بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و نهم
ویمکن أنْ یقال:
ان بناءً على لزوم الأتیان بالحج البلدي فی باب قضاء الحج، أو بناءً علی لزومه فی باب الوصیة فیما کانت ظاهرة فی ذلك، ان خطاب الحج عند الاستطاعة یتوجه الی المکلف من مکانه، والمراد من هذا المکان لیس هو النقطة التی کان فیها عند حدوث الاستطاعة، بل إنَّ المراد منه بلد السکنی وبلد الاستیطان فعلاً، والا فلو کان مسافراً بقصد التجارة الی بلد بعید وأُحرز استطاعته هناك، فانه لا یجب علیه علی هذا المبنی الحج منه خصوصاً اذا کان السفر فی غیر أیام الحج، وانه یلزمه عوده الی وطنه قبلها فهل یجب الاتیان بالحج الذهاب الی البلد الکذائي والذهاب منه الی الحج، فانه لا یلتزم به أحد.
ومنه یعلم انه لیس المعیار والضابطة النقطة التی توجه الیه خطاب الحج بلا فرق فی ذلك بین حدوث الخطاب وبقائه.
بل المراد فی هذه الفروض من (البلد) البلد الذی یسکن فیه ولو لم یتم بالنسبة الیه اتخاذه وطناً علی بعض الأقوال أو لم یکن وطنه الأصلي، بل المراد لزوم ذهابه مما یسکن فیه فعلاً وهو غالباً بلد الاستیطان، ولو البلد الذی اتخذه وطناً.
کما یظهر أنَّ المراد من بلد الموت لیس خصوص البلد الذي مات فیه ولو کان غیر البلد الذی یسکن فیه، فلو سافر الی بلد بعید لشغل ومات فیه، فهل یلزم الاستنابة له ذلك البلد ولو کان بعیداً غاية البعد. فیشکل جداً الإلتزام به فلعل المراد من بلد الموت البلد الذي یسکن فیه الی آخر أیامه بمعنى أنَّه لو کان اتخذ بلداً للسکنی سابقاً، ثم اتخذ بعد ذلك بلداً آخر للسکنى والاستیطان، فان البلد الذی یلزم الاستنابة منه هو البلد الآخر أي ما یسکن فیه الی آخر أیامه وان لم یمت فیه، بل مات في سفره وتوقفه فی بلد بعید.
وعلیه فإنَّ قوله (ع) أیجزیه ان یحج عنه من غیر البلد الذي مات فیه؟ فی مقام السؤال عن الأمام (ع) ظاهر فی أنَّ المرتکز عنه السائل البلد السکني او الاستیطان الذی مات فیه أي ما کان ساکناً فیه الی آخر أیامه، دون بلد الموت ولو أتفق سفره الیه ومات فیه علی ما مرَّ. فالمرتکز هو آخر بلد اتخذه للاستیطان.
وأما ما ربما یقال:
بان المراد من بلد الموت آخر نقطة توجه الیها الامر بالحج، فانه اذا استقر علیه الحج ولم یات به ومات فانما یتوجه علیه الخطاب بالحج الی آخر عمره وحیاته، والخطاب الأخیر هو الخطاب حین موته، فاذا کان المعتبر الحج من بلده فیلزم ان یکون ذلك هو البلد الذی توجه الیه الخطاب الأخیر وهو بلد الموت وقد مرَّ فی کلام السید الاستاذ (قدس سره).
«فیلزم النیابة من مکان الموت»
قال (قدس سره):
«الظاهر انه بلد الموت، اما بناء على استفادة الحكم من القاعدة يعني من الدليل الاول لثبوت الحج فواضح، لان الواجب هو النيابة بما كان لازما على الميت.
ومن الواضح انه يلزمه الحج من المكان الذي هو فيه اين ما توجه اذ يتوجه اليه اين ما كان الخطاب: اذهب الى مكة، وظاهره لزوم الذهاب من مكانه الذي هو فيه.
فاذا مات والحال هذه كان الواجب عليه هو الذهاب الى مكة من مكانه، لانه قبل الموت كان مورد الخطاب فيلزم النيابة من مكان لموت...»
