بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه یازدهم
والتحقيق:
انه لو التزمنا بتمامية اعتبار صحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور، والتزمنا ايضاً بان اعراض الاصحاب لا يوجب الوهن في مدلولهما كما هو مختار السيد الخوئي، والتزمنا باعراضهم عنهما كما افاده السيد صاحب العروة وغيره حتى ان المحقق العراقي (قدس سره) صرح بانه وان عمل الشيخ بمدلولهما، ولكن غيره أعرض عنه فلا محالة ان الصحيحتين تسقطان عن الاعتبار، ومعه لا وجه لاعتبار اخراج مؤونة نذر الاحجاج عن الثلث ـ أي لا وجه روائي ـ
وكذلك لو قلنا بعدم وهن مدلولهما بالإعراض أو قلنا بعدم احرز إعراضهم، ولكن التزمنا باجمال المدلول فيهما من حيث ان الاخراج من الثلث فيهما ليس مسبوقاً بالوصية وقد مر تفصيل البحث فيه.
وعليه فان صحيحة مسمع تصير دليلاً على اخراج مؤونة نذر الاحجاج عن أصل المال، ويتم مدعى صاحب العروة بمقتضاها.
وأما لو قلنا بعدم سقوط مدلول الصحيحتين بالإعراض أو لم يحرز اعراضهم عنهما، وقلنا بتمامية جهات الحجية فيهما، فانه يعارض مدلولهما مع مدلول صحيحة مسمع.
وحينئذ لو أمكن الجمع بين المتعارضين لكان هو الأولى.
وأفاد السيد الخوئي (قدس سره) فيما مرَّ من كلامه انه لم يصرح في رواية مسمع باخراج مؤونة نذر الاحجاج من الأصل أو الثلث وإنِّما المذكور فيه أنه يخرج مما ترك أبوه ومقتضى اطلاقه الخروج عن الأصل.
ويعارضه ما تقدم من الصحيحتين الدالتين على الخروج من الثلث ومقتضى الجمع بينهما وجوب القضاء من الثلث.
ونظره (قدس سره) الى ان قوله (ع) فأمر رسول الله (ص) أنْ يحج عنه مما ترك أبوه ليس ظاهراً في الإخراج عن الأصل، بل هو مطلق يشمل الإخراج عن أصل المال او الإخراج عن ثلث ما ترك.
ويمكن التأمل فيه:
بان ظاهر كلام النبي (ص) مع عدم تقييد ما ترك أبوه بالإخراج عن ثلثه أو كسر خاص منه، كون الإخراج من أصل المال، فإنَّ ما ترك إنَّما يصدق على جميع ما ترك لا جزئه.
نعم: لو لم تزد المؤونة عن الثلث لكان ما خرج بمقدار الثلث أو أقل، ولكن ليس ذلك من باب ظهور ما ترك في الثلث، بل من جهة أنَّ في ثلث المال كفاية لذلك.
فالظاهر تمامية ظهور صحيحة مسمع في لزوم الاخراج عن الاصل.
ومعه لا يتم الجمع بينها و بين الصحيحتين بالاطلاق والتقييد؛ بل إنَّ مقتضى القاعدة استقرار التعارض وسقوط الطائفتين، ما دل على الاخراج من الثلث، وما دل على الاخراج من الأصل، والرجوع الى مقتضى القاعدة في المقام وسيأتي الكلام فيه.
واما بناءً على سقوط اعتبار الصحيحتين بالاعراض وتمامية اعتبار رواية مسمع سنداً، فانه ليس لنا دليل روائي في المقام غيرها الدالة على لزوم اخراج مؤونة نذر الاحجاج عن الأصل.
وهنا بحث، وهو انه اذا دل الدليل على اخراجها من أصل المال، فهل يمكن الاستدلال بها لاخراج حج النذر من الاصول كنذر الاحجاج؟ فربما يقال: بأولوية نذر الحج عن نذر الاحجاج في الاخراج من الثلث، كما ربما يقال أيضاً باسراء الحكم، وتنقيح المناط، لأن النذر في كل منها تعلق بالعمل، وهو الحج فيهما الا ان أحدهما كان بالمباشرة والآخر بغيرها.
