بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نوزدهم
ثم قرر السید الخوئی (قدس سره) افاد بعد سطور:
«... ما اشتهر وتداول علي الألسن من تفسير الاستطاعة الشرعية بما كان مرخصاً فيه من قبل الشارع بقول مطلق من غير مزاحمته لاي تكليف آخر بحيث إن اي تكليف آخر مضاد له معجز عنه وموجب لسلب القدرة شرعاً، فهو كلام مشهوري لا أساس له من الصحة حسبما فصلنا القول فيه في الاصول.
واما مع المزاحمة بين التكليفين كما في الحال غير المأذون في التاخير او المؤجل غير الموثوق بادائه، فحينئذٍ يسقط وجوب الحج لا لما علله في المتن من انتفاء الموضوع وعدم صدق الاستطاعة لتحققها بالمعني المفسر في الاخبار حسبما عرفت بل لتقديم وجوب اداء الدين عليه الذي هو من أجل تضمنه حقوق الناس مضافا الي حق الله مقدم علي وجوب الحج الذي هو متمحض في حق الله محضا لكونه اهم منه اما جزما او لااقل احتمالا.
وقد عرفت أن التوزيع لو ثبت فلا شهادة فيه على عدم اهمية الدين بالإضافة الى حال الحياة التي هي ظرف فعلية التكليفين.
على انه غير ثابت. بل قد ثبت تقديم الحج في صحيحة بريد المتقدمة، وكذا في صحيحة معاوية بن عمار قال:
قلت له رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة وعليه حجة الاسلام وترك ثلاثمائة درهم. فأوصى بحجة الاسلام وان يقضى عه دين الزكاة.
قال يحج عنه من اقر ما يكون، ويخرج البقية للزكاة.
ولا يخفي انه لو لا هاتان الصحيحتان لكان مقتضى القاعدة في محل الكلام اعني صورة المزاحمة والدوران بين صرف التركة في الدين او في الحج تقديم الاول.اذ تارة يفرض سعة المال لهما معاً كما لو كان عليه دين خمسمائة واجرة الحج خمسمائة وقد خلف ألف فانه يوزع حينئذٍ عليهما، من غير أية مزاحمة.
واخرى يفرض عدم الوفاء لهما كما هو مورد الصحيحة الثانية لعدم التمكن من الجمع بينهما ـ الذي هو محل الكلام ـ كما لو كان عليه مائتان واجرة الحج ايضاً مائتان وقد ترك مأتيين، فان التوزيع حينئذٍ لا معنى له ابداً، اذ لو صرف النصف في الدين لم يبق مجال لصرف النصف الاخر في الحج، اذ المفروض ان اجرتها مائتان فالنصف الاخر وهو المائة لا يفي بذلك.
فمرجع التوزيع الى الغاء الحج بالكلية مع عدم الأداء من الدين الا نصفه، فيبقى النصف الآخر من التركة بلا مصرف.
وبالجملة:
فالتوزيع في محل الكلام أعنى فرض المزاحمة لا وجه له بتاتاً، بل اما ان يقدم الدين بمقتضى القاعدة لمكان الأهمية، ولو احتمالاً كما تقدم او ان يقدم الحج بمقتضى هاتين الصحيحتين وهو الاصح تحكيماً للنص على القاعدة.
ثم ان الفرق بين ما ذكرناه وما ذكره السيد الماتن يظهر فيما لو خالف وصرف المال في الحج، فانه لا يجزيه عن حجة الاسلام على مسلك الماتن (قدس سره) لعدم كونه مستطيعاً حسب الفرض.والحج الصادر من غير المستطيع لا يجزي عن حجة الاسلام.
واما على ما سلكناه فيجزي بناءً على ما هو الصحيح من امكان الخطاب الترتبي، فان المعجز عن الحج انما هو الصرف الخارجي في الدين لا مجرد الامر به، فيؤمر اولاً بالأهم، وهو الصرف في الدين، وعلى تقدير العصيان يؤمر بالمهم وهو الحج لتحقق موضوعه حسبما عرفت. فيكون حجه مجزيا عن حجة الاسلام وان كان آثماً.»[1].
