بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفدهم
قال صاحب العروة:
« مسألة 110: من استقر عليه الحج وتمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعا أو بإجارة.
وكذا ليس له أن يحج تطوعا.
ولو خالف فالمشهور البطلان. بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه وبعضهم الإجماع عليه.
ولكن عن سيد المدارك التردد في البطلان.
ومقتضى القاعدة الصحة وإن كان عاصيا في ترك ما وجب عليه، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد.
إذ لا وجه للبطلان إلا دعوى: أن الأمر بالشئ نهي عن ضده وهي محل منع.
وعلى تقديره لا يقتضي البطلان ، لأنه نهي تبعي.
ودعوى:
أنه يكفي في عدم الصحة عدم الأمر
مدفوعة:
بكفاية المحبوبية في حد نفسه في الصحة ، كما في مسألة ترك الأهم والإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين.
أو دعوى:
أن الزمان مختص بحجته عن نفسه ، فلا يقبل لغيره ، وهي أيضا مدفوعة بالمنع:
إذ مجرد الفورية لا يوجب الاختصاص ، فليس المقام من قبيل
شهر رمضان حيث إنه غير قابل لصوم آخر.
وربما يتمسك للبطلان في المقام:
بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه ، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله ، وهي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال، وإن لم يكن له مال.
وقريب منه:
صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) وهما كما ترى بالدلالة على الصحة أولى ، فإن غاية ما يدلان عليه:
أنه لا يجوز له ترك حج نفسه وإتيانه عن غيره ، وأما عدم الصحة فلا.
نعم: يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه ، فتردد صاحب المدارك
في محله ، بل لا يبعد الفتوى بالصحة لكن لا يترك الاحتياط ، هذا كله لو تمكن من حج نفسه ، وأما إذا لم يتمكن فلا إشكال في الجواز والصحة عن غيره ، بل لا ينبغي الإشكال في الصحة إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه، لعدم علمه باستطاعته مالا ، أولا يعلم بفورية وجوب الحج عن نفسه فحج عن غيره أو تطوعا على فرض صحة الحج عن الغير ولو مع التمكن والعلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضا صحيحة أو باطلة، مع كون حجه صحيحا عن الغير ...؟»[1].
قال السید الحکیم فی ذیل قول الماتن: «بل ادعی بعضهم عدم الخلاف فیه»:
« في الجواهر ادعى عدم وجدان الخلاف في الأول - و هو الحج عن غيره بإجارة أو تبرعاً - و حكى الخلاف فيه في التطوع. قال في الخلاف: «و أما الدليل على أنه إذا نوى التطوع وقع عنه لا عن حجة الإسلام: قوله (ع): «الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى..». و هذا نوى التطوع، فوجب أن يقع عما نوى عنه»[2].
وأفاد فی بيان نقل صاحب المدارک بعد بيان أن دعوی الاجماع إنَّما هو من النراقی فی المستند: « قال فيها: «و لا يخفى أن الحكم بفساد التطوع إنما يتم إذا ثبت تعلق النهي به نطقاً أو التزاماً. و القول بوقوع التطوع عن حج الإسلام للشيخ في المبسوط. و هو مشكل، لأن ما فعله قد قصد به خلاف حج الإسلام، فكيف ينصرف اليه؟! و نقل عنه في الخلاف: أنه حكم بصحة التطوع، و بقاء حج الإسلام في ذمته. و هو جيد إن لم يثبت تعلق النهي به المقتضي للفساد..»[3].
و أمَّا ما أفاده صاحب العروة بعد بيان الأقوال فی المسألة: «ومقضی القاعدة: الصحة [أی صحة ما أتی به من الحج تطوعاً أو استئجاراً] وإن كان عاصياً في ترك ما وجب عليه، وإن کان عاصياً فی ترک ما وجب عليه».
