بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و ششم
ثم قرر السید الخوئی قدس سره
ثم انه قدس سره ذكر اشكالاً ثانياً علي استصحاب عدم النسخ المختص باستصحاب احكام الشرائع السابقة، عن المحقق النائيني قدس سره.
قال:
«وحاصله ان تبدل الشريعة السابقة بالشريعة اللاحقة إن كان بمعنى نسخ جميع أحكام الشريعة السابقة - بحيث لو كان حكم في الشريعة اللاحقة موافقا لما في الشريعة السابقة. لكان الحكم المجعول في الشريعة اللاحقة مماثلا للحكم المجعول في الشريعة السابقة.
فيكون مثل إباحة شرب الماء الذي هو ثابت في جميع الشرائع مجعولا في كل شريعة مستقلا، غاية الامر أنها أحكام متماثلة.
فعدم جريان الاستصحاب عند الشك في النسخ واضح، للقطع بارتفاع جميع أحكام الشريعة السابقة، فلا يبقى مجال للاستصحاب.
نعم:
يحتمل أن يكون المجعول في الشريعة اللاحقة مماثلا للمجعول في الشريعة السابقة، كما يحتمل أن يكون مخالفا له.
وكيف كان لا يحتمل بقاء الحكم الأول.
وإن كان تبدل الشريعة بمعنى نسخ بعض أحكامها لا جميعها، فبقاء الحكم الذي كان في الشريعة السابقة وإن كان محتملا، إلا أنه يحتاج إلى الامضاء في الشريعة اللاحقة.
ولا يمكن اثبات الامضاء باستصحاب عدم النسخ إلا على القول بالأصل المثبت».
ثم ان السيد الخوئي قدس سره بعد تقريب هذا الاشكال علي جريان استصحاب عدم النسخ في احكام الشرائع السابقة.
اورد عليه بقوله: «وفيه:
ان نسخ جميع احكام الشريعة السابقة، وإن كان مانعا عن جريان استصحاب عدم النسخ - إلا أن الالتزام به بلا موجب.
فإنه لا داعي إلى جعل إباحة شرب الماء مثلا في الشريعة اللاحقة مماثلة للإباحة التي كانت في الشريعة السابقة.
والنبوة ليست ملازمة للجعل، فان النبي هو المبلغ للأحكام الإلهية.
وأما ما ذكره من أن بقاء حكم الشريعة السابقة يحتاج إلى الامضاء في الشريعة اللاحقة.
فهو صحيح:
إلا أن نفس أدلة الاستصحاب كافية في اثبات الامضاء، وليس التمسك به من التمسك بالأصل المثبت.
فإن الأصل المثبت إنما هو فيما إذا وقع التعبد بما هو خارج عن مفاد الاستصحاب. وفي المقام نفس دليل الاستصحاب دليل على الامضاء.
فكما لو ورد دليل خاص على وجوب البناء على بقاء أحكام الشريعة السابقة إلا فيما علم النسخ فيه، يجب التعبد به، فيحكم بالبقاء في غير ما علم نسخه، ويكون هذا الدليل الخاص دليلا على الامضاء. فكذا في المقام.
فإن أدلة الاستصحاب تدل على وجوب البناء على البقاء في كل متيقن شك في بقائه، سواء كان من أحكام الشريعة السابقة أو من أحكام هذه الشريعة المقدسة. أو من الموضوعات الخارجية.
فلا اشكال في استصحاب عدم النسخ من هذه الجهة. والعمدة في منعه هو ما ذكرناه.
وأما ما قيل في وجه المنع:
من أن العلم الاجمالي بنسخ كثير من الاحكام مانع عن التمسك باستصحاب عدم النسخ.
فهو مدفوع:
بأن محل الكلام إنما هو بعد انحلال العلم الاجمالي بالظفر بعدة من موارد النسخ.
والاشكال من ناحية العلم الاجمالي غير مختص بالمقام، فقد استشكل به في موارد:
منها: العمل بالعام مع العلم الاجمالي بالتخصيص.
ومنها: العمل بأصالة البراءة مع العلم الاجمالي بتكاليف كثيرة.
ومنها: المقام.
والجواب في الجميع: هو ما ذكرناه من أن محل الكلام بعد الانحلال»[1].
[1]. البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج2، ص 146ـ 150.