بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سیزدهم
والنكتة في استناد السيد الخوئي (قدس سره) الى هذه الموثقة قول الامام (ع) فيها:
«أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ، ولا على ما في يده من المتاع والمال إلا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا فيكون العبد وما في يده من المال للورثة. فإن أبوا كان العبد وما في يده للغرماء يقوم العبد وما في يديه من المال، ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص...»
وعليه فان قول صاحب العروة «فالاقوى ان التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس» ناظر الى هذه الرواية أي يمكن ان يكون ناظراً اليها ومستنداً اليها فان توزيع المال بين الدين والخمس والزكاة بالنسبة انما يكون كتوزيعه بين غرماء الميت اذا قصرت التركة.
وهذا الوجه الذي قرره صاحب العروة أقوى هو المتسالم عليه عند الفقهاء، وقد أكد عليه السيد الخوئي (قدس سره) أيضاً بقوله: «كما هو الحال في غرماء المفلس هو المتسالم عليه بينهم بلا خلاف.
ولعل وجه استناده الى الموثقة بعد ذكر تسالم الاصحاب وعدم الخلاف بينهم فيه التأكيد على عدم كفاية المتسالم المذكور في الاستناد عنده.
ثم انه افاد صاحب العروة (قدس سره):
« وقد يقال بتقدم الحج على غيره ، وإن كان دين الناس ، لخبر معاوية بن عمار الدال على تقديمه على الزكاة»[1]
قال السيد الحكيم في المستمسك:
« حكى في الجواهر عن جواهر القاضي : احتمال تقدم الحج ، وعن آخر : احتمال تقدم الدين . وظاهر الوسائل والحدائق : اختيار الأول.
لمصحح معاوية بن عمار :
قلت له : رجل يموت وعليه خمس مائة درهم من الزكاة ، وعليه حجة الاسلام ، وترك ثلاثمائة درهم ، وأوصى بحجة الإسلام وأن يقضى عنه دين الزكاة ؟ قال : يحج عنه من أقرب ما يكون ، ويخرج البقية في الزكاة .»[2]
ونحوه خبره عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) :
«في رجل مات وترك ثلثمائة درهم ، وعليه من الزكاة سبعمائة درهم ، وأوصى أن يحج عنه . قال ( عليه السلام ) : يحج عنه من أقرب المواضع " ويجعل ما بقي في الزكاة»[3].
قال في الجواهر : وفيه:
«بعد إعراض الأصحاب عنهما ، وقصور سند الثاني منهما، واختصاصهما بالزكاة: أنه يمكن كون ما ذكره فيهما مقتضى التوزيع أيضا ...»
ولم يتعرض في المتن للاشكال بقصور السند ، لأنه يكفي في إثبات القول المذكور المصحح المعتبر السند.
كما أنه لم يذكر الاشكال الأخير ، لأنه خلاف إطلاق الدليل.
مع أنه مبني على لزوم الحج البلدي ، إذ لو كان الميقاتي مجزيا كان حصة الحج - بعد ورود النقص عليها - غير كافية فيه ، فلا وجه للأمر باخراجه الا لأجل عدم ورود النقص عليه بخلاف الزكاة»[4]
وافاد السيد الخوئي قدس سره:
« لو كان عليه دين أو خمس أو زكاة وكانت التركة كافية للصرف فيها وفي الحج فلا كلام.
ولو قصرت التركة فهل يتقدم الحج أم لا ؟ . قد يفرض أن العين موجودة وقد يفرض أنها في الذمة.
أما في الصورة الأولى: - اذا كانت العين موجودة-
فلا ريب في تقديم الخمس أو الزكاة لتعلقهما بالعين فلا يجوز صرف المال في غيرهما سواء قلنا بالإشاعة أو بالتشريك في المالية كما هو المختار عندنا ، لأن التركة بتمامها ليست للميت بل هو شريك مع أرباب الخمس أو الزكاة والحج إنما يخرج من ماله لا من مال شريكه .
وأما في الصورة الثانية - فرض كونها في الذمة ـ
فقد اختار السيد المصنف - رحمه الله - توزيع التركة على الجميع بالنسبة لبطلان الترجيح فإن كان المال وافيا للجميع فلا كلام وإن لم يف المال إلا ببعض الأفعال كالطواف أو السعي فقط سقط وجوب الحج لعدم جريان التبعيض فيه.
هذا. ولكن الظاهر تقدم الحج على الزكاة والخمس بل على كل دين من ديون الناس لصحيح معاوية بن عمار قال:
«قلت له رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة وعليه حجة الاسلام وترك ثلاثمائة درهم فأوصى بحجة الاسلام وأن يقضى عنه دين الزكاة قال : يحج عنه من أقرب ما يكون ويخرج البقية من الزكاة»[5].
ونحوه صحيحه الآخر إلا أن فيه ( وعليه من الزكاة سبعمائة درهم).
وصاحب الجواهر ناقش في الخبر الثاني سنداً ولكن يكفينا الأول ولا فرق بينهما دلالة ومتنا إلا في مقدار الزكاة[6].
مع أن الخبر الثاني صحيح السند أيضا لأن منشأ الضعف إما من جهة محمد بن عبد الله بن زرارة الذي روى عنه ابن فضال ويروي هو عن ابن أبي عمير وهو ممن لم يوثق.
وإما من جهة طريق الشيخ إلى ابن فضال لضعفه بابن الزبير القرشي ، ولكن لا يضر ضعف طريق الشيخ إلى ابن فضال بعد ما كان طريق النجاشي إليه صحيحا والكتاب واحد مع ما فصلنا الكلام فيه في محله .
وإما محمد بن عبد الله بن زرارة فقد نقل النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن فضال عن علي بن الريان في قصة عدول الحسن بن فضال إلى الحق أن محمد بن عبد الله بن زرارة أصدق عندي لهجة من أحمد بن الحسن بن علي بن فضال فإنه رجل فاضل دين مضافا إلى أنه من رجال كامل الزيارات.
ثم إن مورد الصحيحين وإن كان هو الزكاة ولكن الظاهر عدم الفرق بينها وبين الخمس لأن الخمس بدل الزكاة وهو من هذه الجهة محكوم بحكم الزكاة مضافا إلى أن الزكاة أهم من الخمس فلو كان الحج مقدما على الزكاة يقدم على الخمس بطريق أولى .
وأما تقديم الحج على الدين الشخصي فيدل عليه صحيح بريد العجلي المتقدم ( عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق.
قال: ان كان صرورة قبل ان يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام، فان فضل من ذلك شيء، فهو للورثة ان لم يكن عليه دين[7].
ودلالته صريحة في تقديم الحج على الدين.»[8].
[1] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص457.
[2] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص255، الباب 21 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث2.
[3] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج19، ص359، الباب 42 من ابواب احكام الوصايا، الحديث 1.
[4] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ش، ص247.
[5] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص255، الباب 21 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث2.
[6] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج19، ص359، الباب 42 من ابواب احكام الوصايا، الحديث 1.
[7]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص68 الباب 26 من ابواب وجوب الحج، الحديث 2.
[8] . السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص301- 303.