بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و یکم
ويمكن ان يقال:
ان المحقق النراقي قدس سره صرح بأن مراده من عدم الجعل الذي التزم بتعارض استصحابه مع استصحاب بقاء المجعول، هو عدم الجعل في ابتداء الشريعة وبدو دعوة النبي (ص)، وإن شئت قلت هو البرائة الأصلية التي لا ينتقض الا بجعل الالزامات في الشريعة المقدسة.
ولا شبهة في انها انتقضت بجعل الأحكام تدريجاً في التصوير الكلي، وأما بالنسبة الي بعض الموضوعات فإنه لم يرد فيه تكليف والزام فهو داخل في البرائة الأصلية، وأما الموضوعات التي يشك في انه هل ورد فيها تكليف فهو عند الشرع وبمقتضي ادلته محكومة بالبرائة.
وهل المراد من البرائة المذكورة البرائة الاصلية اي استصحاب عدم التكليف، كما ربما يقال في ادلة البرائة، او انها تعبد فعلي من ناحية الشارع عند الشك في التكليف، ولذا لا نري الاستناد باستصحاب عدم الجعل عند الشك في الحكم.
مع انه يلزم الاستناد في هذه الموارد باستصحاب عدم الجعل دون البرائة لأن الاستصحاب اصل محرز والبرائة اصل غير محرز، والأصول المحرزة حاكمة علي الأصول غير المحرزة لرفع موضوع الشك بها في الأصول غير المحرزة فلقائل ان يقول:
ان موضوع الأصل الشك، ومتعلق هذا الشك الوظيفة العملية من ناحية الشارع، فإذا شك في وظيفته العملية حاله فإنما يجري الأصول لتعين ما هو وظيفته.
وقيدوا الشك الموضوع للأصل بالفعلي والمراد منه تردده في وظيفته العملية حال الشك.
وفي موارد الشك في المقام نظير الشك في وظيفته بعد ورود الدم وانقطاعه وقبل الاغتسال شكاً فعلياً فيما هو وظيفته في مقام العمل، فهل هنا شك له في جعل الحكم، او انه شك في حدود الحكم من حيث السعة والضيق وأن مورد شكه هل هو داخل في موضوع الحرمة ام لا.
فإن المكلف في هذا الحال انما يعلم بجعل الحكم في ما يشك فيه من الموضوع ولا يتصور ارجاع شكه الي الشك في الجعل الا بتصوير الشيخ قدس سره من ان الزمان محدد للموضوع، ويوجب التفريد في افراد الموضوع وانحلال الحكم بتعدد الموضوعات بحسب الزمان.
مع انه يمكن ان يقال هنا ايضاً:
ان الشك الفعلي انما يحصل في مثل المقام فيما يتوقع حصوله وتحققه وما يتوقع حصوله في مثل المقام عدم الترخيص او الترخيص. دون الجعل وعدمه، فإن في صدر الاسلام وقبل اكمال الدين فإنما يتوقع عند الشك في الموضوعات الجعل وبعد اكمال الدين فإنه ليس متعلق الشك الفعلي الجعل او عدمه بل انما يعلم اجمالاً بصدور احكام في الشريعة، وكلما شك في مورد فإنما صدر من الشارع التعبد بالبرائة بعد الفحص، وهذا ايضاً جعل من الشارع في صدر الاسلام، وليس موضوع الشك ايضاً في مورده جعل البرائة او عدم جعل البرائة، بل موضوع الشك مورديه الموضوع لجعل البرائة بعد تمام الأمر في جعلها وانقضاء وقته.
وعليه فإن في موضوع الشك في مثل مواردنا ليس المتوقع بل المشكوك فعلاً ثبوت الجعل من المولي وعدم ثبوته، بل المتوقع موضوعيته للترخيص وعدمه فليس عدم الجعل متيقناً فعلياً حتي امكن ابقائه ويلزم في الاستصحاب اليقين الفعلي السابق.
والشاهد علي ذلك، انه لو التزمنا بجريان استصحاب عدم الجعل بعد اكمال الدين، فإنه لا موضوع للبرائة في الشبهات الحكمية لجريان هذا الأصل في جميع مواردها.
