بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و چهارم
وبهذا البيان تعرف:
ان ما أفاده المحقق الأصفهاني ( رحمه الله ) من التفصيل في اجراء الاستصحاب في الحكم الانشائي بين ما إذا كان الشرط كالغليان قيدا للموضوع، بحيث كان الموضوع هو العنب المغلي فلم يلحظ في الموضوع إلا تقدير واحد، وهو تقدير العنب المغلي وبين ما إذا كان شرطا للحكم لا قيدا للموضوع، بحيث كان الموضوع هو العنب.
فهنا تقديران:
أحدهما تقدير العنب.
والثانية في تقدير الغليان.
ففي الأول لا يجري الاستصحاب لعدم ثبوت الحكم لذات العنب قبل الغليان، لأنه مضاف إلى العنب المغلي، والعنب ليس محكوما بالحرمة لا الانشائية ولا الفعلية.
وفي التقدير الثاني يجري، لان الحكم ثابت لذات العنب ومضاف ومضاف إليه وان اخذ الغليان شرطا له، لكنه مضاف إلى ذات العنب لا العنب المغلي. فيقال: يحرم العنب إذا وجد وإذا غلا، فقد أضيفت الحرمة إلى ذاته، فمع وجوده تثبت له الحرمة فتستصحب عند تبدل الوصف إلى الزبيبية ما أفاده ( قدس سره ) غير متجه.
لأنه مبني على كون الحكم الانشائي ثابتا للافراد الخارجية رأسا، وهو ما عرفت نفيه، وان الحكم لا يثبت للفرد الخارجي، بل يضاف إليه من باب انه مصداق للموضوع الكلي، وهذه الإضافة ليست من الأمور الشرعية كي تستصحب.
والذي يتحصل:
ان الاستصحاب في الحكم التعليقي لا مجال له على هذا المسلك في جعل الاحكام.
واما على المسلك الثاني: وهو الالتزام بفعلية المجعول من زمان الجعل وعدم امكان انفكاكهما.
فقد يفصل:
بين صورة أخذ التقدير المعلق عليه الحكم غير الحاصل بالفعل قيدا لمعروض الحكم، وصورة اخذه قيدا لنفس الحكم.
توضيح ذلك: ان الغليان المأخوذ في حرمة العنب:
تارة: يلتزم بأنه دخيل في معروض الحكم بحيث يكون المعتبر بالفعل هو الحرمة المطلقة للعنب المغلي.
وأخرى: يلتزم بأنه دخيل في نفس الحكم، بمعنى ان المعتبر بالفعل هو الحرمة المقيدة بالغليان والموضوع ذات العنب، فالمعتبر حصة خاصة من الحرمة هي الحرمة على تقدير الغليان، وهي ثابتة بالفعل ومعروضها هو العنب. ففي الصورة الأولى:
لا يجري استصحاب الحرمة، لأنها وان كانت ثابتة بالفعل: الا ان موضوعها هو العنب المغلي، فالعنب قبل غليانه لا تثبت له تلك الحرمة، فمع تبدله إلى الزبيب لا يمكن استصحاب الحرمة لعدم ثبوتها له سابقا بل هي ثابتة للعنب الخاص.
وفي الصورة الثانية:
يجري الاستصحاب، لان العنب كان معروضا للحرمة الخاصة، فتستصحب عند تبدله إلى الزبيب، ويترتب عليها الأثر عند حصول الغليان.
ولكن يشكل هذا التفصيل:
لاجل الاشكال في مبناه، وهو اعتبار الحرمة على تقدير متأخر.
فإنه قد مر الاشكال فيه، وانه يستحيل ان تعبر بالفعل الحرمة على تقدير متأخر بحيث يكون لها وجود فعلي قبل حصول التقدير، فراجع مباحث الواجب المشروط. ولا حاجة إلى إطالة الكلام فيه فعلا.
واما على المسلك الثالث: الذي قربه المحقق العراقي قدس سره:
وهو الالتزام بان حقيقة الحكم التكليفي ليست الا الإرادة والكراهة المبرزتان بالانشاء، وليست هي حقيقة جعلية كحقيقة الحكم الوضعي بل هي حقيقة واقعية.
فقد قرب المحقق العراقي جريان الاستصحاب في الحكم التعليقي ببيان:
ان الإرادة بما انها من الأوصاف الوجدانية التي تعرض على الصور الذهنية لا من الأمور الخارجية، لم يكن وجودها منوطا بحصول الشرط في الخارج، بل الشرط هو الوجود الفرضي اللحاظي، وهو حاصل بالفعل، فالإرادة متحققة فعلا بلا ان يعلق وجودها على وجود الشرط خارجا، وانما يكون وجود الشرط دخيلا في فاعلية هذه الإرادة ومحركيتها. وإذا كان الحكم فعليا دائما كان مجرى الاستصحاب عند تبدل حالة الموضوع، ولم يكن فيه اشكال.
