بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دوازدهم
واما بالنسبة الى نذر الحج.
فبما ان الحج ليس بواجب مالي، فلا وجه لاخراج مؤونته من أصل التركه من هذه الجهة، أي بمقتضى القاعدة، وليس لنا نص معتبر على لزوم اخراجها كذلك، الا ان نلتزم بتنقيح المناط من حكم نذر الاحجاج، او قلنا بالاولوية في مورده وكلاهما محل منع، لتقوم الأوَّل بكون الحج واجباً مالياً وديناً وتقدم الثاني به ايضاً.
ومع عدم الالتزام بكونه ديناً، والمفروض عدم قيام دليل خاص على وجوب قضائه، فلا دليل على اخراج مؤونة قضائه لا من الثلث ولا من الأصل لعدم الدليل.
وما مرَّ في كلام الاعلام من دلالة اللام في قوله «لله عليَّ كذا» على الوضع دون التكليف المحض كما هو الحال في قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت ...}[1] . وقد مرَّ التزام المحقق العراقي والسيد البروجردي (قدس سرهما) به، لو تم، للزم الالتزام به في جميع موارد النذر بلا تفصيل بين الحج وغيره ولا يلتزمون به، بل ان غاية ما يفيده اللام انما هو تقرر الفعل على الذمة ولا يستفاد منها أكثر من ذلك.
نعم:
يشك الامر في خصوص حج النذر من جهة اشتهار الفتوى بينهم في لزوم القضاء فيه، وكذا اخراج مؤونته من أصل المال، فلو تم هذا الاشتهار خصوصاً بين قدماء الاصحاب لامكن الالتزام بمقتضاه، مع امكان تأييده بأنَّ ما دل على لزوم اخراج نذر الاحجاج عن أصل التركة انَّما يفيد وجود خصوصية في نفس الحج أي نفس الواجب العملي وبذلك يشكل التفصيل بين حج الاسلام، ونذر الاحجاج وبين الحج النذري باخراج الأول من الأصل، والقول في الثاني بعد وجوب القضاء من رأسه. بل ربما يكون فعل نفسه للحج أولى من احجاج الغير في ذلك لا من جهة المالية، بل من حيث الاهتمام بهذا الفعل الخاص ومحبوبيته عند الله، كما يؤيده تَقدُم اخراج مؤونة حجة الاسلام على اخراج الدين لو قلنا به في مقامه.
قال صاحب العروة ـ في مسألة 83 ـ:
«.. ولو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وقصرت التركة فإن كان المال المتعلق به الخمس او الزكاة موجوداً قدم، لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرفه في غيرهما»[2].
وفيه مسألتان:
1 ـ انه لو كان عليه خمس أو زكاة وكان المال المتعلق بهما موجوداً قدم على غيرهما لتعلقهما بالعين ومعه لا يجوز صرفه في غيرهما.
قال السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك:
« أما التعلق بالعين فمما لا إشكال فيه عندنا، و قد تقدم بيانه في كتاب الزكاة و الخمس. و أما أنه مانع عن جواز الصرف في غيرهما فأوضح، لأنه تضييع لحق الغير، فهو خلاف قاعدة السلطنة على الحقوق.
والظاهر اتفاقهم على ذلك ولا خلاف بينهم فيه على مبنى تعلق الخمس والزكاة بالعين»[3].
2 ـ انه لو كان الخمس أو الزكاة في الذمة فان الأقوى توزيع التركة على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس.
قال السيد الحكيم:
« كما في الشرائع و غيرها. و في المدارك: أنه واضح، بل هو المعروف بيننا. و تقتضيه: قاعدة بطلان الترجيح بلا مرجح»[4].
وافاد السيد الخوئي:
« الحكم بالتوزيع على الجميع هنا وعدم جواز التخصيص ببعض الديون كما هو الحال في غرماء المفلس هو التسالم عليه بينهم بلا خلاف.
ويدل عليه موثقة علي بن رئاب عن زرارة ( قال ):
سألت أبا عبد الله ( أبا جعفر ) ( عليه السلام ) عن رجل مات وترك عليه دينا وترك عبدا له مال في التجارة وولدا وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دين استدانه العبد في حياة سيده في تجارة ( ته ) وأن الورثة وغرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد فقال :
أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ، ولا على ما في يده من المتاع والمال إلا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا فيكون العبد وما في يده من المال للورثة.
فإن أبوا كان العبد وما في يده للغرماء يقوم العبد وما في يديه من المال، ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد وما في يديه عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئا ، قال: وأن فضل من قيمة العبد وما كان في يديه عن دين الغرماء رده على الورثة»[5].»[6]
والرواية ما رواه الشيخ في التهذيبين باسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن زراره.
ورواه الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد.
والرواية موثقة على طريق الشيخ لأن اسناده الى الحسين بن محمد بن سماعة اسناد موثق.
والحسن بن محمد، قال فيه النجاشي:
«الحسن بن محمد بن سماعة أبو محمد الكندي الصيرفي من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة كان يعاند في الوقف ويتعصب»[7].
وقال العلامة: «.... واقفي المذهب الا انه جيد التصانيف نقي الفقه، حسن الانتقاد كثير الحديث فقيه ثقة كان من شيوخ الواقفية ويعاند في الوقف ويتعصب»[8]
وقال الشيخ في الفهرست: «... واقفي المذهب الا انه جيد التصانيف، نقي الفقه حسن الانتقاد.»[9]
وعده في رجاله من أصحاب الكاظم (ع) وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن ابن محبوب وهو الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب وقد مرَّ الكلام في جلالة قدرهما. و هو من الطبقة الخامسة.
وهو رواه عن زرارة بن أعين وهو من مشايخ الثقاة. و هو من الطبقة الرابعة.
والرواية موثقة على طريق الكليني ايضاً.
لان الكليني رواها عن حميد بن زياد، وهو حميد بن زياد بن حماد بن زياد أهواز الدهقان.
قال فيه النجاشي: «... كان ثقة واقفاً وجهاً منهم...»[10]
وقال الشيخ في الفهرست: «... ثقة كثير التصانيف روى الأصول أكثرها.»[11]
ومثله عن العلامة.[12]
وهو من الطبقة الثامنة ومن مشايخ الكليني:
وهو رواها عن الحسن بن محمد بن سماعة السابق ذكره وبيان وثقاته، وكذا الى زرارة والرواية موثقة على طريق الكليني ايضاً.
[1] . سورة ال عمران، الاية 97.
[2] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص 457.
[3] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، شرح، ص247.
[4] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، شرح، ص247.
[5] . الحر العاملي، وسائل الشيعة( الاسلامية)، ج13، ص120 ، الباب 31 من ابواب حكم دين المملوك، الحديث 5.
[6] السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص301.
[8] . العلامة الحلي، خلاصة الاقوال في معرفة الرجال ، ص333
[9] . الشيخ الطوسي، الفهرست، ص103.
[10] . رجال النجاشي، ص132.
[11] . الشيخ الطوسي، الفهرست، ص114.
[12] . العلامة الحلي، خلاصة الاقوال في معرفة الرجال، ص129.