وهذا الوجه هو نفس ما مر من صاحب العروة (قدس سره) فی المتن بقوله: «مع أنَّه آخر مکان کان مکلفاً بالحج.»
وقد مرَّ أنَّ هذا الوجه نسبه صاحب المدارک الی ابن ادريس.
وقد مرَّ قوله فی المدارک:
«الظاهر ان المراد من البلد الذي يجب الحج منه ـ علی القول به ـ محل الموت حيث کان صرح ابن ادريس ودل عليه دليله.»
وما أفاده ابن ادريس فی السرائر:
«لأنّه كان يجب عليه نفقة الطريق من بلده، فلمّا مات سقط الحج عن بدنه، و بقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه، لو كان حيا، من نفقة الطريق من بلده<[1]
وهو کما تری غير صريح فی الوجه المذکور علی ما ادعاه صاحب المدارک.
ولذلک افاد السيد الحکيم (قدس سره):
«قد تقدمت عبارة ابن ادريس، ولم يصرح فيها ببلد الموت نعم: ذلک مقتضی دليله...»[2]
ولکن الاشکال فی عدم تمامية هذا الوجه فی مقام الاستدلال فی المقام.
وذلک:
لان توجه الخطاب الی المکلف الی حين موته لا يوجب امتثاله بعد موته وفی مقام النيابة عنه عن خصوص البلد الذی مات فيه لان خطاب الحج بالنسبة الی من استقر عليه وان کان باقياً الا انه لا يصير فعلياً الا فی أشهر الحج فی کل سنة.
ومع التسلم.
فانه لا خصوصية للمکان الذي وقع المکلف فيه متعلقاً للخطاب فی امتثال الواجب بلا فرق فيه بين الحج وغيره فانه لو قضی عنه صلاته فی بلد خاص فی سفره فانه لا يجب الاتيان بالصلاة قضاءً فی مکان القضاء. وکذا لو مات فی السفر الی بلد بعيد، فانه وان توجه اليه الخطاب بالحج فيه، بل صار فعلياً بالنسبة اليه اذا کان فی أشهر الحج الا انه لا يلزم علی الولی الميت الاتيان بحجه من ذاک المکان لصرف انه هو المکان الذی توجه اليه الخطاب الآخر بالحج.
فان هذه الخطابات انما يتوجه الی المکلف بالنسبة الی الاتيان بالواجب.
وحيث لزوم کونه من البلد لو التزمنا باعتباره فهو من جهة انه يلزمه الاتيان بالواجب من المکان والبلد الذی هو محل سکناه ولعل مراد مثل ابن ادريس الی ان المراد منه بلد الموت اذا کان المکلف مات فی مکان سکناه ای البلد الذی کان يسکن فيه الی آخر عمره، وهو عنوان عرفی لا يصدق علی کل مکان مات فيه ولو کان بعيداً عن البلد المذکور.
ومنه يظهر:
إنَّ المذکور فی موثقة عبدالله بن بکير بقوله: من بلاده وفي صحيحة محمد بن عبدالله بقوله من منزله، هو بيان هذا المعنی العرفي أی ما کان الميت ساکناً فيه المنصرف الی البلد الذی سکن فيه حتی مات.
فظهر ان ذکر الموت زائداً علی ذکر البلد لا ظهور له فيه خصوصية الموت فی الاستنابة کما التزم به السيد الحکيم.
ولا خصوصية لکون مکان الموت هو منتهی انقطاع الخطاب بالحج کما ذکره فی الجواهر وجعله صاحب العروة مستنداً لما اختاره.
وأما ما ربما يستدل به من الرواية المروية عن مستطرقات السرائر من کتاب المسائل بسنده عن عدة من أصحابنا قالوا: قلنا لأبي الحسن يعنی علی بن محمد إِنَّ رَجُلًا مَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَ أَوْصَى بِحِجَّةٍ وَ مَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُحَجُّ عَنْهُ مِنَ الْوَقْتِ فَهُوَ أَوْفَرُ لِلشَّيْءِ أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ فَقَالَ ع يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ»
مما لا يمکن المساعدة عليه:
وهذا لا لما أحتمله صاحب الجواهر من عدم استبعاد ان يکون الظاهر من قوله بحجته، اتمام حجته بمعنی انه مات في أثناء حجه بمعنی انه أتی ببعض المناسک ومات بلا اتيان البعض الآخر.
