بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شانزدهم
قال صاحب العروة (قدس سره):
«...وربما يحتمل تقديم دين الناس لأهميته، والأقوى ما ذكر من الحصيص.»[1]
قد مرَّ عن السيد الخوئي (قدس سره):
«وأما تقديم الحج على الدين الشخصي فيدل عليه صحيح بريد العجلي المتقدم ( عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق قال إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزء عنه حجة الاسلام وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام فإن فضل من ذلك شئ فهو للورثة إن لم يكن عليه دين»[2].
ودلالته صريحة في تقديم الدين على الحج.
وصحيح بريد ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن بريد العجلي قال:
سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق؟ قال: إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الاسلام، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام، فإن فضل من ذلك شئ فهو للورثة إن لم يكن عليه دين.
قلت: أرأيت إن كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل أن يحرم، لمن يكون جمله ونفقته وما معه؟
قال: يكون جميع ما معه وما ترك للورثة، إلا أن يكون عليه دين فيقضى عنه، أو يكون أوصى بوصيه فينفذ ذلك لمن أوصى له، ويجعل ذلك من ثلثه»[3]
ورواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم، عن الحسن بن محبوب نحوه.
ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن رئاب، وكذا الذي قبله.
ولكن صاحب العروة (قدس سره) لا يلتزم بمدلولها بقوله (ع): « إن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام، فإن فضل من ذلك شئ فهو للورثة إن لم يكن عليه دين.»
لانه افاد في صدر مسألة 73:
« إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق فإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، فلا يجب القضاء عنه، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى.
خلافا لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضا، ولا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الأخبار كصحيحة بريد العجلي حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم: وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام فإن مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم.
لكنه معارض بمفهوم صدرها، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل المقنعة»[4].
هذا وصحيحة ضريس السابقة:
ما مر عن ابي جعفر عليه السلام: قال في رجل خرج حاجا حجة الاسلام فمات في الطريق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الاسلام، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الاسلام»[5]
وصحيحة زرارة السابقة:
ما مر عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال: - قلت: فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟ قال: يحج عنه إن كانت حجة الاسلام ويعتمر، إنما هو شئ عليه»[6].
وقد مر انه يتعين حملها على صورة ما اذا لم يدخل الحرم او حملها على الاستحباب، ومعه لا تصلح للمعارضة مع صحيحة بريد العجلي.
واما مرسل المقنعة فهو ما رواه المفيد في المقنعة، قال: قال الصادق عليه السلام من خرج حاجا في الطريق فانه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج، وليقض عنه وليه»[7].
وهو مرسل لا يصلح للمعارضة مع صحيحة بريد الا ان نلتزم بجبر الضعف فيه بالعمل والعمدة في المعارضة هو صحيحة ضريس.
وحيثية المعارضة في كلام صاحب العروة القول في من مات في الحرم قبل ان يحرم وهو صرورة حيث ان مدلول ذيل صحيحة بريد بقوله: «وان كان مات وهو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام...» انه اذا احرم ومات يجزي عن حجة الاسلام وان لم يدخل الحرم.
ومقتضى صحيحة ضريس الاجزاء اذا مات في الحرم. فيعارضان من هذه الجهة مع ان مقتضى ذيل صحيحة بريد معارض بمفهوم صدرها.
لان في صدرها: «سألت ابا جعفر (ع) عن رجل خرج حاجاً ومعه حمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق قال: ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد اجزأ عنه حجة الاسلام». فان مفهومه اذ لم يكن مات في الحرم لا يحزي عنه حجة الاسلام وان كان قد أحرم.
هذا ولكن هذه المعارضة انما توجب الخلل في دلالة صحيحة بريد على الإجزاء لمن مات في الحرم بغير احرام، ولا يوجب خللاً في دلالة الذيل على تقدم الحج على الدين.
كما ان عدم الاجزاء قبل الاحرام في الصرورة انما ينافي القاعدة وذهاب الأصحاب على عدم كونه مستطيعاً وان الموت قبل الشروع في أفعال الحج ومنها الاحرام انما يكشف عن عدم ثبوت الاستطاعة ولكنه ايضاً لا يوجب خللاً في دلالة الرواية على تقدم الحج على الدين.
[1]. السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص458.
[2]. السيد الخوئي، کتاب حج، ج1، ص303.
[3]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص 69.
[4]. السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص445.
[5]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص68، الباب 26 من ابواب وجوب الحج، الحديث 1.
[6]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص69، الباب 26 من ابواب وجوب الحج، الحديث 3.
[7]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص70، الباب 26 من ابواب وجوب الحج، الحديث 4.