بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و دوم
وأفاد الشيخ في الرسائل:
«الامر السادس:
قد عرفت ان معني عدم نقض اليقين والمضي عليه، هو ترتيب آثار اليقين السابق الثابتة بواسطته للمتيقن، ووجوب ترتيب تلك الآثار من جانب الشارع لا يعقل إلا في الآثار الشرعية المجعولة من الشارع لذلك الشئ، لأنها القابلة للجعل دون غيرها من الآثار العقلية والعادية.
فالمعقول من حكم الشارع بحياة زيد وإيجابه ترتيب آثار الحياة في زمان الشك، هو حكمه بحرمة تزويج زوجته والتصرف في ماله، لا حكمه بنموه ونبات لحيته، لأن هذه غير قابلة لجعل الشارع.
نعم:
لو وقع نفس النمو ونبات اللحية موردا للاستصحاب أو غيره من التنزيلات الشرعية أفاد ذلك جعل آثارهما الشرعية دون العقلية والعادية، لكن المفروض ورود الحياة موردا للاستصحاب.
والحاصل: أن تنزيل الشارع المشكوك منزلة المتيقن - كسائر التنزيلات - إنما يفيد ترتيب الأحكام والآثار الشرعية المحمولة على المتيقن السابق.
وأفاد الشيخ في الرسائل:
فلا دلالة فيها على جعل غيرها من الآثار العقلية والعادية، لعدم قابليتها للجعل، ولا على جعل الآثار الشرعية المترتبة على تلك الآثار.
لأنها ليست آثارا لنفس المتيقن، ولم يقع ذوها موردا لتنزيل الشارع حتى تترتب هي عليه.
إذا عرفت هذا فنقول:
إن المستصحب إما أن يكون حكماً من الأحكام الشرعية المجعولة - كالوجوب والتحريم والإباحة وغيرها - وإما أن يكون من غير المجعولات، كالموضوعات الخارجية واللغوية.
فإن كان من الأحكام الشرعية فالمجعول في زمان الشك حكم ظاهري مساو للمتيقن السابق في جميع ما يترتب عليه، لأنه مفاد وجوب ترتيب آثار المتيقن السابق ووجوب المضي عليه والعمل به.
وإن كان من غيرها فالمجعول في زمان الشك هي لوازمه الشرعية، دون العقلية والعادية، ودون ملزومه شرعيا كان أو غيره، ودون ما هو ملازم معه لملزوم ثالث.
ولعل هذا هو المراد بما اشتهر على ألسنة أهل العصر من نفي الأصول المثبتة، فيريدون به: أن الأصل لا يثبت أمرا في الخارج حتى يترتب عليه حكمه الشرعي، بل مؤداه أمر الشارع بالعمل على طبق مجراه شرعاً.
فإن قلت:
الظاهر من الأخبار وجوب أن يعمل الشاك عمل المتيقن، بأن يفرض نفسه متيقنا ويعمل كل عمل ينشأ من تيقنه بذلك المشكوك، سواء كان ترتبه عليه بلا واسطة أو بواسطة أمر عادي أو عقلي مترتب على ذلك المتيقن.
قلت:
الواجب على الشاك عمل المتيقن بالمستصحب من حيث تيقنه به، وأما ما يجب عليه من حيث تيقنه بأمر يلازم ذلك المتيقن عقلا أو عادة، فلا يجب عليه، لأن وجوبه عليه يتوقف على وجود واقعي لذلك الأمر العقلي أو العادي، أو وجود جعلي بأن يقع موردا لجعل الشارع حتى يرجع جعله الغير المعقول إلى جعل أحكامه الشرعية، وحيث فرض عدم الوجود الواقعي والجعلي لذلك الأمر، كان الأصل عدم وجوده وعدم ترتب آثاره.
وهذه المسألة نظير ما هو المشهور في باب الرضاع:
من أنه إذا ثبت بالرضاع عنوان ملازم لعنوان محرم من المحرمات لم يوجب التحريم، لأن الحكم تابع لذلك العنوان الحاصل بالنسب أو بالرضاع، فلا يترتب على غيره المتحد معه وجوداً.
ومن هنا يعلم:
أنه لا فرق في الأمر العادي بين كونه متحد الوجود مع المستصحب بحيث لا يتغايران إلا مفهوما ـ كاستصحاب بقاء الكر في الحوض عند الشك في كرية الماء الباقي فيه ـ وبين تغايرهما في الوجود، كما لو علم بوجود المقتضي لحادث على وجه لولا المانع لحدث وشك في وجود المانع.
وكذا: لا فرق بين أن يكون اللزوم بينها وبين المستصحب كليا لعلاقة، وبين أن يكون اتفاقيا في قضية جزئية.
كما إذا علم ـ لأجل العلم الإجمالي الحاصل بموت زيد أو عمرو ـ أن بقاء حياة زيد ملازم لموت عمرو، وكذا بقاء حياة عمرو، ففي الحقيقة عدم الانفكاك اتفاقي.
وكذا: لا فرق بين أن يثبت بالمستصحب تمام ذلك الأمر العادي كالمثالين، أو قيد له عدمي أو وجودي، كاستصحاب الحياة للمقطوع نصفين، فيثبت به القتل الذي هو إزهاق الحياة، وكاستصحاب عدم الاستحاضة المثبت لكون الدم الموجود حيضا ـ بناء على أن كل دم ليس باستحاضة حيض شرعا ـ وكاستصحاب عدم الفصل الطويل المثبت لاتصاف الأجزاء المتفاصلة ـ بما لا يعلم معه فوات الموالاة ـ بالتوالي .