بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و دوم
و یورد علیه:
إنَّ عدم الموت فی زمان الاسلام أمّا أن یوخذ بنحو العام المجموعي، بمعنى ان الاسلام قيد لعدم الموت ، فالأثر يترتب على أمر عدمي متصف بوصف وجودي ، بحيث يكون هناك شك واحد واحراز واحد . واما ان يؤخذ بنحو التركيب وكون كل منهما جزء الموضوع للأثر ، فيكون هناك شكان أحدهما متعلق بعدم الموت والاخر بالاسلام .
فعلى الأول :
وإن صحَّ ما ذكره من تعلق الشك بعدم الموت في زمان الاسلام في الآن الثاني . لكنه.
أولاً: خلاف المفروض كما عرفته .
وثانياً : لا يصح استصحابه لكونه غير مسبوق باليقين سابق بعدم الموت المتصف بكونه في زمان الاسلام .
وعلى الثاني :
فعدم الموت في ألآن الثاني وان كان مشكوكاً ، ولكن أثره انما يترتب مع احراز زمان الاسلام في الآن الثاني كي يستصحب كما عرفت، وهو غير محرز فلا يجدي الشك في عدم الموت في صحة اجراء الاستصحاب.
وقد تبين من هذا كله:
عدم ورود أي اشكال على عبارة الكفاية بناء على ما ذكرناه من التفسير. ومعه يتم المحذور الأول في جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ.
حاصله : كون زمان الشك عنوانا اجماليا هو زمان الاسلام - وليس هو
مطلق الزمان - ، ويمكن انطباقه على كلا الأنين فلا يحرز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، فتكون الشبهة مصداقية »[1]
ثم إنَّه (قدس سره) تعرض ببیان سائر وجوه المنع عن جریان الاستصحاب فی القسم الرابع و أفاد:
« الوجه الثاني: من وجوه المنع من جريان الاستصحاب في القسم الرابع ان زمان الشك بعدم الموت زمان خاص وهو زمان الاسلام ، وهو محتمل الحدوث في الآن الثالث ، والموت معلوم الوجود في هذا الآن.
فإذا أردنا استصحاب عدم الموت إلى زمان الاسلام احتمل انطباق المتيقن على المشكوك ، لاحتمال كون زمان الاسلام هو الآن الثالث ، والموت معلوم الوجود فيه ، فيلزم التعبد بالعدم فيزمان العلم بالوجود ، وهو غير معقول» [2].
. ولكنه أجنبي عنه كما لا يخفى .
وكيف كان ، فهذا المحذور صوري ، لان المانع من احتمال كون التعبد في زمان اليقين لا يخلو:
اما أن يكون لأجل ارتفاع موضوع التعبد وهو الشك .
أو لأجل المناقضة بين التعبد المذكور واليقين التفصيلي الموجود . أو لأجل شمول ذيل الرواية للمورد ، وهو : «ولكن تنقضه بيقين آخر».
والأول ممنوع:
لوجود الشك ضرورة ، وذلك لان الزمان الملحوظ في الاستصحاب ...
هو زمان خاص وهو زمان الاسلام ، والعدم بلحاظه ليس متيقن الارتفاع .
نعم: بلحاظ أصل الزمان متيقن الارتفاع في الآن الثالث . ومجرد احتمال انطباق زمان الاسلام على الآن الثالث لا يمنع من تحقق الشك في العدم بالإضافة إلى زمان الاسلام .
والثاني: انما يتم لو كان لليقين التفصيلي أثر شرعي يتنافى مع الأثر المترتب على التعبد.
كما لو كان أثر اليقين بالموت وجوب الصدقة واثر التعبد بعدمه حرمة الصدقة ، فمع التعبد بعدم الموت إلى زمان الاسلام مع احتمال كونه في زمان اليقين بالموت يحتمل اجتماع الضدين من وجوب الصدقة وحرمتها . وليس الامر كذلك لان اليقين بالموت في زمان الاسلام لو كان هو الآن الثالث لا أثر له شرعا.
هذا مع:
أنه لو فرض ترتب الأثر ، فهو بوجوده الواقعي لا يمنع من الحكم الظاهري على خلافه ، كما هو الحال في جميع موارد الأحكام الظاهرية ، لأنَّ الأثر الواقعی علی تقدیره غیر فعلی، فلاحظ.
والثالث: سيأتي الكلام فيه في المحذور الآتي.
وبالجملة :
ما نحن فيه نظير ما لو علم بعدم وجوب اكرام زيد الفاسق وكان هناك شخص مشكوك في أنه زيد الفاسق أو لا ، فان التعبد بأنه ليس بزيد الفاسق ويجب اكرامه لا يتنافى مع احتمال انطباقه على من يعلم عدم وجوب اكرامه .
الوجه الثالث:
ما ذكر بعنوان التفسير لعبارة الكفاية:
وبيانه : ان أحد الحادثين - وهو الموت مثلا - لما كان ملحوظا بالإضافة إلى الحادث الاخر ، وكان هناك علم اجمالي بحصول الموت اما في الآن الثاني أو في الآن الثالث . وعلم اجمالي آخر بحصول الحادث الاخر في أحد الأنين ، احتمل أن يكون الحادث الاخر - وهو الاسلام مثلا - قد حصل في الآن الثالث ، فيكون الموت قد حصل في الآن الثاني ، وهو مورد العلم الاجمالي .
وعليه ، فيحتمل أن يكون نقض اليقين السابق بعدم الموت ، قد انفصل بزمان اليقين الاجمالي وهو الآن الثاني ، فزمان الشك وهو زمان الاسلام لا يحرز اتصاله بزمان اليقين وهو الآن الأول ، بل يحتمل أن يكون قد انفصل باليقين الاجمالي الناقض ، لاحتمال ان زمان الاسلام هو الآن الثالث ، فيكون الآن الثاني هو زمان اليقين الاجمالي بالارتفاع .
