بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و هشتم
ثم ان المحقق (قدس سره) أفاد في الشرائع:
«يقضى الحج من أقرب الأماكن، وقيل: يستأجر من بلد الميت. وقيل: إنْ اتسع المال فمن بلده، والا فمن حيث يمكن والأول أشبه»
وافاد السيد الاستاذ في ذيله:
« هذه المسألة وقعت محلا للخلاف، فالمشهور على أن الواجب هو الحج من الميقات ببيان: أن الواجب نفس الاعمال و الذهاب مقدمة إليه فيجب من باب المقدمة عند الاحتياج إليه، فمع وجود النائب من الميقات لا يحتاج إليه، فلا يلزم سوى النيابة من الميقات.
و قد ذهب ابن إدريس الى وجوب الحج من البلد محتجا بوجهين:
الأول: أن المحجوج عنه كان يجب عليه الحج من البلد و نفقة طريقه، فمع الموت لا تسقط النفقة.
الثاني: تواتر الاخبار بذلك.
و ناقشه المحقق فى «المعتبر»: بأن دعوى التواتر غلط فإنه لم نقف في ذلك على خبر شاذ، فكيف يدعى التواتر.
و أن دعوى وجوب الحج من البلد على المحجوج عنه ليست بشيء، فإنه لو أفاق المجنون عند بعض المواقيت أو استغنى الفقير وجب ان يحج من موضعه و لا يجب عليه أن يرجع من بلده ثمّ ينشئ سفر الحج.
أقول: التحقيق يقضي بموافقة ابن ادريس في كلا وجهيه.
أمّا الأول:
فلأن الظاهر من أدلة وجوب الحج في مواردها المختلفة سواء في ذلك الآية و النصوص أن الواجب هو الذهاب الى مكة و السفر إليها، كما هو ظاهر لفظ الحج الذي هو بمعنى القصد. و أما الاعمال المخصوصة فهي واجبة في هذا الذهاب، فالحج اسم للذهاب الى مكة المقيد بالاعمال الخاصة، لا أنه اسم لنفس الاعمال و الذهاب مقدمة إليه. و لذا يعبّر عن الحج بالفارسيّة ب: «مكه رفتن».
و دليل القضاء يدل على لزوم قضاء ما هو الواجب، فيجب قضاء الذهاب الى مكة و السفر إليها.
فيندفع ما ذكره فى «المدارك من أنه لو سلمنا وجوبه لم يلزم من ذلك وجوب قضاءه لان القضاء، إنما يجب بدليل من خارج و هو إنما قام على وجوب قضاء الحج خاصة.
فانه قد عرفت ان الحج اسم للذهاب و ليس هو واجبا آخر غير الحج.
و أما الثاني:
فلأن من يتتبع الاخبار يراها متظافرة في اداء هذا المعنى و دالة بنحو قطعي على أن القضاء من البلد.
و هي طوائف:
الطائفة الأولى:
ما دل على لزوم الاستنابة في حال الحياة لو لم يتمكن من الحج فأنه قد ورد الأمر فيما بتجهيز رجل و هو ظاهر في ارساله من البلد لا من الميقات.و لو أبيت إلا عن انكار ظهوره في ذلك و أنه ليس ظاهر الا بتهيئة الرجل للحج، فقد ورد في بعضها:
«فجهّز رجلا ثمّ ابعثه يحج عنك»، فأنها صريحة في النيابة من البلد لصراحة البعث في ذلك و هذا يكون قرينة على أن المراد بالتجهيز هو التهيئة من البلد.و قد يشكل الاستدلال بهذه الطائفة من جهتين:
الأولى:
أنّها- على التحقيق- تتكفل حكما استحبابيا لا إلزاميا، فلا ظهور لها في لزوم الاستنابة من البلد.
الثانية:
أنها حكم على الحي، فالتعدي الى الميت قياس.
و تندفع الجهة الأولى من الاشكال:
بأنها إنما تدل على استحباب اصل العمل، فلا ينافي ذلك لزوم بعض الخصوصيات فيه، بمعنى اعتباره فيه و عدم صحته بدونه، كلزوم الركوع في الصلاة الاستحبابية، و لا موجب لرفع اليد عن ظهور الدليل في اللزوم.
