بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و دوم
وأما ما افاده صاحب الکفایۀ من اعتبار الآثار الشرعیۀ المترتبۀ علی الوسائط العرفیۀ والعقلیۀ المترتبۀ علی المستصحب اذا لا یمکن التفکیک بین المستصحب وبینها:
قال قدس سره فی حاشیته علی الرسائل:
«.. ویلحق بذلک ـ ای خفاء الواسطۀ ـ جلائها ووضوحها فيما كان وضوحه بمثابة يورث الملازمة بينهما في مقام التّنزيل عرفاً، بحيث كان دليل تنزيل أحدهما دليلًا على تنزيل الآخر، كما هو كذلك في المتضايفين لأنّ الظَّاهر أنّ تنزيل أبوّة زيد لعمرو مثلًا يلازم تنزيل بنوّة عمرو له، فيدلّ تنزيل أحدهما على تنزيل الآخر ولزوم ترتيب ما له من الأثر.
إن قلت:
هذا إنّما يتمشّى في خصوص ما إذا كان للمستصحب أيضاً بلا واسطة أثر، كي يعمّه الخطاب، فيدلّ التزاماً على ترتيب أثرها عليها، بخلاف ما إذا لم يكن له أثر إلَّا بوسائطها لعدم شمول الخطاب له، فيدلّ بالملازمة على ترتيب أثرها، كما لا يخفى.
قلت:
انّه مضافاً إلى عدم القول بالفصل في الآثار مع الواسطة بين ما كان للمستصحب أثر بلا واسطة وما إذا لم يكن، ضرورة وجوب ترتيبها عليه بالاستصحاب على القول بالأصل المثبت، وعدم جواز ترتيبها على القول بعدمه يجدي ذلك فيما هو المهمّ من إلحاق الواسطة الجليّة في الجملة، وعدم اختصاص الاستثناء من عدم القول بالأصل المثبت بها كما لا يخفى، مع إمكان دعوى أنّ التّلازم بين الشّيئين إذا كان بمثابة يوجب التّلازم بينهما في مقام التّنزيل يورث أن يلاحظ شيئاً واحداً ذا وجهين كان له الأثر بأحد الوجهين أو اثنين موضوعين لأثر واحد.
وبالجملة: يرى أثر أحدهما أثر الاثنين عرفاً، ومعه لا وجه لعدم شمول الخطاب للاستصحاب في مثل هذا المورد لصحّة تنزيل كليهما بلحاظ هذا الأثر، ألا ترى صحّة تنزيل الأبوّة بلحاظ أثر البنوّة ولو لم يكن لها أثر آخر وبالعكس، وليس هذا من قبيل الخطاء أو المسامحة في التّطبيق، بل من باب دعوى أنّ المفهوم من الخطاب ما ينطبق عليه بالتّدقيق، كما نبّهنا عليه.
ثمّ أنّه لا يبعد أن يكون ذلك منشأ عمل جماعة من القدماء والمتأخّرين بالأصول المثبتة في مقام، وعدم العمل بها في مقام آخر، وحمل ذلك على تفاوت المقامين في خفاء الواسطة وعدمه كما ترى، يكذبه ملاحظة أنّ الواسطة في موارد عملهم في غاية الوضوح.
ثمّ إنّه ليس ببعيد أن يكون الأمر كذلك ولو على القول بحجيّة الاستصحاب من باب الظَّنّ بناء على المنع من حجيّة المثبت عليه أيضا على ما أشرنا إليه من منع الملازمة بينه وبين القول بحجيّة المثبت منه، فإنّه من البعيد جدّاً التّفكيك بحسب السّيرة العقلائيّة فيما يعدّه العرف من أثر الشّيء بين ما كان أثره حقيقة وما لم يكن كذلك، ولكن يعدّ من آثاره لخفاء الواسطة، أو لوضوح الملازمة بينهما، كما عرفت بترتيب الأوّل باستصحابه وعدم ترتيب الآخر، فتدبّر جيّداً.