وذلک، لانه خلاف لما روی من الاجزاء اذا مات بعد الاحرام بلا خاصة الی قضاء ما کان عليه.
بل من جهة أنَّ قول السائل: ان رجلاً مات فی الطريق، فان الظاهر من الطريق هو الطريق الی الحج والمراد من قوله يحج عنه من حيث مات اتمام الطريق من ناحية النائب والإتيان بالحج.
فيکون مدلولها نظير مدلول رواية بريد العجلی فيمن مات فی الطريق قبل الاحرام من انه يجعل جمله وزاده ونفقته وما معه فی حجة الاسلام.
حيث ان مراد الامام (ع) فيهما الاستنابة له من حيث مات، لان کان سلک الطريق من بلده فيستناب عنه من المحل الذی مات ولا يحتاج الی الاستنابة من بلده قضاءً لحجته.
وهذا المعنی يختص بمورده أی مورد الموت فی طريق الحج ولا يستفاد منه بوجه الاستنابة من بلد الموت أی البلد الذي مات فيه بخصوصه.
واما القول الثالث او احتماله:
فقد مر حکاية صاحب الجواهر هذا الاحتمال عن بعض وعن بعض العامة القول به ولکن هذا الاحتمال لا سبيل له:
لما مرَّ من انه لا موضوعية لمکان الخطاب بلا فرق فيه بين اول مکان توجه اليه الخطاب بالحج أو آخر المکان.
بل الموضوعية انما کان للذهاب الی الحج من بلده الظاهر فی بلده الذي يسکن فيه، فاينما اراد الحج يلزمه فی حال حياته الابتداء من بلده علی القول بوجوب البلدية
واما الاحتمال الرابع: وهو الحکم بالتخيير بين البلاد التی کان فيها بعد الاستطاعة.
والظاهر ان اساس هذا الاحتمال الاخذ باطلاق البلد.
ويدفعه ان البلد بالعنوان المذکور فی الاخبار هو البلد المضاف الی الشخص بقوله بلاده او منزله، واذا کان ذلک ظاهراً فی البلد الذي يسکن فيه الی موته علی ما مر فلا وجه للاخذ بالاطلاق لانصرافه الی البلد المذکور.
وعليه فلا قوة فی هذا الاحتمال علی ما افاده صاحب العروة.
فالوجه عندنا: ان المراد من البلد البلد الذی يسکن فيه الی آخر أيامه
قال صاحب العروة:
« (مسألة 92):
لو عيّن بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف أو من كربلاء تعيّن.»
وظاهره التعيين فی مقام الوصية، ومقتضی عموم لزوم العمل بالوصية ذلک.
قال السيد الخوئي (قدس سره):
« هذا انما يتم بناء على عدم وجوب الحج من البلد، فحينئذ يتعين عليه العمل بالوصية بالاستئجار من البلد الذي عينه، و أما بناء على القول الأخر من وجوب الحج من البلد فهذه الوصية لا اثر لها لأنها على خلاف السنة و على خلاف ما هو الواجب شرعا بل لا بد من الحج من البلد الذي مات فيه أو بلد الاستيطان على الخلاف المتقدم.»[3]
وهذا الکلام يرجع الی ما أفاده المحقق العراقی فی حاشيته علی المتن.
«علی المختار من عدم وجوب الحج البلدی بأصل الشرع، والا ففی تعينه فی غيره بالوصية نظر، لانها لا تکون مشرعة کما لا يخفی.»[4]
وهذا الإشکال قوي، ووجه موافقة کل المحشين لصاحب العروة عدم التزامهم بوجوب الحج البلدي الا فی صورة الوصية بالحج علی ما مر تفصيله وهو مختار صاحب العروة ايضاً.
[1]. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى، ج1، ص: 516.
[2]. مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص: 265.
[3] معتمد العروة الوثقى، ج1، ص: 325.
[4]. العروة الوثقى (المحشى)، ج4، ص: 466.