بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجم
قال فی الکفایة:
«وكذا لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتب عليه، بين أن يكون مجعولا شرعا بنفسه كالتكليف وبعض أنحاء الوضع، أو بمنشأ انتزاعه كبعض أنحائه كالجزئية والشرطية والمانعية، فإنه أيضا مما تناله يد الجعل شرعا ويكون أمره بيد الشارع وضعا ورفعا ولو بوضع منشأ انتزاعه ورفعه.
ولا وجه لاعتبار أن يكون المترتب أو المستصحب مجعولا مستقلا كما لا يخفى، فليس استصحاب الشرط أو المانع لترتيب الشرطية أو المانعية بمثبت، كما ربما توهم بتخيل أن الشرطية أو المانعية ليست من الآثار الشرعية، بل من الأمور الانتزاعية، فافهم.
وكذا لا تفاوت في المستصحب أو المترتب بين أن يكون ثبوت الأثر ووجوده، أو نفيه وعدمه.
ضرورة: أن أمر نفيه بيد الشارع كثبوته، وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر، إذ ليس هناك ما دل على اعتباره بعد صدق نقض اليقين بالشك برفع اليد عنه كصدقه برفعها من طرف ثبوته كما هو واضح.
فلا وجه للاشكال في الاستدلال على البراءة باستصحاب البراءة من التكليف، وعدم المنع عن الفعل بما في الرسالة:
من أن عدم استحقاق العقاب في الآخرة ليس من اللوازم المجعولة الشرعية، فإن عدم استحقاق العقوبة وإن كان غير مجعول، إلا أنه لا حاجة إلى ترتيب أثر مجعول في استصحاب عدم المنع، وترتب عدم الاستحقاق مع كونه عقليا على استصحابه، إنما هو لكونه لازم مطلق عدم المنع ولو في الظاهر، فتأمل»[1].
الثانی:
انه لا فرق فی الأثر المترتب علی المستصحب شرعاً بین ان یکون حکماً مجعولاً بنفسه و مستقلاً کالأحکام التکلیفیة، و بین کونه حکماً منتزعاً عن الأحکام التکلیفیة کبعض الاحکام الوضعیة.
نظیر الجزئیة و الشرطیة و المانعیة، التی لیس لها جعل مستقل و بنفسه من ناحیة الشارع.
فلا مانع من جریان استصحاب الشرط او المانع او الجزء لترتیب الشرطیة او المانعیة او الجزئیة، لأنه لیس بمثبت و ذلک:
لأن مثل الشرطیة و المانعیة و ان لم یتعلق بهما جعل مستقل من ناحیة الشارع و لیسا مجعولتین بنفسهما، الا انهما مما تنالهما ید الجعل من ناحیة الشارع بوضع المنشأ لانتزاعهما، و هو الاحکام التکلیفیة و معه فإنما یکون رفعهما او وصفهما بید الشارع فلیس ترتب الجزئیة علی استصحاب بقاء الجزء مثبتاً، کما فی الشرط و المانع ایضاً.
و ما افاده فی المقام ناظر الی ما افاده الشیخ قدس سره فی موارد من کلامه فی الرسائل من ان الشرطیة و المانعیة و الجزئیة امور منتزعة عن الاحکام التکلیفیة المرتبطة کانتزاع الشرطیة عن الأمر بالصلاة فی حال الشرط، او انتزاع المانعیة عن النهی عن الصلاة فی حال المانع، او انتزاع الجزئیة من الأمر بالمرکب.
و علیه فإنها لیست مجعولة شرعاً، فیکون ترتبها علی المستصحب مثبتاً.
فإنه قدس سره صرح فی هذه الموارد « بعدم کون الجزئیة امراً مجعولاً شرعیاً غیر الحکم التکلیفی، و هو ایجاب المشتمل علی ذلک الجزء»
کما افاده فی بحث الاقل و الاکثر الارتباطین بعد ما اختار القول بالبرائة عن وجوب الجزء المشکوک او وجوب الاکثر فی ذیل رده علی بعض معاصريه.