وهم وإزاحة:
اعلم أنّه ربّما يتوهّم أنّه كيف يكون ترتيب الآثار العقليّة وحدها أو مع الآثار الشّرعيّة بوساطتها على المستصحب من الأصل المثبت الَّذي لا اعتبار به، مع أنّه لا يكاد أن يوجد استصحاب حكم أو موضوع لا يترتّب عليه أثر عقلي بواسطة أثر شرعيّ مثل نفي غيره من أضداده في استصحاب الحكم مطلقا وحرمة الضّدّ ووجود المقدّمة في استصحاب وجوب شيء على القول باقتضاء إيجاب شيء لحرمته ووجوبها، وكذا الحال في استصحاب الموضوع الموجب لترتّب آثاره الشّرعيّة بلا واسطة وترتيب الآثار العقليّة بواسطتها.
لكن لا يخفى:
أنّ ذلك التّوهّم لأجلها فزع السّمع من القيل والقال، من دون تدبّر في حقيقة الحال.
توضيح المقال: انّ الأثر العقلي لا يترتّب بالاستصحاب ولا يصير واسطة لترتّب الأثر الشّرعي في باب إذا كان أثراً لما يستصحب من الواقع بما هو واقع، وقد أريد ترتيبه أو ترتيب أثره الشّرعي عليه باستصحابه، لا إذا كان أثراً له مطلقا ولو لوجوده الاستصحابي.
وبعبارة أخرى:
إذا كان أثراً للأمور التّعبديّة المجعولة واقعاً أو ظاهراً ولو بخطاب « لا تنقض اليقين » كوجوب الإطاعة وحرمة المعصية، وحرمة الضّدّ ووجوب المقدّمة، إلى غير ذلك من الآثار العقليّة المترتّبة على تحريم شيء أو إيجابه شرعاً مطلقا ولو بالاستصحاب.
وذلك:
ضرورة أنّ الاستصحاب حينئذ يكون محقّقاً لما هو موضوعه حقيقة لا جعلًا، كي لا يتصور جعله وتنزيله بالإضافة إلى الأثر العقلي، ولا إلى ما بواسطته من الأثر الشّرعيّ كما لا يخفى.
وبالجملة:
الممنوع من ترتيبه هو الأثر العقلي للمستصحب بوجوده الواقعي، وكذا أثره الشّرعي بواسطته وهذه الآثار إنّما هي يكون من آثار تحقّقه الأعمّ من وجوده الواقعي والاستصحابي، فيجب ترتيبها بالاستصحاب وإلَّا لزم التّفكيك بين الملزوم ولازمه أو الخلف، وكذا ترتيب آثاره الشّرعيّة لذلك، فتفطَّن كي لا يختلط عليك الأمر [1].
هذا وقد مر ما افاده صاحب الکفایة قدس سره فی الکفایة:
«نعم، لا یبعد ترتیب خصوص ما کان محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته، بدعوى أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة، فافهم.
كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا، كما لا تفكيك بينهما واقعا، أو بوساطة ما لاجل وضوح لزومه له، أو ملازمته معه بمثابة عد اثره اثرا لهما، فإن عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشك أيضا، بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا، فافهم ).
کما انه قدس سره افاد فی حاشیۀ له فی الکفایة علی ذیل قوله فی المتن (... او بلحاظ مطلق ما له من الأثر ولو بالواسطۀ؟ بناءً علی صحۀ التنزیل بلحاظ اثر الواسطۀ ایضاً لأجل ان اثر الأثر اثر..):
«ولکن الوجه عدم صحۀ التنزیل بهذا اللحاظ.
ضرورۀ انه ما یکون شرعاً لشیء من الأثر لا دخل له بما يستلزمه عقلا أو عادة، وحديث أثر الأثر أثر وإن كان صادقا إلا أنه إذا لم يكن الترتب بين الشئ وأثره وبينه وبين مؤثره مختلفا.
وذلك ضرورة أنه لا يكاد يعد الأثر الشرعي لشئ أثرا شرعيا لما يستلزمه عقلا أو عادة أصلا، لا بالنظر الدقيق العقلي ولا النظر المسامحي العرفي، إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا لذيها لخفائها أو لشدة وضوح الملازمة بينهما، بحيث عدا شيئا واحد ذا وجهين، وأثر أحدهما أثر الاثنين، كما يأتي الإشارة إليه، فافهم.
[1] حاشية الرسائل ص203 ـ 205.