بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سیزدهم
وأما استصحاب الزماني:
والمراد منه الأمور التدريجية المتصرمة في الوجود كالتكلم والنبعان.
فإن في مثلهما يوجد جزء وينعدم، فيوجد جزء آخر ويسمي بغير القار.
قد مر من صاحب الكفاية الالتزام بجريان الاستصحاب فيها تبعاً للشيخ، وكان يبتني جريانه عندهما علي لحاظ الوجودات المستمرة فيها وجود واحداً مستمراً عرفاً وبالمسامحة العرفية.
وما مر من التقريب لجريان الاستصحاب في الزمان جار هنا بعينه، وإن لهذه الأمور وجودات خاصة علي حيثية خاصة ويكون بقائها واستمرارها بحسب وجودها المتحيثية بحيثيتها الخاصة من غير حاجة لتصوير الوحدة فيها الي المسامحة العرفية.
وهنا بحث:
وهو ان الشك في هذه الأمور انما يتصور علي انحاء ثلاثة:
الأول:
ان يكون الشك في بقائها ناشئاً عن الشك في المقتضي كما اذا علمنا بنبع الماء في العين ثم شككنا في اقتضاء المنبع للنبع بعد ذلك.
الثاني: ان يكون الشك فيه ناشئاً عن الشك في حدوث الرافع والمانع، كما اذا شك عن عروض مانع عن النبعان في العين في المثال.
الثالث:
ان يكون الشك في بقاء النبعان ناشئاً عن الشك في حدوث منبع جديد بعد العلم بارتفاع المنبع الأول، بأن يعلم ان المنبع الاول لا يقتضي الجريان الا الي هذا الحد والزمان كالمنابع الفصلية، ولكن نحتمل اتصال العين بمنبع آخر له اقتضاء النبع الي زمان الشك.
وهذه الصور تجري في الأمور الزمانية المتدرجة كجريان الماء والنبع علي ما مر ونبع الدم، والحركة والتكلم وأمثاله.
هذا، لا شبهة في جريان الاستصحاب في التصوير الاول بناءً علي الالتزام بحجية الاستصحاب مطلقا بلا فرق بين ان يكون الشك في المقتضي او في الرافع.
نعم، من التزم بجريان الاستصحاب في خصوص الشك في الرافع، لا يمكنه الالتزام بجريان الاستصحاب في المقام.
وأما التصوير الثاني: فالظاهر التزام الجميع بجريان الاستصحاب فيه من غير اشكال.
وأما التصوير الثالث:
فأورد المحقق النائيني علي جريان الاستصحاب فيه:
بأن الحافظ للوحدة في الأمور التدريجية غير القارة كالحركة هو الداعي، فمع وحدة الداعي تكون الحركة واحدة، ومع تعدده تكون الحركة متعددة، وحيث ان الداعي الاول قد انتفي في القسم الثالث يقيناً، فتكون الحركة الحادثة بداع آخر علي تقدير وجودها غير الحركة الاولي، فلا يصح جريان الاستصحاب لاختلاف القضية المتيقنة والمشكوكة.
وأجاب عنه قدس سره السيد الخوئي قدس سره:
«بأن الحافظ للوحدة ليس هو الداعي، بل هو الاتصال ، فما لم يتخلل العدم فالحركة واحدة وان كان حدوثها بداع وبقاؤها بداع آخر ، وإذا تخلل العدم ، كانت الحركة متعددة وإن كان الداعي واحدا .
وقد نقضنا عليه (ره) في الدورة السابقة بالسجدة ، فمن سجد في الصلاة بداعي الامتثال ثم بعد اتمام الذكر بقي في السجدة آنا ما للاستراحة مثلا، فهل يمكن القول ببطلان الصلاة لأجل زيادة السجدة ؟))
ويمكن ان يقال:
ان المراد من الاتصال الذي هو الحافظ للوحدة الاتصال في كل شئ بحسبه، لأن الوحدة فيه ايضاً بحسبه وعلي اساس حيثية وجوده، فإن الاتصال في الحركة استدامتها وكذا في النبعان، وإنما القاطع عند تخلل العدم كما افاده قدس سره، بمعني عدم استمرار الشيء علي حسب ما يتوقع في وجوده، ولا عبرة في هذا المقام بالداعي، بل يمكن تصوير الوحدة مع تعدد الداعي، وعدم الوحدة والاستمرار الوجودي مع وحدة الداعي. فما افاده السيد الخوئي قدس سره في كمال الدقة والمتانة وأن اساس الوحدة انما هو بالاتصال، وإن كان يفترق في الوجودات التدريجية بحسب حيثيتها الخاصة الوجودية كما مر في استصحاب الزمان ويأتي عند البحث فيما افاده صاحب الكفاية قدس سره قريباً.
وقد اورد علي جريان الاستصحاب في القسم الثالث ايضاً:
بأن الاستصحاب في هذا القسم وأن لا مانع عن جريانه في نفسه الا انه محكوم بأصل آخر وهو اصالة عدم حدوث المقتضي الجديد، فإن الشك في بقاء الحركة مثلاً مسبب عن الشك في حدوث داع ومقتضي آخر لها، ومقتضي الأصل عدمه، وهو حاكم علي استصحاب بقائها.