بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و دوم
و افاد السید الخوئی قدس سره فی ذیل ما افاده صاحب العروة من الاستدلال بالخبرین فی المقام:
الثالث: - من الوجوه التی استدلوا بها لفساد الحج – الاخبار.
كصحيح سعد بن أبي خلف:
«عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال: نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله و هي تجزئ عن الميت، إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال».
و صحيح سعيد الأعرج:
«عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال: نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به فإن كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله، و هو يجزئ عن الميت، كان له مال أو لم يكن له مال» (2).
و محل الاستشهاد في الصحيح الأوّل:
قوله: «فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه» بدعوى إرجاع الضمير في قوله «فليس يجزئ عنه» إلى الميت المنوب عنه.
و المستفاد من ذلك:
أن من كان له مال و لم يحج يجب الحجّ عن نفسه، و ليس له أن يحج عن غيره و لا يجزئ عن غيره إن حجّ عنه.
و فيه:
أن الظاهر من الصحيحة صحّة الحجّ الذي حجّ به عن الغير، و إنما المستفاد منها مجرّد الحكم التكليفي و عدم جواز الحجّ عن الغير لأنه يوجب تفويت الحجّ عن نفسه.
و لا دلالة فيها على فساد ما حجّ به عن الغير كما هو المدعى.
فإن الضمائر في قوله (عليه السلام) «عنه» و «له» و «ماله» كلها راجعة إلى شخص واحد و هو النائب.
و مقتضى ذلك كله:
أن ما حجّ به عن الغير لا يجزئ عن النائب و لا يقع عن نفسه، لا أنه لا يقع عن المنوب عنه.
بل مقتضى ذيل الصحيحة:
صحّة العمل الذي أتى به عن الميت و أنه يقع عنه و تبرأ ذمته و إنما النائب لا تبرأ ذمته عن الحجّ الواجب على نفسه، فالصحيحة على خلاف المطلوب أدل.
و أوضح من ذلك:
الصحيحة الثانية فإنها واضحة في الحكم التكليفي و أنه لا يجوز للمستطيع أن يحج عن الغير و أما فساد الحجّ فلا يستفاد منها.
و بالجملة:
المستفاد من الصحيحين أن ما حجّ به عن الغير لا يجزئ عن نفسه و أما بالنسبة إلى الميت فيجزئ عنه، و لا دلالة فيهما على فساد الحجّ بالمرة أصلاً.»[1]
و یمکن أن یقال:
إنَّه اذا استقر علیه الحج و لم یأت به و أتی بحج غیره استئجاراً أو تبرعاً، فإن عمدة ما أُستدل به لبطلان ما أتی به من حج الغیر وجوه:
الاوّل:
أنَّه مکلف باتیان حجة الاسلام و مأمور به و بما أنَّ الأمر بالشیء يقتضی النهی عن ضده، فألإتیان بحج الغیر منهی عنه لتعلق النَّهی به الموجب لفساده و بطلانه، أفاده الفاضل الهندي فی کشف اللثام و نقله فی العروة :
و زاد علیه شیخنا البهائی (قدس سره) بأنَّه لا نحتاج فی بطلان الاتیان لحج الغیر فی المقام الی النهی الناشی عن اقتضاء، الامر بالضد، بل یکفی فی الفساد عدم الأمر، و الأمر منتف فی المقام لأنَّه اذا کان أحد الضدین مأموراً به فإنَّ الضد الآخر لایمکن أن یکون متعلقاً للأمر لإمتناع الأمر بالضدین معاً. و حیث إنَّ الأمر فی المقام إنَّما تعلق بحجة الاسلام عن نفسه فلا يتعلق أمر بضده بلا فرق فی ذلك بین أنْ یکون متعلقه الحج، النوعي أو الاستئجاري و النیابی و قد نظر صاحب العروة فی المتن.
و ینظر علیه:
أن بحث کون الأمر بالشی مقتضیاً للنهی عن ضده علی ما حقق فی الأُصول إنَّما تبتني دعواه علی مقدمتین کما افاده السید الخوئی (قدس سره).
الأولی: مقدمية ترك أحد الضدین لوجود الضد الآخر.
و هی ممنوعة:
و ذلك: لأنَّ الإقتضاء مشعر بالعلیَّة، و معنی کون ترك الضد مقتضیاً لوجود الضد الآخر کأن معناه علیّة ترکه لوجوده و لو من جهة المقدمیة، و هذا یبتنی علی اختلاف الرتبة بین الضدین و هو منتفٍ، لأنَّ الضدین فی رتبة واحدة، و کذا کل ضدّ مع نقیضه فی رتبة واحدة، و لا یمکن بل لا یعقل تصویر هذا الاقتضاء فهذا الادعاء أی دعوی أنَّ الأمر بالشيء یقتضی النهي عن ضده صرف تخیّل.