وأفاد فی مقام التنظير بأنَّه مثل مسألة الصلاة مع فورية وجوب ازالة النَّجاسة عن المسجد حيث إنه إذا صلی و لم یزل النجاسة فالتزموا لصحة صلاته و عصيانه لترک الإزالة و لا وجه لبطلان الصلاة هناک الَّا دعوی أن الأمر بالشيء نهی عن ضده، واعتمد عليه الفاضل الهندی فی کشف اللثام.
ورده صاحب العروة: بأنَّه لو کان الأمر بالشی نهياً عن ضده، فإنَّ النَّهی فی المقام لا يقتضی البطلان؛ لأنه نهی تبعی.
قال السيد الحکيم فی ذيل هذا البيان:
« كأن المراد بالتبعي في المقام الغيري. لكن التحقيق: أن النهي الغيري موجب للثواب و العقاب كالنهي النفسي، و إنما يختلفان في أن النهي النفسي يقتضيهما من حيث هو، و النهي الغيري يقتضيهما من حيث كونه من رشحات النهي النفسي و شراشره. ففعل مقدمة الواجب انقياد و تركها تجرؤ، و فعل مقدمة الحرام تجرؤ، تركها انقياد. فالسفر لقتل المؤمن معصية، و السفر للحج طاعة، و الأول موجب لاستحقاق العقاب، و الثاني موجب لاستحقاق الثواب. و إذا كان موجباً لاستحقاق العقاب كان مبعداً، فيمتنع أن يكون مقرباً، فلا يصح إذا كان عبادة.»[4]
و یمکن أنْ یقال:
أنَّ نظر صاحب العروة الی النَّهی التبعي دون الغيري.
و ذلک؛ لأنَّ إزالة النجاسة عن المسجد متعلَّق للأمر و کل أمر کان الاتيان به واجباً، و أمَّا ترکه فليس متعلقاً للنهی بعنوانه و الا يلزم أن يکون فی کل أمر حکمان أمر بالفعل و نهی عن ترکه، بل النَّهی هنا نهی عن الترک بتبع الأمر فإنَّه کان الإتيان متعلق الأمر واجباً؛ لأنَّه ذو مصلحة، و أمَّا ترکه فليس نهياً بعنوان أنَّه ذو مفسدة، بل نهی من جهة أنَّه ترک المصلحة، فیکون الترک من حیث أنه ترک المصلحة منهياً بتبع الأمر. و النَّهی التبعی أنَّه بما لا يقتضي المفسدة مستقلاً فلا يوجب البطلان فی المقام.
ضرورة أنَّ ترک الإزالة إنَّما يهيأ الظرف الزمانی اللازم للصلاة والصلَّاة الواجبة إنَّما تکون واقعة فی هذا الحيِّز الزَّمانی.
فيکون الترک المذکورة مقدمة لفعل الصلاة الا أنَّه ليس مقدمة موصولة؛ لأنَّه يمکن أنَّ يتحقَّق ترک الإزالة و لا يتحقق معه فعل الصلاة فلا تتعلق به الحرمة الغيرية من حیث المقدمیة؛ لأنَّ المقدمة المتصفة بالحرمة هی المقدمة الموصلة دون غيرها.
و بما أنَّ المقدمة فی المقام ليست موصلة فلا تتصف بالحرمة و معه لا موجب لا قتضائها البطلان.
نعم. يتحقق فی المقام العصيان لترک الأمر بالإزالة، و هذا لا شبهة فيه وأما الصَّلاة الواقعة فی ظرف هذا الترک لا وجه لإتصافها بالبطلان.
فما افاده صاحب العروة (قدس سره) له وجه قوی. و ما أفاده السيد الحکيم (قدس سره) من أنَّ مراده من النهی التبعی هو النهی الغيری و الاشکال فيه بأنَّه يوجب البطلان کالنهی التبعي لا وجه له أساساً.
[1] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص485.
[2] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص 280.
[3] السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص 280.
[4] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص281.