بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و دوم
وتحقيق الكلام:
هو ان الشك في بقاء الحكم الشرعي:
تارة: يرتبط بمقام الجعل والتشريع، ولو لم يكن المجعول فعليا لعدم موضوعه، كما لو ثبت جعل وجوب الحج على المستطيع في الشريعة ثم شك في بقاء هذا التشريع والجعل ولو لم يكن مستطيع فعلا.
ولا اشكال في جريان استصحاب الجعل، ويعبر عنه باستصحاب عدم النسخ. ولا كلام في ذلك.
وأخرى:
يرتبط بمقام المجعول، كما لو ثبت الحكم الفعلي في زمان فشك في بقائه، كالشك في بقاء حرمة وطا الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الغسل. ومنشأ الشك في بقاء الحكم الفعلي...
تارة: يكون الشك في الأمور الخارجية مع العلم بحدود الحكم المجعول من قبل الشارع سعة وضيقا، ويعبر عنه بالشبهة الموضوعية، كما لو علم بعدم حرمه الوطء بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، ولكن شك في تحقق انقطاع الدم. وجريان الاستصحاب في الحكم أو في الموضوع في مثل ذلك خارج عنمحل الكلام.
وأخرى:
يكون المنشأ هو الشك في حدود المجعول الشرعي سعة وضيقا، فيشك في أن المجعول شرعا هل هو حرمة الوطء حين وجود العدم أو إلى حين الغسل؟ ويعبر عنه بالشبهة الحكمية. وهي على صورتين:
الصورة الأولى:
أن يكون الزمان مفردا للموضوع بنحو يكون كل آن من الزمان موضوعا للحكم على حدة، فينحل الحكم بتعدد أفراد الزمان الطولية، وذلك كحرمة وطء الحائض، فإنها تنحل إلى احكام متعددة بتعدد افراد الوطء الطولية بحسب الزمان.
الصورة الثانية:
أن يكون الحكم واحدا مستمرا باستمراره الزمان ولا يتعدد ويتفرد بتعدد آنات الزمان، كنجاسة الماء المتغير، فإنها حكم واحد مستمر من حدوثها إلى زوالها وموضوعها واحد عرفا وهو الماء، فإنه وجود واحد مستمر بنظر العرف. وليست النجاسة في كل آن حكما غير النجاسة في الآن الاخر.
اما الصورة الأولى:
فلا مجال لجريان الاستصحاب فيها مع الشك، لتعدد افراد الحرمة بتعدد افراد الوطء بلحاظ عمود الزمان، فالفرد المشكوك حرمته من الوطء لم يكن حكمه متيقنا في السابق، بل هو مشكوك الحدوث رأسا، لأنه فرد حادث لا سابق.
واما الصورة الثانية:
فهي محل الكلام في هذا البحث، فيقع الكلام في جريان استصحاب الحكم المشكوك بقاؤه، كما لو شك في بقاء نجاسة الماء المتغير إذا زال تغيره من قبل نفسه.
وقد عرفت أن الفاضل النراقي منع جريانه. والوجه في المنع هو: ابتلاء استصحاب بقاء الحكم بالمعارض، وهو استصحاب عدم الجعل.
بيان ذلك:
انه إذا شك في بقاء نجاسة الماء المتغير إذا زال تغيره من قبل نفسه، فلدينا يقينان سابقان وشكان لاحقان:
يقين بثبوت المجعول وهو النجاسة في السابق، وشك في بقائها بعد زوال التغير، ومقتضى ذلك استصحاب النجاسة المجعولة.
ويقين بعدم جعل وتشريع النجاسة لهذا الموضوع - أعني الماء بعد زوال تغيره - في صدر الاسلام، وشك في بقاء هذا العدم وزواله بجعل النجاسة له - كما جعلت لغيره كالماء قبل زوال التغير، فان جعل النجاسة لم يكن ثابتا له أيضا -، ومقتضى ذلك استصحاب عدم الجعل. فيكون مود الشك مجرى الاستصحابين: استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل، وهما متعارضان.
فلا يمكن البناء على استصحاب الحكم الشرعي، لاجل معارضته باستصحاب عدم الجعل.
وبهذا التقريب لكلام النراقي، لا يتضح ايراد الشيخ عليه، فإنه ( قدس سره ) أورد على النراقي بعد ذكر كلامه:
بان الزمان ان لو حظ مفردا للموضوع بنحو تكون حصة منه فردا منفصلا عن الحصة الأخرى، فلا مجال لاستصحاب الوجود لعدم اتحاد الموضوع وان لو حظ ظرفا للموضوع تعين اجراء استصحاب الوجود.
ولا يجري استصحاب العدم لانقطاعه بالوجود.
فلا يجري الاستصحابان معا حتى يتحقق التعارض.
ولا يخفى عليك:
ان الشيخ ( رحمه الله ) كأنه فهم من كلام النراقي: ان مجرى الاستصحابين هو المجعول. فأورد عليه بما عرفت.
ولكن عرفت في تقريب كلامه ان مركز استصحاب العدم هو الجعل، ومركز استصحاب الوجود هو المجعول. وعليه فيمكن تصور جريان الاستصحابين معا في أنفسهما مع ملاحظة الزمان ظرفا لا مفردا، ويتحقق التعارض حينئذ.
ومن هنا يظهر لك عدم ورود ما أفاده في الكفاية من: انه نظر تارة إلى تحكيم نظر العرف المسامحي في الموضوع، فاجرى استصحاب الوجود. وأخرى إلى تحكيم نظر العقل الدقي، فاجرى استصحاب العدم. والثابت هو اتباع النظر العرفي، فلا مجال لاستصحاب العدم.
ووجه عدم وروده:
انه يتم لو كان المنظور في كلام النراقي كون مجرى استصحاب العدم واستصحاب الوجود شيئا واحدا وهو المجعول، فلا يمكن ان يجري فيه الاستصحابان الا بلحاظ اختلاف النظرين.
وقد عرفت أن منظور النراقي ليس ذلك، بل مركز استصحاب العدم غير مركز استصحاب الوجود، وهذا لا يتوقف على اختلاف النظرين، بل يمكن ان يجريا مع كون المحكم هو نظر العرف المسامحي.
وبالجملة: ايراد الشيخ وايراد الكفاية يبتنيان على أمر واحد قد عرفت عدم صحته، وأن نظر كلام النراقي إلى غير ما فهما منه فلا حظ.»[1]
[1]. الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج6، ص72-75.