وبالجملة :
المورد من موارد احتمال انطباق ذيل الرواية ، فلا يصح الرجوع إلى العموم لكون الشبهة مصداقية لا يصح التمسك بعموم دليل الاستصحاب[3].
وهذا الوجه يقطع بعدم ارادته من العبارة من جهتين :
الأولى : انه يبتني على القول بعدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الاجمالي .
وصاحب الكفاية(قدس سره) لا يقول بذلك ، بل يقول بشموله لأطرافه كما ستعرف
الجهة الثانية :
انه يقتضي أن يكون المورد من مصاديق ذلك الحكم أعني : عدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الاجمالي ، فلا وجه لجعل المحذور في جريان الاستصحاب في المورد شيئا آخر برأسه - غير ذلك - ، وهو : عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين - كما هو صريح العبارة .
ثم إنَّ المحقق العراقي ( رحمه الله ) بعد ما ذكر كلام الآخوند بهذا التفسير وأسهب في توضيحه ، أورد عليه :
بأنه انما يتم بناء على سراية العلم الاجمالي إلى الخارج ، مع أن الامر ليس كذلك ، فان العلم الاجمالي انما يتعلق بالصورة الذهنية للشئ - ويعبر عنها بالمعلوم بالذات - . اما الصورة الخارجية فهي معلومة بالعرض ولا يسري العلم إليها ، فهي في نفسها مشكوكة .
ولا يظهر لهذا الايراد وجه وجيه أصلاً.
فان الصورة الذهنية التي تعلق بها العلم تطابق الصورة الخارجية - ولأجل ذلك كانت الصورة الخارجية معلومة بالعرض. والمحذور المتأتي بناء على سراية العلم الاجمالي إلى الصورة الخارجية - وهو احتمال كون نقض اليقين باليقين لا بالشك - متأت من جهة المطابقة بين الصورتين ، فالمحذور تام على كلا الوجهين والبنائين .
نعم: لو قلنا بعدم مطابقة الصورة الذهنية للصورة الخارجية ، وانه لا علاقة له بالصورة الخارجية لم يتأت المحذور . ولكنه لا قائل به ، لاستلزامه ارتفاع منجزية العلم الاجمالي بالمرة وعدم أثر له خارجي أصلاً .
وبعبارة أخرى :
ان ما أفاده من عدم السراية متأت حتى بالنسبة إلى العلم التفصيلي ، مع أن الالتزام بناقضيته ليست محل اشكال .
ويتحصل مما ذكرنا :
ان ما ذكر في تفسير عبارة الكفاية غير تام لا في نفسه ولا بعنوان توجيه كلام الكفاية .
إذا عرفت هذا كله .
فالحق في المقام عدم جريان الاستصحاب - كما ذهب إليه المحقق الخراساني ( قدس سره ) - لمحاذير ثلاثة :
المحذور الأول :
ما ذكره المحقق الخراساني في الكفاية بالتوجيه الذي ذكرناه .
المحذور الثاني :
إنَّ الأثر انما يترتب على عدم الحادث في زمان وجود الحادث الآخر ، فموضوع الأثر مركب من عدم الحادث ووجود الحادث الاخر . والتعبد بأحد الجزئين لا يصح إلا في ظرف إحراز الجزء الآخر ، لا بمعنى ان التعبد لا بد وأن يكون في ظرف إحراز الاخر ، بل بمعنى ان المتعبد به هو الجزء في ظرف يحرز فيه الاخر .
وبعبارة أخرى : ان ظرف المتعبد به لا بد أن يكون زمان إحراز الاخر ، وان كان التعبد قبل الاحراز فالأثر انما يترتب فيما إذا أحرز عدم الحادث في ظرف يحرز فيه الحادث الاخر .
ولما لم يكن الشك في بقاء عدم الحادث بهذه الإضافة - أعني : إلى زمان الاخر على كل تقدير وبقول مطلق - لأنه على تقدير انطباق زمان الحادث الاخر على الآن الثالث لا يشك في بقاء العدم على هذا التقدير للعلم بانتفائه وانتقاضه .
نعم:
الشك في بقاء عدم الحادث حاصل مع تقدير فرض انطباقه على الآن الثاني ، للشك في هذا الآن دون الآن الثالث . فالشك في بقاء عدم الموت إلى زمان الاسلام ليس على كل تقدير ، بل على خصوص تقدير كون زمان الاسلام هو الآن الثاني . - امتنع جريان الاستصحاب في المورد ، لان التعبد بعدم الحادث إلى زمان الحادث الاخر في الآن الثاني ، لا يجدي في ترتب الأثر لعدم احراز الحادث الاخر في هذا الظرف - لتردده بين الأنين - ، والتعبد به في جميع الأزمنة التي يحتمل وجود الحادث الاخر فيها بحيث يحرز تصادف العدم مع الحادث الاخر غير ممكن ، لانطباق الاستصحاب على الآن الثالث ، وقد عرفت عدم الشك فيه[4].
[1] منتقى الأصول، ج ٦، تقرير بحث السيد محمد الروحاني لعبد الصاحب الحكيم، ص ٢٥٣
[2]. البروجردي الشيخ محمد تقي . نهاية الأفكار 4 / 210 القسم الأول - طبعة مؤسسة النشر الاسلامي .
[3] . نهایة الأفكار ، ج 4، ص 210.
[4] منتقى الأصول، ج ٦، تقرير بحث السيد محمد الروحاني لعبد الصاحب الحكيم، ص ٢٦١.