قال السيد الخوئي (قدس سره) فيما مرَّ من كلامه نقلاً عن جماعة: أنَّه لو كان نذر الاحجاج يخرج من ثلث المال مع كونه مالياً محضاً فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل والأخراج من الثلث.
وأجاب عنه (قدس سره):
إن الاولوية المدعاة ممنوعة، لأن الحج المنذور النفسي يمتاز عن سائر الواجبات لكونه واجباً مالياً، وحاله حال الدين في الخروج من الأصل، وأما نذر الإحجاج فهو مجرد تسبيب الى العمل وإلى اتيان أفعال الحج، ولا يصح اطلاق الدين عليه في نفسه.
ودعوى أن الاحجاج واجب مالي محض واضحة الدفع لامكان احجاج الغير بدون بذل المال له أصلاً، كما اذا التمس من أحد ان يحج أو يلتمس من شخص آخر ان يحج للغير ونحو ذلك من التسبيبات الى حج الغير من دول بذل المال، وعليه فالتعدي من هذه الجهة بلا موجب.
هذا ثم انه لو التزمنا بان الحج بعنوانه واجب مالي والتزمنا بالتفصيل بين الحج وغيره من الواجبات الفعلية او غير المالية فانه لا وجه للتفصيل بين نذر الحج النفسي ونذر الاحجاج في الحكم، بل يسري الحكم مما دل على لزوم الاخراج من الاصل في نذر الاحجاج الى نذر الحج النفسي بتنقيح المناط دون الاولوية.
ويمكن ان يقال:
ان المراد من الدين حقيقة في الواجبات الواجبات المالية المتأصلة كالخمس والزكاة وأمثالها، وأما مثل الحج فانه ليس بدين حقيقة لعدم كونه من الواجبات المالية المتأصلة، وما يحتاج من المال فيه إنَّما يكون في تحصيل مقدماته والوصول الى مكان الواجب.
نعم لو تم قيام النص على انه دين تعبداً بحيث يترتب عليه جميع احكام الدين فانما نلتزم به من جهة التعبد، وربما يدل عليه ما دل على انه بمنزلة الدين في حجة الاسلام أو أنه مقدم على الدين في اخراج مؤونة من تركة الميت الذي لا يأتي بالواجب.
ولكن يمكن ان يلاحظ فيه، ان الدين لا يصدق على الحج حقيقه لانه واجب فعلي أي تعلق الوجوب فيه بالعمل دون المال، فما ورد في الروايات بانه دين او بمنزلة الدين كان في مقام تنزيله منزلة الدين ولا يلزم ان يكون هذا التنزيل في جميع الأحكام، بل إنَّما يصحح ذلك اشتراكه مع الدين في حكم واحد كوقوعه في الذمة اذا تركه عند فعلية وجوبه.
فهو واجب متعلق بالفعل، وما دل على لزوم اخراج مؤونته من أصل التركة انما يدل ذلك تعبداً، لا من جهة القاعدة وكونه واجباً مالياً.
فنلتزم به من جهة قيام النص المعتبر عليه.
وأما بالنسبة الى نذر الحجاج فقد مرَّ قيام النص المعتبر على لزوم اخراج مؤونته من أصل المال، فان مقتضى صحيحة مسمع ذلك على ما مر تقريبه. وليس ذلك ايضاً من جهة اقتضاء القاعدة.
واما بالنسبة الى نذر الحج.
فبما ان الحج ليس بواجب مالي، فلا وجه لاخراج مؤونته من أصل التركه من هذه الجهة، أي بمقتضى القاعدة، وليس لنا نص معتبر على لزوم اخراجها كذلك، الا ان نلتزم بتنقيح المناط من حكم نذر الاحجاج، او قلنا بالاولوية في مورده وكلاهما محل منع، لتقوم الأوَّل بكون الحج واجباً مالياً وديناً وتقدم الثاني به ايضاً.
ومع عدم الالتزام بكونه ديناً، والمفروض عدم قيام دليل خاص على وجوب قضائه، فلا دليل على اخراج مؤونة قضائه لا من الثلث ولا من الأصل لعدم الدليل.