بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و ششم
ولعل وجهه:
ان علم النائب انما يوجب کون اتيانه بالحج الميقاتي موجباً لتضييع الواجب وهو الحج البلدي، او تضييع الوصية فيکون متعلقاً للنهی والنهی فی العبادة موجب لفسادها.
وهذا الاشکال يرد فی صورة التبرع ايضاً اذا کان المتبرع عالماً بذلک، ولا يختص بالأجير والنائب.
ويمکن أنْ يقال:
قد مر ان الواجب فی الحج الاتيان بمناسکه، واما حيثية کونه من البلد فی مقام القضاء انما يکون بمقتضی ادلة الوصية.
وعلم النائب بذلک لا يوجب أکثر من تضييع الوصية وحکمه متوجه الی ولي الميت دون النائب ولا يوجب النهی عن فعل الحج من قبل النائب.
نعم، ربما يقال:
ان علم النائب بذلک کان معناه انه اذا أتی بالحج من الميقات لا يبقی موضوع معه للحج البلدي. لسقوط الحج عن ذمة الميت به ومعه لا يجب الاتيان بالحج البلدي.
ولکنه يقال:
ان هذه المقالة متوقفة علی صحة الحج من الميقات ولولا صحته لما أوجب اسقاط ذمة الميت، واما مع عدم صحته فانه يبقی الموضوع للواجب بکامله، وفی هذا الفرض کيف يمکن الاتيان بالحج الميقاتي منهياً من حيث کونه موجباً لتضييع الواجب.
نعم، يوجب ذلک تضييع الاتيان بالواجب بکامله بحسب الوصية ولکن مثله لا يوجب النهی فی العبادة.
نظير ما اذا استاجر للاتيان بصلاة الميت مع الاذان والاقامة فتخلف وأتی بالصلاة وحدها بلا اذان و لا اقامة، فانه تسقط ذمة الميت وکان تضييع الواجب بکامله بمقتضی الوصية ولکنه لا يوجب أکثر من عدم استحقاقه بالاجرة المقررة ويرجع الی أُجرة المثل من غير ان يوجب ذلک خللاً فی صحة الصلاة التی أتی بها و اسقاط ذمة الميت.
قال صاحب العروة:
«(مسألة 91): الظاهر أنّ المراد من البلد هو البلد الّذي مات فيه، كما يشعر به خبر زكريّا بن آدم: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل مات و أوصى بحجّة، أ يجزيه أن يحجّ عنه من غير البلد الّذي مات فيه؟
فقال (عليه السّلام): ما كان دون الميقات فلا بأس به.
مع أنّه آخر مكان كان مكلّفاً فيه بالحجّ.
و ربما يقال: إنّه بلد الاستيطان لأنّه المنساق من النصّ و الفتوى.
و هو كما ترى .
و قد يحتمل البلد الّذي صار مستطيعاً فيه.
و يحتمل التخيير بين البلدان الّتي كان فيها بعد الاستطاعة، و الأقوى ما ذكرنا وفاقاً لسيّد المدارك، و نسبه إلى ابن إدريس أيضاً و إن كان الاحتمال الأخير و هو التخيير قويّاً جدّاً»[1].
والمستفاد منه ان الاقوال فی المسألة اربعة:
1 ـ کون المراد من البلد هو البلد الذی مات فيه.
2 ـ انه هو بلد الاستيطان.
3 ـ البلد الذی صار مستطيعاً فيه.
4 ـ عدم التفاوت بين البلدان التی کان فيها بعد الاستطاعة.
فکل بلد قام فيها فيه بعد استطاعته يجوز ان يحج عنه وهو مخير بين هذه البلدان
أما القول الأول:
فاستدل له بوجهين:
الاول:
اشعار صحيحة زکريا بن آدم السابقة حيث ان فی کلام السائل فيها رجل مات وأوصی بحجة أيجزيه أنْ يحج عنه من غير البلد الذی مات فيه. حيث ان في ذهن السائل ان الحج من البلد الذي مات فيه هو الوظيفة له وانما سُئل عن جواز الحج عن غيره.
الثاني:
إنَّ البلد الذي مات فيه هو آخر مکان کان المشخص مکلفاً بالحج فيه، فان المفروض استقرار الحج عليه، وإنما تأخر اتيانه الی موته وآخر مکان تعلق به الأمر بالحج هو البلد الذي مات فيه.
وهذا الوجه مأخوذ من ابن ادريس فی السرائر.
قال السيد الحکيم فی المستمسک:
«قال في المدارك: «الظاهر أن المراد من البلد الذي يجب الحج منه- على القول به- محل الموت حيث كان، كما صرح به ابن إدريس، و دل عليه دليله ..».
أقول: قد تقدمت عبارة ابن إدريس، و لم يصرح فيها ببلد الموت. نعم ذلك مقتضى دليله، لأنه حين الموت كان مكلفاً بالسفر من ذلك المكان، فاذا اقتضى ذلك الاستنابة من البلد كان مقتضياً للاستنابة من ذلك المكان.
و لعل غرض المدارك من التصريح هذا المقدار من الاستفادة.
«وما تقدم فی نقله من کلام ابن ادريس هو قوله:
«بانه کان تجب ليه نفقة الطريق من بلده فلما مات سقط الحج عن بدنه وبقي في ماله بتبعه ما كان يجب عليه لو كان حياً من مؤونة الطريق بلده»
واما القول الثاني:
وهو بلد الاستيطان، واستدل له بان المنساق من النص والفتوی وهذا الاستدلال مذکور فی کلام صاحب الجواهر (قدس سره) قال:
«و كيف كان فالمراد بالبلد- على تقدير اعتباره- بلد الاستيطان، لأنه المنساق من النص و الفتوى. خصوصاً من الإضافة فيهما، سيما خبر محمد بن عبد اللّٰه .»[2]
ومراده من الاضافة مثل قول السائل فی موثقة عبدالله بن بکير عن أبي عبدالله(ع) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِمَالِهِ فِي الْحَجِّ فَكَانَ لَا يَبْلُغُ مَا يُحَجُّ بِهِ مِنْ بِلَادِهِ قَالَ فَيُعْطَى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحَجُّ بِهِ عَنْه[3].
وکذا فی مثل صحيحة محمد بن عبدالله عن أبي الحسن الرضا (ع):
قال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع عَنِ الرَّجُلِ يَمُوتُ- فَيُوصِي بِالْحَجِّ مِنْ أَيْنَ يُحَجُّ عَنْهُ- قَالَ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ إِنْ وَسِعَهُ مَالُهُ فَمِنْ مَنْزِلِهِ...»[4].
فان قوله (ع) من منزله يراد من المکان الذی يسکن فيه وجعله وطناً له.
هذا ثم ان صاحب العروة (قدس سره) لم يرتض بهذا القول وافاد فيه: وهو کما تری.
وافاد السيد الحکيم فی المستمسک:
«كأنه يريد: أن الانسياق لا يصلح لمعارضة ما هو ظاهر الخبر المتقدم.
[1] . السيد اليزدي، العروة الوثقى (المحشى)، ج4، ص: 465
[2] الجواهري، جواهر الكلام، ج 17، ص326.
[3] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص167، الباب 2 من ابواب النيابة، الحديث 2.
[4] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص167، الباب 2 من ابواب النيابة، حديث 3.