ولكن ما افاده ( قدس سره ) مردود من وجهين:
الأول من جهة أصل المبنى.
وهو الالتزام بان الحكم حقيقته الإرادة وليس هو من الأمور الجعلية فإنه غير صحيح، فان المرجع في تشخيص ذلك هو الاحكام العرفية المنشأة من قبل الموالي، ومن الواضح ان المحسوس ان المولى يقوم بجعل الحكم لا مجرد ابراز الإرادة، كيف؟ ولازمه عدم صحة الحكم في مورد تكون المصلحة فيه نفسه لا في متعلقه، إذ في مثل ذلك لا تكون هناك إرادة متعلقة بالفعل لأنها تتبع المصلحة فيه.
مع أن ثبوت الاحكام في مثل هذا المورد لا يقبل الانكار.
هذا مع:
أنه يستلزم عدم قابلية الحكم للجعل الظاهري والتعبد به ظاهرا، لأنه امر واقعي لا يقبل الجعل، كما أنه يستلزم عدم قابليته لرفعه منة، إذ ارتفاع الإرادة لارتفاع المصلحة لا منة فيه. فما أفاده انكار لما هو المسلم المعروف ولا يمكننا الاخذ به.
الوجه الثاني: من جهة البناء.
فإنه لو سلم بان الحكم حقيقته الإرادة، فالالتزام بفعلية الإرادة قبل تحقق الشرط لا نسلمه.
بيان ذلك: ان القيود الدخيلة في المصلحة على قسمين:
أحدهما:
ما كان دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة وكونه ذا مصلحة، نظير المرض بالنسبة إلى الدواء، فان الدواء لا مصلحة فيه إذا لم يحصل المرض.
والاخر:
ما كان دخيلا في فعليه المصلحة وترتبها على الفعل، كجعل الدواء مدة معينة على النار الدخيل في تأثيره في رفع المرض وترتب المصلحة.
ولا يخفى:
ان القسم الأول من القيود يعير عنه بقيود الموضوع، لاخذها في موضوع الحكم، بحيث يترتب الحكم على وجودها. بخلاف القسم الثاني، فإنهما قيود المتعلق، ولذا تؤخذ في المتعلق ويكون للحكم تحريك ودعوة نحوها.
ومن الواضح:
ان القسم الأول دخيل في تحقق الإرادة بحيث انه لا تتحقق الإرادة قبل وجوده خارجا، فلا شوق لاستعمال الدواء قبل حصول المرض، ولا شوق للأكل قبل حصول الجوع وهكذا، وهذا آمر لا يكاد ينكره الوجدان. وكون متعلق الإرادة هو الوجود الذهني لا ينافي ما قلناه، لان هذه القيود ليست مأخوذة في المتعلق، بل هي دخيلة في تحقق أصل الإرادة لا انها معروضة للإرادة. اذن فكون الحكم التكليفي هو الإرادة لا يلازم تحققه بالفعل، وقبل تحقق موضوعه بشرائطه.
فما افاده: لا يبعد أن يكون خلطا بين قيود المتعلق المعروض للإرادة بوجوده الذهني وقيود الموضوع الدخيل في نشوء الإرادة وعروضها على متعلقها. ودعوى: ان الإرادة موجودة فعلا، وانما هي متعلقة بالفعل على تقدير الموضوع.
منافية للوجدان الذي لا يحس بالشوق قبل حصول الموضوع، بل قد يحس بالفعل بعكس الشوق، فلا حظ.
وبالجملة: ما أفاده ( قدس سره ) ممنوع مبنى وبناء فتدبر.
والذي يتضح لدينا من جميع ما ذكرناه: انه لا مجال لجريان الاستصحاب في الحكم التعليقي».[1]
ويمكن ان يقال:
انه قد مر كراراً ان الأحكام الشرعية انما تكون علي نهج القضايا الحقيقية، وإنما يتعلق جعل الحكم بالموضوع المقدر وجوده. فإذا فرض وجوده فإنما يصير الحكم المتعلق به فعلياً.
والمراد من الفعلية هنا فعلية الحكم بفرض وجود موضوعه، لا بوجوده خارجياً.
