يترتب عليه الا اثره الشرعي وهو اصل وجوب الصوم، وأما كون الصوم في النهار فإنما هو اثر عقلي لبقائه لا شرعي.
وأما استصحاب الوجوب فمرجعه الي التعبد بالحكم بجميع خصوصياته التي كان عليها، والمفروض ان الحكم كان متعلقاً بما لو اتي به كان واقعاً في النهار فيستصحب ذلك علي نحو ما كان.
وأورد عليه سيدنا الاستاذ قدس سره:
«ولكن ما ذكره توجيهاً للكلام الشيخ رحمه الله غير سديد ، لأنه لو سلم ان التعبد بالوجوب يقتضي التعبد بجميع خصوصياته فإنما ذلك في الخصوصيات الشرعية لا التكوينية . ومن الواضح ان كون الفعل واقعا في الزمان الخاص أمر تكويني فلا معنى للتعبد به لأنه لا يقبل الجعل والتعبد شرعا .
هذا وقد عرفت تقريب صاحب الكفاية قدس سره في دفع اشكال الشيخ من اجراء الاستصحاب في المقيد بما هو مقيد ، فيقال: ان الامساك كان في النهار ، فالآن كذلك.
وأورد عليه سيدنا الاستاذ قدس سره ايضاً
«وفيه: ان المشار اليه من الامساك اما أن يكون الجزء الموجود منه أو الجزء الذي بعد لم يوجد . فإن كان هو الجزء الموجود ، فهو لا أثر له لان الحكم لا يتعلق بما هو الموجود . وان كان هو الجزء الآتي ، فهو مما لا حالة سابقة له ، بل هو مشكوك الحدوث فلا يجري فيه الاستصحاب الا بنحو الاستصحاب التعليقي ، وهو لا يجري في الموضوعات .
هذا وأفاد السيد الخوئي قدس سره:
«ثم ان ما ذكرناه من عدم المانع من جريان الاستصحاب في الزمان انما هو فيما اذا كان الزمان متمحضاً في الشرطية، بأن كان شرطاً للحكم الشرعي من التكليف او الوضع.
وأما اذا كان قيداً لمتعلق التكليف كما اذا كان شرطاً لواجب مثلاً كما اذا امر المولي بالامساك الواقع في النهار. فإذا شك في بقاء النهار ففي جريان الاستصحاب فيه اشكال:
لأنه باستصحاب النهار لا يثبت وقوع الامساك في النهار الا علي القول بالأصل المثبت، فإن وقوع الامساك في النهار لازم عقلي لبقاء النهار.
ولذا عدل الشيخ وتبعه المحقق النائيني قدس سرهما عن جريان الاستصحاب في الزمان في مثله الي جريانه في الحكم، بأن نقول بعد الشك في بقاء النهار: ان وجوب الامساك الواقع في النهار كان ثابتاً قبل هذا فلآن كما كان.
وهذا العدول مما لا يسمن ولا يفيد في دفع الاشكال.
لأن استصحاب الحكم ان كان يمكن به اثبات ان الامساك واقع في النهار فيمكن اثباته باستصحاب الزمان، لأنه باستصحابه يترتب الحكم وهو الوجوب. وبإثباته ان الامساك واقع في النهار علي الفرض، فلا نحتاج الي العدول الي جريان الاستصحاب في الحكم.
بل، لا يصح جريانه فيه، لأن الشك فيه مسبب عن الشك في الزمان، و جريان الاستصحاب فيه يرفع الشك في الحكم، وإن كان استصحاب الحكم لا يمكن اثبات وقوع الامساك في النهار به، لكونه من الأصل المثبت، لأن بقاء النهار لازم عقلي لبقاء وجوب الامساك الواقع في النهار، بمعني ان العقل يحكم ـ بعد امر المولي بوجوب الامساك الواقع في النهار ـ بأن النهار باق لا محالة.
فالعدول غير مفيد في دفع الاشكال.
ومن هنا عدل صاحب الكفاية (ره) عن جريان الاستصحاب في الزمان وعن جريانه في الحكم الي جريانه في فعل المكلف المقيد بالزمان، بأن يقال بعد الشك في بقاء النهار: ان الامساك قبل هذا كان واقعاً في النهار والآن كما كان.
وهذا الاستصحاب وإن كان جارياً في مثل الامساك، الا انه غير جار في جميع موارد الشك في الزمان.
فإنه من اخر صلاة الظهرين حتي شك في بقاء النهار، لا يمكنه اجراء الاستصحاب في العقل، بأن يقال: ان الصلاة قبل هذا كانت واقعة في النهار والآن كما كانت، اذ المفروض ان الصلاة لم تكن موجودة الي الآن.
اللهم الا ان يثبت بذيل الاستصحاب التعليقي، فيقال: لو اتي بالصلاة قبل هذا لكانت واقعة في النهار، فالآن كما كانت.
ولكن الاستصحاب التعليقي مع عدم صحته في نفسه مختص عند قائله بالأحكام، فلا يجري في الموضوعات كما يأتي التعرض له قريباً انشاء الله تعالي.
فهذه الوجوه التي ذكرها هؤلاء الاعلام لا تفيد في دفع الاشكال.