و کذا افاد فی مقام التنبیه علی امور متعلقة بالجزء أو الشرط فی مسئلة ترک الجزء سهواً:
« ان جزئیة السورة لیست من الاحکام المجعولة لها شرعاً بل هی ککلیة الکل، و انما المجعول الشرعی هو وجوب الکل.»
و عبر صاحب الکفایة عن هذا البیان بالتوهم، و دفعه بأن الاحکام الوصفیة المتزعة عن التکالیف احکاماً شرعیة، لأن جعلها بید الشارع، و لا یکون استصحاب المنشأ لانتزاعه لاثباتها مثبتاً.
و افاد صاحب الکفایة فی حاشیته علی الرسائل.
«... و إن ابیت الا عن عدم کفایة استصحاب الجزء و الشرط لترتیب الجزئیة و الشرطیة، فالأثر الشرعی المترتب بالاستصحاب هو نفس التکلیف المنتزع عنه الشرطیة و المانعیة و عدمه.
لأن للشرط و المانع دخلاً وجوداً و عدماً فیه کذلک ، و لا يعتبر فی باب الاستصحاب ازید من کون الشیء ذا دخل فی موضوع الأثر الذی ارید ترتیبه علیه باستصحابه و ان لم یکن تمامه، بل کان قیده و به قوامه...»
و نظره قدس سره الی: انه لو جری استصحاب الجزء او الشرط او المانع، فلا مانع للالتزام بأن الأثر المترتب علی المستصحب هو التکلیف النفسی الذی انتزعت عنه الجزئیة و الشرطیة و المانعیة.
«و اما ما ذکره فی المورد الثالث:
من ترتب الأمور المجعولة بالتبع علی الاستصحاب کالأمور المجعولة بالاستقلال، فباستصحاب الشرط تترتب الشرطیة و باستصحاب المانع تترتب المانعیة، فالظاهر انه اراد بذلک دفع الاشکال المعروف فی جریان الاستصحاب فی الشرط و المانع.
بیان الاشکال:
ان الشرط بنفسه لیس مجعولاً بالجعل التشریعی، بل لا یکون قابلاً للجعل التشریعی، لکونه من الامور الخارجیة التکوینیة کالاستقبال و التستر للصلاة مثلاً، و لا یکون له اثر شرعی ایضاً، فإن جواز الدخول فی الصلاة مثلاً لیس من الآثار الشرعیة للاستقبال، بل من الاحکام العقلیة، فإن المجعول الشرعی هو الامر المتعلق بالصلاة مقیّدة بالاستقبال، بحيث یکون التقیید داخلاً و القید خارجاً، و بعد تحقق هذا الجعل من الشارع، یحکم العقل بجواز الدخول فی الصلاة مع الاستقبال، و عدم جواز الدخول فیها بدونه، لحصول الامتثال معه و عدمه بدونه، و حصول الامتثال و عدمه من الاحکام العقلیة.
فلیس الشرط بنفسه مجعولاً شرعیاً و لا مما له اثر شرعی، فلا بد من الحکم بعدم جریان الاستصحاب فیه.
و کذا الکلام بعینه المانع.
فأراد صاحب الکفایة دفع هذا الاشکال:
بأن الشرطیة من المجعولات بالتبع، فلا مانع من جریان الاستصحاب فی الشرط لترتب الشرطیة علیه، لأن المجعولات بالتبع کالمجعولات بالاستقلال فی صحة ترتبها علی الاستصحاب.
اقول:
اما ما ذکره من حیث الکبری ـ من صحة جریان الاستصحاب باعتبار الأثر المجعول بالتبع فهو صحیح.
لعدم الدلیل علی اعتبار کون الأثر مجعولاً بالاستقلال.
و اما من حیث الصغری و تطبیق هذه الکلیة علی محل الکلام فغیر تام.
لأن الشرطیة لیست من آثار وجود الشرط فی الخارج کی تترتب علی استصحاب الشرط، بل هی منتزعة فی مرحلة الجعل من امر المولی بشیءٍ مقیداً بشيءٍ آخر، بحیث یکون التقید داخلاً و القید خارجاً.
