بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و سوم
واما بحسب الروايات الواردة في المقام.
فقد مرَّ في مقام تحقيق النسبة بينها:
ان صحيحة زكريا بن آدم مطلقة من حيث كفاية المال وعدم كفايته في عدم وجوب أكثر من الحج الميقاتي.
فان فيه: أيجوز ان يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه قال: أما ما كان دون الميقات فلا بأس وقلنا: ان مقتضى صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبدالله (ع) بقوله:
سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل أوصى أن يحج عنه حجة الاسلام ولم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما ، قال : يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قرب[1].
ومثلها رواية أبي سعيد ورواية عمر بن يزيد الاولى والثانية.
ونسبتها الى صحيحة زكريا بن آدم نسبة المقيد الى المطلق فيقيد الصحيحة بها وتكون النتيجة كفاية الميقات اذا لم تسع التركة للحج له من البلد.
ثم إنَّ في صحيحة محمد بن عبدالله:
قال: سئلت ابا الحسن الرضا(عليه السلام) الرجل يموت فيوصي بالحج ، من أين يحج عنه ؟ قال : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه ماله فمن الكوفة ، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة»[2].
وبها تُقيد ـ المطلق المقيد في الخبرين السابقين وهو لزوم الإتيان من البلد ومع عدم التمكن فمن الميقات ـ بحسب النتيجة وتكون النتيجة بعد التقييد هو لزوم الاتيان بالبلد عنه سعة المال ومع عدم التمكن منه فمن الاقرب فالاقرب.
وهذ هو مقتضى تحقيق النسبة بين الاخبار:
وحينئذٍ ربما يقال: بانه حيث كان مورد هذه الروايات الوصية وفي الوصية يلزم العمل على طبق نظر الموصي. فان أوصى بالحج من الميقات لزم ذلك بمقتضى أدلة الوصية.
وأما اذا لم يوص بالحج من الميقات فاذا أوصى بالبلدي لزم ذلك وهو موافق لهذه الاخبار.
وأما اذا لم يوص بالحج من الميقات، بل أوصي بالحج على نحو مطلق.
ففي هذه الصورة كان نظر مثل النائيني وجوب البلدية حيث قال في حاشيته:
«لو لم تكن قرينة علي ارادة الميقاتية وجبت البلدية على الاقوى<.
وكان ذلك بمقتضى هذه الأخبار ومقتضى الجمع بينها.
كما أفاد السيد الأصفهاني «بل تجب البلدية حينئذٍ ويخرج من الأصل»
اي تجب البلدية حتى مع عدم كفاية الثلث.
ومثل السيد البروجردي أفاد:
>الأحوط مع سعة مال الوصية وعدم المزاحم هو الاستئجار من البلد»[3].
وكان هذا اذا لم يعين شيئاً من الميقاتية أو البلدية في الوصية. ونظره في قوله وعدم المزاحم أي عدم مزاحمة حق الصغار اذا لزم الإتيان بالبلدية اخراج باقي المؤونة من الأصل.
وهذا بحسب مقتضى الأخبار مع التحفظ على ان ذلك من باب اقتضاء أدلة الوصية دون أدلة القضاء.
والأولى أنْ يقال:
انه يحتمل صحيحة زكريا بن آدم علي عدم التصريح باقي الوصية بالبلدية فيكفي الحج من الميقات ومثله موارد الانصراف الى البلدية أو قيام القرينة على ارادتها.
كما تحمل صحيحة علي بن رئاب على صورة الوصية بالحج البلدي وعدم كفاية التركة أو الثلث له.
ومقتضى صحيحة محمد بن عبدالله أنَّ مع قصور التركة والوصية بالبلدي يلزم رعاية الاقرب فالاقرب.
ومقتضى الفتاوى، عدم الالتزام به غالباً، وحملها على الاستحباب ولذا نرى قول صاحب العروة من أنَّ القول الثاني هو الأحوط.
وهذا الاحتياط له وجه.
وكذا فيما اذا لم يصرح في الوصية بالحج الميقاتي بل كانت مطلقة لكان للاحتياط في الاتيان بالبلدية وجه.
وعلى جميع الصور، فانه لا وجه في هذه الصورة، أي الوصية بالحج البلدي أو باطلاق الحج في فرض قصور التركة أخذ الباقي من المؤونة من أصل المال، بل يلزم الاكتفاء بالثلث وخصوصاً مع وجود المزاحم على ما مر.
وان كنا نلتزم بانه لو لم يكف الثلث بالحج الميقاتي لزم أخذ الباقي من الأصل. لعموم ما دل على كون المؤنة من أصل المال.
[1] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص166. الباب 2 من ابوب النيابة في الحج، ح1.
[2] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص167. الباب 2 من ابواب النيابة في الحج، ح3.
[3] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص464.