وبعبارة اخري:
انه اذا كانت القضايا الشرعية علي نهج القضايا الحقيقية فإنما ينشأ الحكم فيها علي الموضوع المفروض وجوده بلا فرق بين ان يكون موجوداً بالفعل، او سيوجد، او لم يقدر له الوجود اصلاً، حسب تعبير المحقق الاصفهاني قدس سره في الحاشية. وحيث ان تمام الموضوع في الاحكام علي هذا التقدير ـ اي كونها علي نهج القضايا الحقيقية ـ هو تقدير الموجود بلا دخل لوجوده خارجاً، فإن فعلية الحكم وما تتقوم به ليس الا فرض الوجود له، وهو محقق بالفعل.
وعليه: فإن الحرمة للعصير المغلي فعلية بفرض وجوده لا بوجوده خارجاً، والمستصحب نفس هذه الحرمة بعد تبدل حالات الموضوع.
ولا تعليق في الحكم حتي يشكل بما قيل من ان فعلية الحكم بفعلية الموضوع بجميع قيوده، وإن الحرمة قبل الغليان انشائية لا فعلية، والحكم الانشائي مما يصح سلب الحكم حقيقة.
نعم: لو كان القضايا الشرعية علي نحو القضايا الخارجية التي ينشأ الحكم فيها للافراد الموجودة بالفعل او التي ستوجد فيما بعد، فلا فعلية للحكم قبل وجود الموضوع.
وليعلم ان صاحب الكفاية قدس سره في بيانه بقوله:
«... وبالجملة يكون الاستصحاب متمما لدلالة الدليل على الحكم فيما أهمل أو أجمل، كان الحكم مطلقا أو معلقا، فببركته يعم الحكم للحالة الطارئة اللاحقة كالحالة السابقة، فيحكم ـ مثلا ـ بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيته، من أحكامه المطلقة والمعلقة لو شك فيها، فكما يحكم ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه».[2]
ونظره في ذلك، الي ان القيود راجعة الي الهيئة وأن الغليان انما يرجع الي نفس الحكم بمعني جعل الحرمة علي العنب المقيد بالغليان وأنه لولا الغليان فلا حرمة، فثبوت الحرمة مبني علي الغليان بوجوده الفرضي علي ما مر.
كما انه قدس سره اكد في الحاشية: انه يصح استصحاب الحرمة في المقام في فرض رجوع القيد الي الهيئة، وأما بناء علي رجوعه الي المادة فجريان الاستصحاب فيه اوضح.
قال في الحاشية:
«هذا كله لو كان الحكم حقيقة مشروطاً، كما هو ظاهر القضيّة التّعليقيّة. وأمّا لو كان القيد في الحقيقة راجعاً إلى الموضوع بأن يكون العصير المغليّ حراماً، فالأمر في صحّة الاستصحاب أوضح، لأنّه يكون استصحاباً لما ثبت محقّقاً وبالفعل من الحكم للمغليّ من العصير سابقاً وشكّ فيه لاحقاً».
ومراده من قوله: لما ثبت محققاً وبالفعل من الحكم المغلي من العصير ما مر من ان فعلية الحكم وما متقوم به اي القيود الراجعة اليه انما يكون بفرض الوجود له، وأن تحققه بالفعل انما هو بفرض وجوده لا بوجوده الموضوع خارجاً. وعليه فلا تعليق في الحكم حقيقة لأن الحرمة انما تنجزت تعلقها بالوجود المفروض المقدر وهو العصير المغلي بناءً علي ما حققه من تصوير الاحكام الشرعية في جعلها علي نحو القضايا الحقيقية.
ثم ان مراد صاحب الكفاية قدس سره من الفعلية في الحكم المنشأ علي الموضوع المقدر وجوده ما صرح في الحاشية بقوله: «لأنه يكون استصحاباً لما ثبت محققاً وبالفعل من الحكم المغلي من العصير سابقاً وشك فيه لا حقاً.»
الحكم المحقق والثابت بالفعل، بلا فرق بين القول برجوع القيد الي الهيئة او الي المادة، وهذا لا ينافي اعتبارهم فعلية الحكم بتحقق الموضوع خارجاً.
وتمام الجهة في كلامه ان جعل الاحكام علي نحو القضايا الحقيقية انما يوجب تصحيح الانشأ، قبل وجود الموضوع خارجاً، وكفاية فرض وجوده، لأن تمام الموضوع حينئذ هو تقدير الوجود. وأن الحكم فيه ثابت للفرد الخارجي من الموضوع ولو قبل تحققه خارجاً. وأن حرمة الشرب ثابتة لموضوع خارجي هو العصير المغلي. وهذه الحرمة الثابتة عند وجود العنب بوجود انشائي وأن بعض افراد العنب وهو العنب المغلي يثبت له الحرمة انشاءً.
[1]. الشهيد السيد عبدالصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج6، ص196- 204.
[2] . آخوند خراسانی، کفایة الاصول، ج1، ص411.