فشرطیة الاستقبال للصلاة تابعة لکون الأمر بالصلاة مقیداً بالاستقبال، سواء وجد الاستقبال فی الخارج ام لا.
و علیه فلا تترتب الشرطیة علی جریان الاستصحاب فی ذات الشرط، و هذا بخلاف الحرمة و الملکیة و نحوهما من احکام التکلیفیة، و الوصفیة المترتبة علی الموجودات الخارجیة. فإذا کان فی الخارج خمر و شککنا فی انقلابه خلاً، نجری الاستصحاب فی خمریته، فنعلم بحرمته و نجاسته بلا اشکال، و ظهر بما ذکرناه:
انه لا یجری الاستصحاب فی نفس الشرطیة ایضاً، اذا شک فی بقائها لاحتمال النسخ. او لتبدل حالة من حالات المکلف، فإن الشرطیة کما عرفت مترتبة علی الأمر بالمقید، فیجری الاستصحاب فی منشأ الانتزاع، و تنتزع منه الشرطیة، فلا تصل النوبة الی جریان الاستصحاب فی نفس الشرطیّة.
هذا ، اذا قلنا بجریان الاستصحاب عند الشک فی النسخ، و فی الاحکام الکلیة، و الا فلا مجال للاستصحاب عند الشک فی بقاء الشرطیة اصلاً.
فالمتحصل مما ذکرناه:
انه لا یندفع الاشکال المعروف فی جریان الاستصحاب فی الشرط بما ذکره صاحب الکفایة.
و الذی ینبغی ان یقال فی دفعه:
ان الاشکال المذکور انما نشأ مما هو المعروف بینهم من انه یعتبر فی الاستصحاب ان یکون المستصحب بنفسه مجعولاً شرعیاً او موضوعاً لمجعول شرعی، فیتوجه حینئذ الاشکال فی جریان الاستصحاب فی الشرط، لعدم کونه مجعولاً بالجعل التشریعی و لیس له اثر جعلی.
و التحقیق فی الجواب:
انه لا ملزم لاعتبار ذلک، فإنه لم یدل علیه دلیل من آیة او روایة و انما المعتبر فی جریان الاستصحاب کون المستصحب قابلاً للتعبد.
و من الظاهر ان الحکم بوجود الشرط قابل للتعبد، و معنی التعبد به هو الاکتفاء بوجوده التعبدی و حصول الامتثال. فإن لزوم احراز الامتثال و ان کان من الاحکام العقلیة الا انه معلق علی عدم تصرف الشارع بالحکم بحصوله، کما في قاعدتی الفراغ و التجاوز، فإنه لولا حکم الشارع بجواز الاکتفاء و بما اتی به المکلف فیما اذا کان الشک بعد الفراغ؛ او بعد التجاوز، لحکم الفعل بوجوب الاعادة، لإحراز الامتثال من باب وجوب دفع الضرر المحتمل، لكنه بعد تصرف الشارع و حکمه بجواز الاکتفاء بما اتی به ارتفع موضوع حکم الفعل، لکونه مبنیّاً علی دفع الضرر المحتمل ، و لا یکون هناک احتمال ضرر، فکذا الحال فی المقام:
فإن معنی جریان الاستصحاب فی الشرط هو الاکتفاء بوجوده الاحتمالی فی مقام الامتثال بالتعبد الشرعی، فلا محذور فیه اصلاً، و تکون حال الاستصحاب حال قاعدتی الفراغ و التجاوز فی کون کل منهما تصرفاً من الشارع، غایة الأمر ان الاستصحاب لا یختص بمقام الامتثال، فیجری فی ثبوت التکلیف تارة و فی نفیه اخری، و فی مقام الامتثال ثالثة، بخلاف قاعدة الفراغ و التجاوز، فإنها مختصة بمقام الامتثال.» [2]
[1] الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص416 ـ 417.
[2] . مصباح الاصول ،الجزء الثالث ، ص 169-176.