بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هجدهم
قال السيد الحكيم (قدس سره) في مسألة 17 في ذيل قول صاحب العروة هناك:
« لو فرض كونهما – الحج والدين الشخصي - عليه بعد الموت يوزع المال عليهما ولا يقدم دين الناس.
ويحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب. لكنه أيضا لا وجه له، كما لا يخفى»[1]
قال (قدس سره):
«... أن توزيع التركة على الحج والدين بعد الوفاة يدل على عدم الأهمية للدين، وإلا لزم تقدم الدين على الحج.
وفي بعض الحواشي الاشكال على ذلك: بأن الدين والحج لما تعلقا - بعد الموت - بأعيان التركة لم يبق لرعاية الأهمية موقع.
وفيه:
أنه إذا كان الدين أهم كان اللازم أن لا يتعلق الحج بالتركة مع المزاحمة بالدين، كما لم يتعلق الميراث مع المزاحمة للوصية، ولا الوصية مع المزاحمة للدين، ولا الدين مع المزاحمة لتجهيز الميت.
فتعلق الحج والدين معا مع المزاحمة يدل على عدم أهمية الدين من الحج. وقد تقدم في مبحث قضاء الصلوات: الاحتجاج على أهمية حق الله تعالى بما ورد، من أن حق الله أحق أن يقضى، وتقدم الاشكال فيه هناك.
فما اشتهر من أهمية حق الناس من حق الله تعالى دليله غير ظاهر.
وكأنه لما ورد: من أن الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر، وذنب لا يغفر وذنب لا يترك. فالذي يغفر ظلم الانسان نفسه، والذي لا يغفر ظلم الانسان ربه. والذي لا يترك ظلم الانسان غيره. »[2]
وفيه أن الدلالة على ذلك غير ظاهرة، إذ لا تعرض فيه للأهمية، وإنما تعرضه للغفران، وأن ظلم الانسان نفسه يغفر وإن كان له من الأهمية ماله، وظلم الانسان غيره لا يغفر إلا بمراجعة صاحب الحق وإن لم يكن له شئ من الأهمية ما دام أنه حق للغير. فالحديث الشريف متعرض لغير ما نحن فيه.
وبالجملة:
فهذا الحكم المشهور غير ظاهر، وإن كان تساعده مرتكزات المتشرعة. لكن في بلوغ ذلك حد الحجية تأمل.
نعم:
إذا كان الواجب الشرعي له يدل عند العجز، فدليل حق الناس يقتضي الانتقال إلى البدل لأنه ينقح العجز الذي هو موضوع البدلية. أما في غير ذلك فغير ظاهر.
وإن كان الظاهر التسالم على عدم وجوب الحج أو الصلاة أو الصوم إذا توقف أداؤها على التصرف في مال الغير.
لكن لم يثبت أن ذلك الأهمية حق الناس على حق الله تعالى، فإن الظاهر التسالم أيضا على عدم وجوب أداء الزكاة أو الخمس أو الكفارات إذا توقف على ذلك، مع أنها من حق الناس. وكذا الحال في وفاء الدين إذا توقف على ذلك»[3].
وافاد السيد الخوئي (قدس سره):
«.. واما ما ذكره في المتن من منع اهمية اداء الدين نظرا الى ما ورد فيمن مات وعليه دين وحج من توزيع تركته بينهما، اذ لو كان الدين اهم لاختصت التركة به.
ففيه:
ما لا يخفى لوضوح الفرق بين حالتي الموت والحاية، اذ التكليف بالحج يسقط بالموت جزما فلا يبقى الا الحكم الوضعي البحت، وهو كونه دينا كساير الديون، كما قد اطلق الدين عليه في بعض الاخبار.
ومن الضروري عدم الفرق بين دين ودين، فان حقوق الديان ـ ومنها الحج ـ متساوية الاقدام بالاضاف الى التركة. ولا تكاد تلاحظ الاهمية هنا بوجه فو كان مدينا لاتقى الاتقياء ولاشقى الاشقياء وقد مات توزع تركته عليهما بالسوية بلا خلاف ولا اشكال.
فالتوزيع بعد الممات الوارد في المقام لا شهادة فيه على التساوي وعدم اهمية اداء الدين في حال الحياة التي هي محل الكلام كما لا يخفى.
على ان التوزيع المزبور لم يد عليه اي دليل وان كان مذكورا في كلمات الفقهاء قدس الله اسرارهم.
بل قد ورد النص بخلافه وانه يتقدم الحج، فان بقي شيء صرف في الدين وهي صحيحة بريد العجلي:... وان كان مات وهو صرورة قب ان يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في جهة الاسلام فان فضل من ذلك شيء فهو للورثة ان لم يكن عليه دين.
حيث دلت على الصرف اولا في الحج ثم في الدين ثم في الارث.
نعم:
هي محمولة على صورة استقرار الحج كما لا يخفى ونحوها صحيحة معاوية بن عمار الواردة في الزكاة.
وكيف ما كان فمحل الكلام تكليف الشخص نفسه حال حياته وانه لدى الدوران والمزاحمة هل يقدم الاحج او اداء الدين.
والتوزيع المزبور لو ثبت بعد الممات لا شهادة فيه على الحكم في حال الحياة بوجه حسبما عرفت....»[4]
[1]. السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص381.
[2]. راجع الوسائل، الباب 28 من ابواب جهاد النفس، بما يقرب من ذلك.
[3]. السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص99-100.
[4] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص120