بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و دوم
فما افاده السيد الخوئي قدس سره:
«وما ذكرناه عين ما ذكره الشيخ قدس سره من الوجه لعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعية اذا كان الشك من ناحية المفهوم.
كما اذا قال المولي: اكرم العلماء، وكان زيد عالماً فزالت عنه ملكة العلم وشككنا في وجوب اكرامه من جهة الشك في شمول مفهوم العالم المنقضي عنه المبدأ واختصاصه بالمتلبس، فليس في المقام شك في شئ من الأمور الخارجية بل الشك انما هو في جعل الشارع سعة وضيقاً فيجري التعارض بين الاستصحابين علي النحو الذي ذكرناه حرفاً بحرف.»
ولكن الظاهر تغاير البحثين، لأن الشك في المفهوم في المقام انما يرجع الي صدق العالم علي من قضي عنه التلبس كما مر في بحث المشتق فيرجع الأمر فيه الي سعة دائرة الموضوع وضيقها في مقام الموضوعية للحكم دون جعل الشك، اذ لا شك في صدور الحكم بإكرام العالم والشك انما هو في صدق الموضوع عرفاً لما اراده الحاكم.
بل وحدة البحثين من من جهة عدم رجوع الشك في مورد الشك في الحكم الي مقام الجعل، بل الي دائرة الموضوع، او دائرة الحكم بعد جعله، والرافع لهذا الشك هو الرجوع الي مقام الاثبات. والالتزام بالترخيص عند عدم احراز السعة.
والحاصل:
انه لا وجه لجريان استصحاب عدم الجعل وأنه يجري عند الشك في الحكم بقاء استصحاب بقاء المجعول من دون معارضه.
ثم انه بناءً علي الالتزام بجريان استصحاب عدم الجعل ومعارضتها لاستصحاب بقاء المجعول فهل يختص ذلك بما كان المجعول المشكوك من الاحكام الالزامية، او يعم ما اذا كان من الاحكام الترخيصية كالاباحة؟
فالتزم السيد الخوئي بالاختصاص.
وظاهر النراقي قدس سره عدم الاختصاص حيث التزم بعموم هذا البيان لمطلق موارد الشك في الحكم الشرعي الكلي.
قال السيد الخوئي قدس سره:
«ثم انه لا يخفي ان ما ذكرناه من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية - مختص بالأحكام الالزامية من الوجوب والحرمة.
وأما غير الإلزامي فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه، ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الإباحة.
لما ذكرنا سابقا من أن الإباحة لا تحتاج إلى الجعل، فان الأشياء كلها على الإباحة، ما لم يجعل الوجوب والحرمة.
لقوله ( ع): ( اسكتوا عما سكت الله عنه).
وقوله ( ع): ( كلما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم).
وقوله ( ع): ( إنما هلك الناس لكثرة سؤالهم).
فالمستفاد من هذه الروايات أن الأشياء على الإباحة ما لم يرد أمر أو نهي من قبل الشارع، فان الشريعة شرعت للبعث إلى شئ والنهي عن الاخر لا لبيان المباحات، فلا مجال لاستصحاب عدم جعل الإباحة، لكون الإباحة متيقنة.
فالشك في بقائها، فيجري استصحاب بقاء الإباحة بلا معارض، بل يكون استصحاب عدم جعل الحرمة موافقا له.
وظهر بما ذكرنا:
أنه لا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الوضعية كالطهارة من الخبث والحدث.
كما إذا شككنا في انفعال الماء العالي بملاقاة النجاسة السافلة، فنجري استصحاب الطهارة ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الطهارة، لان الطهارة نظير الإباحة لا تحتاج إلى الجعل.
بل الأشياء كلها على الطهارة ما لم تعتبر النجاسة فيها من قبل الشارع، بل الطهارة بحقيقتها العرفية كون الشئ باقيا بطبيعته الأولية، والنجاسة والقذارة شئ زائد.
بل استصحاب عدم جعل النجاسة معاضد لاستصحاب بقاء الطهارة. وكذا لا مانع من جريان استصحاب الطهارة من الحدث.
كما إذا شككنا في بقائها بعد خروج الذي ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الطهارة، لان النقض هو المحتاج إلى الجعل. وأما الطهارة المجعولة فهي الوضوء - أي الغسلتان والمسحتان - وقد أتينا بها، فهي باقية بحالها ما لم يصدر منا ما جعله الشارع ناقضا لها، بل استصحاب عدم جعل الذي ناقضا موافق لاستصحاب بقاء الطهارة.
وبعبارة أخرى:
إنما الشك في أن الصلاة مشروطة بخصوص الطهارة الثانية - أي الحاصلة بعد خروج الذي - أو مشروطة بالأعم منها ومن الطهارة الأولى - أي الحاصلة قبل خروج الذي - والأصل عدم اشتراطها بخصوص الطهارة الثانية.
نعم: إذا شككنا في بقاء النجاسة المتيقنة كمسألة تتميم الماء القليل النجس كرا، لا مجال لجريان استصحاب بقاء النجاسة، للمعارضة باستصحاب عدم جعل النجاسة بعد التتميم) [1].
[1] البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج3، ص47 ـ 48.