بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شانزدهم
ثانیهما:
ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) رداً علی السید (قدس سره) فی العروة:
و بیانه: إنَّ السَّید ذکر فی العروة: أنه اذا علمنا بنجاسة الإنائین مثلاً، ثم علمنا بطهارة أحدهما فیتصور تلك بصور ثلاث:
الاوّلی: أن تعلم بطهارة أحدهما علماً تفصیلیاً فاشتبه الطَّاهر المعلوم بالتفصیل عن غیره.
الثانیة: أن تعلم بطهارة أحدهما لا بعینه بحیث لا یکون للطهارة یقین و امتیاز بوجه من الوجوه، بل یمکن ان لا یکون له فی الواقع أیضاً یقین، کما اذا کان کلاهما طاهراً فی الواقع.
الثالثة: أن تعلم بطهارة أحدهما بعنوان معین و تشك فی انطباقه، کما اذا علمنا بطهارة اناء زید، و شککنا فی انطباق هذا العنوان علی هذا الإناء أو ذاك.
وحکم السَّید(قدس سره) بنجاسة الانائین فی جمیع هذه الصور الثَّلاث عملاً بالاستصحاب.
و يردَّ علیه المحقِّق النائینی (قدس سره):
و اختار عدم جریان الاستصحاب فی جمیعها، لکن لا بمناط واحد.
بل حکم بعدم جریانه فی الصورة و الاولی و الثالثة، لکون الشبهة مصداقیة فانا نعلم بانتقاض الیقین بالنجاسة بالیقین بالطهارة بالنسبة الی أحد الانائین أمَّا بالیقین التفصیلی ـ كما فی الصورة الأولی ـ و إما بالیقین المتعلق بعنوان معین شککنا فی انطباقه ـ کما فی الصورة الثالثة ـ فلا مجال لجریان الاستصحاب فی شیء من الإنائین؛ لأنَّ کل واحد منهما یحتمل أن یکون هو الاناء الذی انتقض العلم بنجاسته بالعلم بطهارته.
و أمَّا الصورة الثانیة:
فحکمه بعدم جریان الاستصحاب فیها لیس مبنیاً علی احتمال انفصال زمان الشك عن زمان الیقین بیقین آخرـ کما فی الصورة الأُولی و الثالثة ـ فإنَّ الشك فی بقاء النجاسة فی کل منهما متصل بالیقین بالنجاسة و لم یتخلَّل بین زمان الیقین و زمان الشك یقین آخر. و العلم الاجمالی بطهارة أحدهما لا بعینه یکون منشأ للشك فی بقاء النجاسة فی کل منهما بخلاف الصُّورة الأولی.
و الثالثة، فان منشأ الشَّك فی بقاء النَّجاسة فیهما هو اجتماع الإنائین و
اشتباه الطاهر بالنَّجس لا العلم بطهارة أحدهما؛ فإنَّ متعلق العلم کان معلوماً بالتفصیل أو بالعنوان.
هذا ملخص مرام المحقق النائینی (قدس سره) فی المقام.
أقول:
أمَّا ما ذکره فی الصورة الثانیة:
من ان العلم الاجمالی بنفسه مانع عین جریان الاستصحاب و لو لم تلم منه مخالفة قطعية، فهو وان كان خارجا عن محل الكلام فعلاً، لأن الكلام في بيان الشبهة المصداقية المانعة عن جريان الاستصحاب، الّا أنَّ الصحیح ما ذکره صاحب الکفایة:
من أنَّه لا مانع من جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الاجمالی ما لم تلزم منه مخالفة قطعیة، فان مؤدی الاستصحاب هو الحکم بنجاسة کل من الطرفین بخصوصه، و لیس لنا علم بطهارة کل منهما بخصوصه، و المثبت منه لا یکون حجة حتی علی القول بکونه من الامارات ـ کما هو المختار فلا یکون مفاد استصحاب النجاسة فی أحدهما بخصوصه هو الطهارة فی الطرف الآخر. و سنتعرَّض لتفصیل ذلك فی أواخر بحث الاستصحاب إن شاء الله تعالی.