هذا ثم انه (قدس سره) افاد في حاشية له في المقام:
« الاستطاعة قد فسرت في الروايات بالتمكن من الزاد والراحلة، والمفروض في المقام تحققها فيقع التزاحم بين وجوب الحج ووجوب أداء الدين لكن وجوب أداء الدين أهم فيقدم فيما إذا كان صرف المال في الحج منافيا للأداء ولو في المستقبل، وبذلك يظهر الحال في بقية المسألة.»[2]
وافاد في حاشية أُخرى:
« لتوزيع إنما هو في فرض كفاية المال لهما وإلا فلا بد من صرفه في أحدهما فيصرف في الحج بمقتضى النص ولولاه كان المتعين الصرف في الدين.»[3].
وافاد السيد الاستاذ قدس سره في ذيل قول المحقق (قدس سره):
«الاولى: اذا استقر الحج في ذمته ثم مات قضى عنه من اصل تركته فان كان عليه دين وضاقت التركة، قسمت على الدين وعلى اجرة المثل بالحصص»[4]
قال قدس سره:
«هذه المسأله اشتملت على حكمين:
احدهما: وجوب قضاء الحج عمن مات وقد استقر عليه الحج من اصل تركته.
والاخر: توزيع التركة بالحصص على الدين واجرة مثل الحج لو ضاقت عنها. اما الحكم الاول فهو مما لا اشكال فيه نصا وفتوى,»
ثم ذكر (قدس سره) بعض النصوص كروايه الحلبي عن ابي عبدالله (ع) قال: يقضى عن الرجل حجة الاسلام من جميع ماله. ورواية معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (ع) عن رجل مات فأوصى ان يحج عنه قال: ان كان صرورة فمن جميع المال وان كان تطوعاً فمن ثلثه. ورواية أٌخرى عنه وفيها: انه بمنزلة الدين الواجب وفي بعض آخر التعبير بانها دين عليه.
ثم أفاد (قدس سره):
«واما الحكم الثاني: فهو الموجود في كلمات الفقهاء ويقع البحث في جهتين:
الجهة الاولى: فيما هو مقتصى القواعد الاولية فنقول: ان المورد يكون من موارد التزاحم فان وجوب قضاء الحج ووجوب اداء الدين عن الميت يزاحم كل منهما الاخر.
لعدم القدرة على اشتمالهما معا بعد قصور التركة. والثابت في باب التزاحم هو التخيير بين المتزاحمين لو لم يكن احدهما اهمية احدهما يتعين تقديمه على الاخر.
وعليه فان لم تثبت اهمية احد الحكمين فيما نحن فيه فالتخيير متيقن.
فالاولى ان يصرف المال في اداء الحج وله ان يصرفه في اداء الدين مخيرا في ذلك الا انه قد ورد في بعض النصوص تقديم الحج على الدين، كرواية بريد العجلي عن ابي جعفر ع في حديث: ان كان مات وهو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الاسلام، فان فضل عن ذلك شيء فهو للورثة ان لم يكن له دين.
الجهة الثانية: فيما ورد في كلمات الفقهاء من التوزيع بالحصص، فانه غير سديد كبرويا وصغرويا.
اما كبروياً:
فلانه لا دليل عليه سوى ما يدعى من قاعدة العدل الانصاف المتصيدة من بعض الموارد، ولعل منها مورد الارث اذا قصرت التركة عن وفاء الديون، فانه يحكم بالتوزيع بين الغرماء بالحصص.
ومن الواضح: انها لو ثبتت فهي ثابتة بالنسبة الى حقوق الناس فيما بينهم ولا ثبوت لها بالنسبة الى حقوق الله تعالى. وهو حكم على خلاف القاعدة فانك عرفت ان القاعدة في مورد التزاحم هي التخيير مع عدم الاهمية ولو لا هذه القاعدة او الدليل الخاص لأتجه الحكم بالتخيير في باب المفلس ونحو لا الحكم بالتوزيع بالحصص، فانه لا يتلازم مع مقتضى قواعد المزاحمة.
واما صغروياً:
فلانه لا معنى للتوزيع فيما نحن فيه، لانه من والواضح ان ما يجب قضاؤه هو الحج بمعنى المجموع المركب من الحج والعمرة، واما احد العملين فلا دليل على لزوم قضائه كون من اهل المال.
وحينئذ نقول:
ان الحج الواجب ان كان هو الحج من اقرب المواقيت فلا يجدي التوزيع المدعى، اذ حصة اجرة الحج لا تفي به كما هو الفرض، وبعض العمل لا يجب قضاؤه.