و تندفع الجهة الثانية:
أنها خلاف الظاهر فإن الظاهر كون الحكم المذكور هو الثابت في باب النيابة لا أنه لخصوص الحي.
الطائفة الثانية: ما ورد في باب الوصية من كون لزوم الحج من البلد في ذهن السائل و تقرير الامام عليه السّلام له، و هو رواية عبد اللّه بن بكير، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج فكان لا يبلغ ما يحج به من بلاده قال:فيعطى في الموضع الّذي يحج به عنه .
فأنه لو لم يكن الحج من البلد لازما لبين الإمام عليه السّلام للسائل ذلك و رفع ما هو مرتكز في ذهنه، فعدم ذلك تقرير منه عليه السّلام للسائل.
الطائفة الثالثة:
ما ورد من لزوم الحج من البلد مع سعة المال، و هو رواية محمد بن عبد اللّه، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: «على قدر ماله إن وسعه ماله فمن منزله و ان لم يسعه ماله فمن الكوفة فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة.
الطائفة الرابعة:
ما ورد فيمن أوصى ان يحج عنه كل سنة فلم يسعه ماله من البلد من أنّه يجعل مال سنتين في حجة واحدة من البلد. أو نحو ذلك، كرواية ابراهيم بن مهزيار، قال:
و كتبت إليه عليه السّلام: «ان مولاك علي بن مهزيار أوصى ان يحج عنه من ضيعة صيّر ربعها لك في كلّ سنة حجة إلى عشرين دينارا و أنه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا و كذلك اوصى عدة من مواليك في حجهم. فكتب عليه السّلام: يجعل ثلاث يحج حجتين إن شاء اللّه تعالى»
فأنه لو كان اللازم هو الحج من الميقات و عدم لزوم كونه من البلد، لكان المتجه امره ان يحج عنه من الميقات و بيان عدم لزوم كونه من البلد.
الطائفة الخامسة:
ما ورد فيمن مات في الطريق قبل الاحرام من أنه يجعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الاسلام الظاهر في الاستنابة من مكان الموت بقرينة جعل الجمل في الحج. مع أنه قد يموت المسافر قبل الميقات بمراحل، فلا يتّجه الحكم إلا باعتبار الحج من البلد الذي مات فيه. و هو رواية بريد العجلي المتقدمة فيمن مات قبل الاحرام.
و قد يستشكل في النصوص الواردة في باب الوصية من وجوه:
الأول:
ما ذكره فى «المدارك انه حكم في مورد الوصية، فلعل ظاهر الوصية كون الحج من البلد فلا يصح التعدي منه الى غيره.
و فيه: ما ذكره فى «الجواهر: من عدم الفرق عرفا بين قول الموصي حجوا عني و بين قول الشارع حجوا عنه في انصراف الأول الى الحج من البلد دون الثاني.
الثاني:
أنه حكم تعبدي في باب الوصية، فلا وجه للتعدي منه الى غيره لامكان وجود خصوصية للوصية و لو لم تكن ظاهرة في إرادة الحج من البلد.
و فيه:
أن هناك نصوصا دلت على لزوم الحج في مورد الوصية من أصل المال معللة ذلك بأنه بمنزلة الدين، فإنّه بقرينة التعليل نستكشف أن الحج الذي يلزم أداؤه في مورد الوصية و المفروض أنه من البلد بمنزلة الدين و لذا يخرج من اصل المال لا من الثلث.
فهذه النصوص ظاهرة في كون الحكم بالحج من البلد ليس تعبديا في باب الوصية فقط، بل هو الثّابت على الميت و لاجل ذلك كان دينا و إلا كان الدين خصوص الحج من الميقات لا الحج من البلد. فتدبّر جيّدا.
الثالث:
ما ذكره فى «الجواهر معارضتها بما دل على جواز الحج من الميقات و هو رواية زكريا بن آدم.
قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجوز أن يحجّ عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال: «أمّا ما كان دون الميقات فلا بأس .
و فيه:
أن النسبة بينها و بين رواية محمد بن عبد اللّه نسبة العام و الخاص فتقيدها بصورة عدم وفاء المال بالحج من البلد، لأنها مطلقة من هذه الجهة و رواية محمد مقيدة.
فلا وجه لدعوى التعارض و الالتزام بتساقطهما و الرجوع الى الأصول، كأصالة البراءة.