بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نوزدهم
مضافاً إلى ذلك كله:
أن المتصف بالوجوب إنما هو المقدمة الموصلة لا كل مقدمة فالواجب هو ترك الضد الموصل إلى الواجب.
و أمّا ما ذكره البهائي (رحمه اللّٰه) فقد أجاب عنه غير واحد بكفاية المحبوبية في حد نفسه في الحكم بالصحّة و إن لم يؤمر به بالفعل لمانع من الموانع،
و ما ذكروه من حيث الكبرى تام و لكن إثبات الصغرى ممنوع:
إذ لا يمكن إحراز المحبوبية إلّا عن طريق الأمر و لا كاشف عن الملاك إلّا الأمر فإن لم يكن أمر في البين كما هو المفروض لا يمكن إثبات المحبوبية، فكلام البهائي في نفسه صحيح و حاصله:
أنه لو لم يكن في البين أمر لا يمكن الحكم بالصحّة.
و الصحيح في الجواب عنه:
أنّ الأمر موجود، لأنّ الأمر بالضدّين إنما يمتنع جمعاً و عرضاً و أما الأمر الترتبي الطولي فلا مانع منه أصلاً،
لأنّ اعتبار القدرة في التكاليف إنما هو بحكم العقل و يسقط التكليف عند عدم التمكن و عدم القدرة، و التقييد بالقدرة عقلاً إنما هو بمقدار الضرورة، و غير المقدور إنما هو الجمع بين الضدّين و الأمر بهما عرضاً، و أما الأمر الطولي في فرض عصيان الأمر الآخر فلا مانع عنه فيأتي به بداعي الأمر المتوجه إليه،
و لا موجب للتقييد، بل لا مانع من الأخذ بإطلاق هذا الأمر، و هذا هو الترتب الذي قلنا بأنه من أوضح الممكنات،
و لذا ذكرنا أن الترتّب لا يحتاج إلى دليل بخصوصه بل نفس إطلاق الأمر بالمهم يكفي، و ذكرنا أن إمكانه مساوق لوقوعه، و ينطبق ذلك على المقام تماماً،
ففي فرض عصيان الأمر بإتيان حجّ نفسه يأتي بالحج النيابي بداعي الأمر المتوجه و لا مانع من فعليته في فرض عصيان الأمر بضدّه الأهم.
و لكن شيخنا الأُستاذ (قدس سره):
ذكر أن الترتب لا يجري في الحجّ لأن الترتب إنما يجري في الواجبين المقيّدين بالقدرة العقلية، و أما إذا كان أحد الواجبين مقيدا بالقدرة الشرعية فلا يجري فيه الترتب، لأنه في فرض العصيان لا يبقى موضوع للواجب المقيد بالقدرة الشرعية و لا أمر له أصلاً كما هو الحال في الوضوء فإنه مقيد بالقدرة الشرعية بالتمكّن من استعمال الماء شرعاً، فلو وجب صرف الماء في واجب آخر أهم و عصاه و توضأ به لا يحكم بصحة وضوئه بالأمر الترتبي، لأنه في فرض العصيان لا موضوع لوجوب الوضوء أصلاً و العصيان لا يحقق موضوع الوضوء.
و هكذا الحجّ فإن المأخوذ فيه القدرة الشرعية بمعنى أنه أُخذ في موضوعه عدم عصيان واجب آخر أهم فإذا عصى لا يتحقق موضوع الحجّ أصلاً .
و فيه:
أوّلاً: أن القدرة الشرعية غير مأخوذة في الحجّ و إنما المأخوذ فيه أُمور خاصة مذكورة في النصوص من الزاد و الراحلة و خلو السرب و صحّة البدن، و لذا ذكرنا:
أنه لو زاحم الحجّ واجباً أهم و تركه و أتى بالحج كان الحجّ صحيحاً، و لا فرق بين الحجّ و سائر الواجبات المقيدة بالقدرة العقلية.
و ثانياً:
لو سلمنا أخذ القدرة الشرعية في الحجّ فإنما هي مأخوذة في حجّ الإسلام لا في سائر أقسام الحجّ من التطوعي و النيابي و النذري، فلا مانع من جريان الأمر الترتبي في الحجّ التطوعي أو النيابي و الحكم بصحته.
الوجه الثاني: أن هذا الزمان مختص بحج نفسه و غير قابل لغير حجّ الإسلام نظير شهر رمضان الذي يختص بصوم نفس شهر رمضان و غير قابل لصوم آخر حتى صوم النذر في السفر.و الحاصل:
زمان الاستطاعة يختص بحج الإسلام و غير قابل لوقوع حجّ آخر فيه.
و فيه:
أن ذلك مجرد دعوى لا شاهد عليها غاية الأمر أن الحجّ فوري و ليس له التأخير، و مجرّد ذلك لا يقتضي عدم قابلية زمان الاستطاعة لحجّ آخر.» [1]
و هذا الوجه ـ أي الوجه الثانی فی کلام السید الخوئی هو ما افاده صاحب العروة بعنوان :« أو دعوی...» و قال:
« أو دعوى أن الزمان مختص بحجته عن نفسه فلا يقبل لغيره، و هي أيضاً مدفوعة بالمنع»
و افاد السید الحکیم ذیل هذا البیان:
« هذه الدعوى لم أقف على من ادعاها، و لكن ذكرها في الجواهر وجهاً للمشهور، و أنكرها بقوله: «فان التحقيق عدم اقتضاء الفورية أصل التوقيت، فضلا عن التوقيت على هذا الوجه».
هذا ثم أفاد صاحب العروة:
«... و ربما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (ع): «عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال (ع): نعم،إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه. فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله، و هي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال»[2]
و قريب منه: صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّٰه (ع) .
و هما - كما ترى - بالدلالة على الصحة أولى
فإن غاية ما يدلان عليه: أنه لا يجوز له ترك حج نفسه و إتيانه عن غيره، و أما عدم الصحة فلا.
نعم يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه،
[1] . مستند العروة الحج، ج1، ص 243 ـ 246.
[2] . الوسائل، ج11، ص172، الباب 5 من ابواب النیابة فی الحج الحدیث 1.