هذا مع ان ما مر من المحقق النائيني قدس سره من اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن غير قابل للتصوير في المقام بعد انقطاع عدم الجعل بالجعل.
كما انه لا وجه لتصوير كون الزمان مفرداً للموضوع في مقام الجعل لأن بعد ثبوت الجعل فإن حده سعة وضيعاً تابع لما يقتضيه الحكم من الاطلاق وقابلية البقاء وعدم قابليته، وارجاع الشك فيه بما قبل اكمال الدين وعدم الجعل مما لا وجه له اساساً.
هذا مع انه يرد علي استصحاب عدم الجعل ما مر من انه لا يترتب عليه فائدة وثمرة عملية، وليس قابلاً للتعبد الشرعي.
ثم انه اذا عرفت الحال في استصحاب الجعل، فإنه لا وجه لتعارض استصحاب عدم جعل الحرمة مع استصحاب عدم جعل الحلية بعد عدم امكان جريانهما معاً في موضوع الكلام.
فإن في مورد الشك لنا التعبد بالمرخص شرعاً من دون حاجة بل قابلية لإبقاء عدم الجعل بعد عدم كون الشك فيه فعلياً، بل لأنه ليس مورداً للشك اساساً علي ما عرفت تقريبه، فإنه انما يختص بما قبل اكمال الدين، وأما بعده فإن مرجع الشك ثبوت المرخص وعدمه في موارد الترديد والجهل بالحكم.
هذا مع انه:
ان الشك في حد الموضوع سعة وضيقة من حيث تعلق الحكم به لا يرجع الي مقام جعل الحكم بعد انما يرجع الي دائرة جعل الحكم سعة وضيقاً بعد ثبوت جعله، ولذا قلنا انه لا ينفع الالتزام بأن الزمان لو كان قيداً مفرداً يوجب تعدد متعلقات الحكم بحسب الزمان.
لأن الشك حينئذٍ لا يرجع الي الجعل بل يرجع الي انحلال الحكم العقلي من جهة سعة دائرة الموضوع وضيقه، وهذا يرجع الي الأمور الخارجية دون مقام الجعل.
فما افاده السيد الخوئي قدس سره:
«وما ذكرناه عين ما ذكره الشيخ قدس سره من الوجه لعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعية اذا كان الشك من ناحية المفهوم.
كما اذا قال المولي: اكرم العلماء، وكان زيد عالماً فزالت عنه ملكة العلم وشككنا في وجوب اكرامه من جهة الشك في شمول مفهوم العالم المنقضي عنه المبدأ واختصاصه بالمتلبس، فليس في المقام شك في شئ من الأمور الخارجية بل الشك انما هو في جعل الشارع سعة وضيقاً فيجري التعارض بين الاستصحابين علي النحو الذي ذكرناه حرفاً بحرف.»
ولكن الظاهر تغاير البحثين، لأن الشك في المفهوم في المقام انما يرجع الي صدق العالم علي من قضي عنه التلبس كما مر في بحث المشتق فيرجع الأمر فيه الي سعة دائرة الموضوع وضيقها في مقام الموضوعية للحكم دون جعل الشك، اذ لا شك في صدور الحكم بإكرام العالم والشك انما هو في صدق الموضوع عرفاً لما اراده الحاكم.
بل وحدة البحثين من من جهة عدم رجوع الشك في مورد الشك في الحكم الي مقام الجعل، بل الي دائرة الموضوع، او دائرة الحكم بعد جعله، والرافع لهذا الشك هو الرجوع الي مقام الاثبات. والالتزام بالترخيص عند عدم احراز السعة.
والحاصل:
انه لا وجه لجريان استصحاب عدم الجعل وأنه يجري عند الشك في الحكم بقاء استصحاب بقاء المجعول من دون معارضه.
ثم انه بناءً علي الالتزام بجريان استصحاب عدم الجعل ومعارضتها لاستصحاب بقاء المجعول فهل يختص ذلك بما كان المجعول المشكوك من الاحكام الالزامية، او يعم ما اذا كان من الاحكام الترخيصية كالاباحة؟