بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیستم
فتردد صاحب المدارك في محله. بل لا يبعد الفتوى بالصحة، لكن لا يترك الاحتياط. هذا كله لو تمكن من حج نفسه»[1]
و أفاد السید الحکیم فی ذیل ما افاده:« و هما کما تری بالدلالة علی الصحة أولی»
«لأن الظاهر من قوله (ع) في الصحيح الأول: «فليس يجزي عنه»
أنه لو حج عن الميت لم يجز عن نفسه، لا أنه لا يجزي عن الميت. فالضمير في: «عنه» راجع إلى الرجل لا إلى الميت، و لا سيما بقرينة ذكر الميت ظاهراً بعد ذلك.
و حينئذ فظهور قوله (ع): «و هي تجزي عن الميت» في أن حجته عن الميت تجزي عن الميت محكم.
مع أنه لو حمل ضمير: «عنه» على الميت كان منافياً لقوله (ع): «و هي تجزي عن الميت».
إلا أن يحمل الثاني على صورة ما إذا حج عن الميت بعد أن حج من ماله، فيكون المراد أنه ليس يجزي عن الميت حتى يحج من ماله، فاذا حج من ماله ثمَّ حج عن الميت تجزي عن الميت، سواء أ كان له حينئذ مال أم لم يكن.
لكن هذا المعنى بعيد عن العبارة المذكورة.
و بالجملة:
هيئة التركيب تقتضي أن تكون الضمائر في قوله (ع): «عن نفسه» - في الموضعين - و قوله: «له» ، و قوله (ع): «يجزي عنه» ، و قوله: «من ماله» كلها راجعة إلى مرجع واحد، و هو الصرورة.
و التفكيك - بإرجاع بعضها إلى الصرورة و بعضها إلى الميت - بعيد عن السياق.
كما أن هيئة التركيب أيضاً تقتضي أن يكون الضمير في قوله (ع): «و هي» راجعاً الى حجة الصرورة عن الميت المذكور في السؤال.
هذا ما يرجع الى صحيح سعد .
و أما صحيح سعيد:
فالظاهر من قوله (ع) فيه: «فليس له ذلك» : أنه ليس له أن يحج عن غيره تكليفاً، لا أنه باطل، بقرينة: «و هو يجزي عن الميت..» .
و حمله على الوضع : يعني: أنه لا يصح الحج عن الميت حتى يحج من ماله، و بعد ذلك إذا حج عن الميت يجزي عن الميت، سواء أ كان له مال أم لم يكن - بعيد جداً.
بل هو أبعد من حمل الصحيح السابق على هذا المعنى.
فالاستدلال به على المشهور أولى بالإشكال من الاستدلال بالصحيح السابق. و من العجيب ما ذكره في الجواهر في رد المدارك - في حمل: «و هو يجزي» على إرادة بيان إجزاء حج الصرورة عن غيره مطلقاً - بقوله: «و فيه: أنه خلاف ظاهر قوله (ع): «لا يجزي عنه» ، و خلاف قاعدة اقتضاء النهي الفساد. بل هو عند التأمل تفكيك في الخبر يقطع بعدم إرادته..».
و ربما يستدل للمشهور:
بأن اللام في قوله تعالى: ( وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ..» . لما كانت ظاهرة في الملك، كانت الآية دالة على كون الحج مملوكا للّٰه تعالى، و حينئذ لا يجوز التصرف فيه بنحو لا يكون مأذوناً فيه من قبل اللّٰه تعالى، فاذا حج عن غيره أو عن نفسه تطوعاً كان تصرفاً فيه بغير إذنه تعالى، فيكون باطلا.
فان قلت:
إذا كانت الآية الشريفة دالة على الملكية لم تدل على الوجوب، و حينئذ لا يكون واجباً، فلا وجه للإتيان به بقصد الوجوب. قلت:
يمكن استفادة وجوبه من دليل آخر غير الآية، مثل: ما دل على أنه إحدى دعائم الإسلام الخمس فيتعين الإتيان به بقصد الوجوب.
فان قلت:
يلزم حينئذ الإتيان بقصد أداء المملوك، كما في وفاء الدين.
قلت:
إنما يلزم الإتيان بقصد وفاء الدين - في صدق أداء الدين - من جهة أن أداء المملوك يمكن أن يكون على وجه آخر، و هذا المعنى لا يتأتى في الحج. لأن حج الإسلام لا يكون إلا مملوكاً، فقصد حج الإسلام كاف في كونه أداء للمملوك.
نعم:
يمكن الخدش في هذا الاستدلال:
بأنه إنما يترتب عليه حرمة التصرف بالإتيان به على غير الوجه الخاص لو كان الملك للمنفعة الخاصة كما في الأجير الخاص. أما لو كان المملوك ما في الذمة - كما لو استأجره على عمل في ذمته - لم يكن مانع من الفعل لغير المستأجر، لأن الفعل الخارجي لا ينطبق عليه ما في الذمة إلا بالقصد، فاذا لم يقصده لم ينطبق ما في الذمة عليه و لا يتحد معه كي يحرم التصرف فيه.
نظير: ما لو استأجره على صوم يوم بعينه عن زيد فصام ذلك اليوم عن عمرو، لم يكن مانع من صحة الصوم.
و كذا لو نذر أن يصوم يوماً معيناً، فان النذر و إن كان يستوجب كون المنذور مملوكاً للّٰه تعالى لكن لما كان المملوك في الذمة لا في الخارج لم يكن مانع من صحة صوم ذلك اليوم إذا جاء به على غير وجه النذر.
و أما ما ورد في صحيح الحلبي و غيره:
الواردين فيمن عجز عن الحج و هو مستطيع، المتضمنين الأمر باستنابة الصرورة الذي لا مال له، الدالين على عدم جواز استنابة الصرورة إذا كان له ماله - و هو محل الكلام فقد عرفت سابقاً عدم العمل بهما، و یتعین طرحمها او حملهما علی الاستحباب فراجع المسألة الثانیة و السبیعین».[2]
[1] . العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج12، ص477.
[2] . مستمسك العروة الوثقى، ج ۱۰ ص 283-286.