بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و نهم
ثم افاد السید الخوئی (قدس سره)
وفيه:
أن عدم دلالة أدلة الاستصحاب على التعبد بالآثار الشرعية المترتبة على اللوازم العقلية أو العادية - وإن كان مسلما - إلا أن دلالة أدلة حجية الخبر على حجيته حتى بالنسبة إلى اللازم غير مسلم، لان الأدلة تدل على حجية الخبر – والخبر والحكاية من العناوين القصدية - فلا يكون الاخبار عن الشئ إخبارا عن لازمه، إلا إذا كان اللازم لازما بالمعنى الأخص، وهو الذي لا ينفك تصوره عن تصور الملزوم، أو كان لازما بالمعنى الأعم مع كون المخبر ملتفتا إلى الملازمة.
فحينئذ يكون الاخبار عن الشئ اخبارا عن لازمه، بخلاف ما إذا كان اللازم لازما بالمعنى الأعم ولم يكن المخبر ملتفتا إلى الملازمة، أو كان منكرا لها، فلا يكون الاخبار عن الشئ إخبارا عن لازمه، فلا يكون الخبر حجة في مثل هذا اللازم، لعدم كونه خبرا بالنسبة إليه، فإذا أخبر أحد عن ملاقاة يد زيد للماء القليل مثلا، مع كون زيد كافرا في الواقع، ولكن المخبر عن الملاقاة منكر لكفره، فهو مخبر عن الملزوم وهو الملاقاة، ولا يكون مخبرا عن اللازم وهو نجاسة الماء، لما ذكرناه من أن الاخبار من العناوين القصدية، فلا يصدق إلا مع الالتفات والقصد، ولذا ذكرنا في محله وفاقا للفقهاء: أن الاخبار - عن شئ يستلزم تكذيب النبي أو الامام عليهم السلام - لا يكون كفرا، إلا مع التفات المخبر بالملازمة.
وبالجملة إن ما أفاده ( ره ) - في وجه عدم حجية المثبت في باب الاستصحاب - متين، إلا أن ما ذكره - في وجه حجيته في باب الامارات من أن الاخبار عن الملزوم اخبار عن لازمه فتشمله أدلة حجية الخبر – غير سديد، لما عرفت.
وذكر المحقق النائيني ( ره ) وجها ثالثا:
وهو أن المجعول في باب الامارات هي الطريقية واعتبارها علما بالتعبد، كما يظهر ذلك من الاخبار المعبرة - عمن قامت عنده الامارة - بالعارف كقوله ( ع ): " من نظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا... "
فيكون من قامت عنده الامارة عارفا تعبديا بالأحكام، فكما أن العلم الوجداني بالشئ يقتضي ترتب آثاره وآثار لوازمه، فكذلك العلم التعبدي الجعلي، بخلاف الاستصحاب، فان المجعول فيه هو الجري العملي على طبق اليقين السابق، وحيث أن اللازم لم يكن متيقنا، فلا وجه للتعبد به، فالفرق بين الامارة والأصل من ناحية المجعول.
وفيه:
( أولا ) - عدم صحة المبنى، فان المجعول في باب الاستصحاب أيضا هو الطريقية، واعتبار غير العالم عالما بالتعبد، فإنه الظاهر من الامر بابقاء اليقين وعدم نقضه بالشك، فلا فرق بين الامارة والاستصحاب من هذه الجهة.
بل التحقيق:
أن الاستصحاب أيضا من الامارات، ولا ينافي ذلك تقديم الامارات عليه، لان كونه من الامارات لا يقتضي كونه في عرض سائر الامارات، فان الامارات الاخر أيضا بعضها مقدم على بعض، فان البينة مقدمة على اليد، وحكم الحاكم مقدم على البينة، والاقرار مقدم على حكم الحاكم. وسيأتي وجه تقديم الامارات على الاستصحاب انشاء الله تعالى:
و( ثانيا ):
أنا ننقل الكلام إلى الامارات، فإنه لا دليل على حجية مثبتاتها. وما ذكره - من أن العلم الوجداني بشئ يقتضي ترتب جميع الآثار حتى ما كان منها بتوسط اللوازم العقلية أو العادية، فكذا العلم التعبدي - غير تام:
لان العلم الوجداني إنما يقتضي ذلك، لأنه من العلم بالملزوم يتولد العلم باللازم بعد الالتفات إلى الملازمة، فترتب آثار اللازم ليس من جهة العلم بالملزوم، بل من جهة العلم بنفس اللازم المتولد من العلم بالملزوم.
ولذا يقولون: إن العلم بالنتيجة يتولد من العلم بالصغرى والعلم بالكبرى، فان العلم بالصغرى هو العلم بالملزوم، والعلم بالكبرى هو العلم بالملازمة، فيتولد من هذين العلمين العلم الوجداني باللازم وهو العلم بالنتيجة.
بخلاف العلم التعبدي المجعول، فإنه لا يتولد منه العلم الوجداني باللازم - وهو واضح - ولا العلم التعبدي به، لان العلم التعبدي تابع الدليل التعبد، وهو مختص بالملزوم دون لازمه، لما عرفت من أن المخبر إنما أخبر عنه لا عن لازمه.
فالذي تحصل - مما ذكرناه في المقام -:
أن الصحيح عدم الفرق بين الامارات والاستصحاب، وعدم حجية المثبتات في المقامين، فان الظن في تشخيص القبلة وان كان من الامارات المعتبرة بمقتضى روايات خاصة واردة في الباب، لكنه إذا ظن المكلف بكون القبلة في جهة، وكان دخول الوقت لازما لكون القبلة في هذه الجهة لتجاوز الشمس عن سمت الرأس على تقدير كون القبلة في هذه الجهة، فلا ينبغي الشك في عدم صحة ترتيب هذا اللازم وهو دخول الوقت، وعدم جواز الدخول في الصلاة.
نعم:
تكون مثبتات الامارة حجة في باب الاخبار فقط، لأجل قيام السيرة القطعية من العقلاء على ترتيب اللوازم على الاخبار بالملزوم ولو مع الوسائط الكثيرة.
ففي مثل الاقرار والبينة وخبر العادل يترتب جميع الآثار ولو كانت بوساطة اللوازم العقلية أو العادية.
وهذا مختص بباب الاخبار، وما يصدق عليه عنوان الحكاية دون غيره من الامارات [1].
[1] البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج3، ص151 ـ 155.