وان كان هو الحج من البلد، فهو انما يجب مع سعة المال ومع عدم سعته ولا يجب الحج الا من الميقات، والمفروض عدم السعة في المال فيما نحن فيه بعد فرض وجوب اداء الدين وضيق التركة لانتفاء التمكن عرفا حينئذ فيكون الواجب هو الحج من الميقات ويكون التوزيع بنسبة اجرته فيعود المحذور السابق.
وبالجملة:
لا نتعقل للتوزيع معنى يجدي في الاتيان بالحج كما يفرضه الاصحاب حيث يقولون:انه ان وفت حصة الحج به فهو والا فكذا.
وقد افاد السيد المقرر الشهيد الحكيم في ذيله:
«لعل الوجه فيما ذكره الاصحاب هو ان التوزيع على الدين واجرة المثل لا ينافي وفاء الحصة بالحج كما لو حصل شخص يذهب الى الحج نيابة باقل من اجرة المثل، فموضوع التوزيع ليس اقل افراد الاجرة بل اجرة المثل فيمكن ان تكون حصتها وافية بالحج بالنحو الذي عرفت»[5]
هذا ثم ان ما اشار اليه السيد الحكيم (قدس سره) فيما مر من كلامه من الحواشي في المقام ما افاده المحقق النائيني (قدس سره) في حاشيته على قول صاحب العروة: «نعم لو استقر عليه وجوب الحج سابقاً فالظاهر التخيير، لانهما حينئذٍ في عرض واحد وان كان يحتمل تقديم الدين اذا كان حالاً مع المطالبة، او مع عدم الرضا بالتأخير لاهمية حق الناس من حق الله لكنه ممنوع.»
قال (قدس سره):
«هذا هو الاقوى ـ اي تقديم الدين ـوالفرق بين حالتي الحياة وما بعد الموت هو كونهما في حال الحياة في الذمة فيتوقف التخيير حينئذٍ على انتفاء الاهمية، ويتعلقان بعد الموت باعيان التركة فلا يبقي لرعاية الاهمية موقع.»
وقد افاد السيد عبد الهادي الشيرازي في ذيل قول صاحب العروة:
«نعم لو استقر عليه وجوب الحج سابقاً فالظاهر التخيير، لانهما حينئذٍ في عرض واحد، وان كان يحتمل تقديم الدين.»
«هذا هو الاوجه.»
وافاد السيد الاصفهائي (قدس سره) في حاشيته.
«وهذا هو الاحوط.»
وافاد السيد محمدتقي الخوانساري والشيخ الآراكي:
«بل لا يخلو من قوة.»
وافاد السيد صدر الدين الصدر: بل هو الاقوى.
وافاد السيد الاصطهباناتي:
«وهو الاحوط لو لم يكن أقوى.»
وافاد السيد البجنوردي:
«وهو الاظهر فيؤدي الدين بذلك المال ويحج متسكعاً الا ان يعجز»
وعن السيد جمال الدين الگلپايگاني، مثل ما مر عن المحقق النائيني وعن السيد السبزواري:
«وهو الاحوط.»
ومورد هذه الحواشي تقديم الدين على الحج لأهميته في حال الحياة اذا استقر عليه الحج سابقاً وقبل مجيء الدين.
ثم انه افاد السيد الفيروز آبادي في ذيل قول صاحب العروة:
«... لاهمية حق الناس من حق الله لكنه ممنوع.»
قال: «بل ليس ببعيد».
وقد افاد السيد الخوئي (قدس سره) في ذيل قول صاحب العروة:
«ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما ولا يقدم دين الناس، ويحتمل تقديم الاسبق منهما في الوجوب، لكنه ايضاً لا وجه له كما لا يخفى.»[6]
قال:
«التوزيع انما هو في فرض كفاية المال لهما، والا فلابد من صرفه في احدهما، فيصرف في الحج بمقتضي النص، ولولاه كان المتيقن الصرف في الدين.» [7]
هذا بالنسبة الى كلمات الاعلام في المقام.
[1]. الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص120-121.
[2]. السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج 4، شرح ص378.
[3]. السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج 4، شرح ص378.
[4] . المحقق الحلی، شرائع الاسلام، ج1، ص 167.
[5]. المرتقى، الحج، ج1، ص191-194.
[6]. السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج 4، شرح ص378.
[7]. السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج 4، شرح ص378.