و أمَّا ما ذکره فی الصورة الأولی و الثالثة:
من عدم جریان الاستصحاب لکون الشبهة مصداقیَّة:
ففیه:
إنَّ الشبهة المصداقیة غیر متصوَّرة فی الأُمور الوجدانیة من الیقین و الشك، فإنَّه إن احتملت الطهارة فی کل واحد من الانائین فی المثال المذکور، فهو شك بالوجدان ، و ان لم تحتمل الطهارة فهو یقین کذلك.
و قد مرَّ غیر مرة أنه لا یعتبر فی الاستصحاب کون الیقین سابقاً علی الشك بل المعتبر کون المتیقن سابقاً علی المشکوك فیه. فالمیزان فی الاستصحاب هو الیقین الفعلی بالحدوث و الشك الفعلی فی البقاء، و هما موجودان بالنِّسبة الی کل واحد من الانائین بخصوصه.
و لا یقدح فی الاستصحاب احتمال کون هذا الإناء متعلقاً للیقین بالطهارة سابقاً، فإنَّ الاستصحاب جار بالنسبة الی الیقین الفعلی بحدوث النَّجاسة مع الشك فی بقائها لا باعتبار الیقین السَّابق.
و قد ذکرنا: أنَّ الیقین ـ بکون هذا الإناء متعلقاً للیقین بالطهارة سابقاً لا یقدح فی الاستصحاب مع وجود الیقین الفعلی بالنجاسة و الشَّك فی بقائها عن احتمال کون هذا الإناء متعلَّقاً للیقین السَّابق بالطهارة.
نعم: الیقین السابق بالطهارة کان مانعاً عن استصحاب النَّجاسة حین وجوده.
و بالجملة:
بعد کون المیزان فی الاستصحاب هو الیقین الفعلی بالحدوث و الشك الفعلی فی البقاء لا یضره الیقین السَّابق علماً أو احتمالاً.
نعم: احتمال وجود الیقین الفعلی بالطهارة قادح فی استصحاب النَّجاسة. و لکنَّه غیر متصور، لکون الیقین من الأُمور الوجدانیة، فلا یتصور فیه الاحتمال ـ کما تقدم ـ.
هذا کله: فیما اذا کان أحد الإنائین متعلقاً للیقین التفصیلی بالطهارة، ثم اشتبه من المتنجِّس.
و منه یظهر الکلام:
فیما اذا کان الیقین متعلقاً بعنوان شك فی انطباقه، فإنَّ عدم قدح احتمال انطباق عنوان تعلَّق به الیقین فی جریان استصحاب النجاسة أوضح من عدم قدح احتمال الیقین التفصیلی بطهارة أحدهما بعد کون المیزان فی الاستصحاب هو الیقین الفعلی، لا الیقین السَّابق.
و قد ذکرنا سابقاً نقضاً فی المقام:
و هو أنَّه اذا رأینا جنازة عالم تحتمل انطباق هذا العنوان أی العالم علی المقلَّد، فهل یکون هذا الاحتمال مانعاً عن استصحاب حیاة المقلَّد و لا أظن أن یلتزم به أحد.
ومن متفرعات هذا الكلام: مسألة دوران الأمر بين كون الدم من المسفوح أو من المتخلف، بناءً على كون الدم مطلقاً نجساً ولو في الباطن كما هو المعروف، ولذا يعدّون خروج الدم المتعارف من المطهّرات لكونه مطهّراً للدم المتخلف، فاذا رأينا دماً في ثوبنا مثلاً، وشككنا في كونه من المسفوح أو من المتخلف، فربما يقال بجريان استصحاب النجاسة، لأنّ الدم كله نجس ولنا يقين بطهارة الدم المتخلف، ونشك في انطباقه على هذا الدم، فيجري استصحاب النجاسة.
ولا يقدح فيه احتمال انطباق العنوان الذي كان متعلقاً لليقين بالطهارة.
وقد يقال بجريان الاستصحاب الموضوعي، وهو أصالة عدم خروج هذا الدم من الذبيحة، فيحكم بطهارته.
و قد منع المحقق النائینی(ره) جریان کلا الاستصحابین لاحتمال انطباق عنوان المسفوح فيكون مانعاً عن جريان الاستصحاب الموضوعي، ولاحتمال انطباق عنوان المتخلف فيكون مانعاً عن جريان الاستصحاب الحكمي، أي استصحاب النجاسة.»[1]
[1] . مصباح الاصول ص 176-192.