الثانیة: ثبوت الوجوب الشرعي للمقدمة.
بمعنی أنه اذا کان ترك الضد مقدمة للضد الآخر، فإذا کان الضد الآخر واجباً، لوجوب ترك الضد من باب المقدمية.
و هی ایضاً ممنوعة:
و ذلك:
لأنَّ الثابت فی المقدمة أي ما لا یتم الواجب الَّا به، الوجوب عقلاً دون الوجوب الشرعی، و ما عبر عن وجوبها بالوجوب الغیری إنَّما هو بمعنی أنها کانت واجبة لأجل غیره، لأن تحقق الغیر متوقف علیها عقلاً.
و علیه فلا یتعلق بها وجوب بعنوانها حتی صار الترك واجباً شرعاً، بل لزم عقلاً الترك غایة لتحقق الإطاعة فی ذی المقدمة.
و لذلك أجاب صاحب العروة (قدس سره) عن الدعوی، بأنَّ النَّهی الحاصل من ناحیة إقتضاء الأمر نهی تبعی، و لم یعبر عنه بالنهی الغیری.
و وجهه علی ما مرَّ أنَّ النهی الحاصل من ذلك لو فرض تمامیة و الالتزام به لیس الا النهی التبعی أی یلزم الاجتناب عن الترك ـ أی ترك الضد ـ عقلاً لإستلزامه ترك الطاعة فی ناحیة ذي المقدمة لا أنَّ النَّهی هنا نشأ عن مبغوضیة ذاتیة فیه بل انه مقضى لترك المأمور به و دفع المفسدة فیه.
و النَّهی التبعی هو اقضاء کل أمر بمعنی أنَّ کل أمر لازمه أن ترك المأمور به مستلزم لترك المصلحة فیه و المرفوع فی العصیان بالنسبة إلیه، و هذا النَّهی لایقتضی الفساد و البطلان، لعدم حکایته عن المبغوضیة و المفسدة.
هذا و علیه فإنَّ الاستدلال للبطلان فی المقام بقاعدة أنَّ اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضده غیر تام لعدم تمامية هذه القاعدة فی نفسها.
و أمَّا ما أفاده شیخنا البهائی (قدس سره):
من الاحتیاج إلی الأمر فی صحة العبادة و فسادها بصرف عدم الأمر فلا تحتاج الی اثبات النهی عنها بمقتضی أنَّ الأمر بالشیء یقتضی النَّهی عن ضده.
فهو غیر تام أیضاً:
لأنَّ العبادة علی ما عرفت فی کلمات الأعلام لا تتوقف صحتها علی تعلُّق الأمر بها، بل قد حقق فی محله انه لو ثبت تحقق الملاك فی العبادة أي المصلحة الموجبة للأمر بها فإنَّه یصح الاتیان بالعبادة بقصده.
فإن قلت:
إنَّ احراز المصلحة، او المحبوبیة لا یمکن الا بثبوت الأمر لأنَّه لا کاشف لنا بالنِّسبة الی ملاکات الأحکام غیر الأمر والنَّهی فإنَّهما یکشفان لنا الملاك ولا طریق لنا لاحرازها غیرهما.
قلت:
إنَّ الکاشف عن الملاك بالنِّسبة الینا الأوامر والنواهی و هذا لا کلام فیه الَّا أنَّه قد یتَّفق سقوط الأمر و بقاء الملاك کما ربما یقال فی المتزاحمین و مثَّل لهما صاحب العروة بالصلاة و إزالة النَّجاسة عن المسجد و فرض کون الإزلة أهم، فعند التَّزاحم بالأهم يسقط الأمر بالمهم، و لکن سقوط الأمر لایدل علی انتفاء الملاك، فانَّ الملاك فی فرض سقوط الأمر بالتزاحم بالأهم قابل للتصویر فی المتعلَّق، و معه فیمکن للمکلَّف الإتیان به بقصده.
و لا نعنی بالمحبوبیة و المقربیة غیر ذلك.
هذا ما یمکن تصویره فی مقام دفع الشبهة و الالزام بثبوت الملاك مع فرض عدم الأمر و انتفائه.
و لکنَّ التحقیق:
أنَّ فی مقام التزاحم نظیر تزاحم الأمر بالصلاة و الأمر بالإزالة مع فرض أهمیة الأمر بالإزالة، فإنَّ التزاحم بالأهم لایوجب انتفاء الأمر، بل إن غایة ما یقتضیه سقوط الأمر عن الفعلیة، و انتقال الفعلیَّة الی الأمر بالأهم فی المثال.
فالمهم لیس غیر متعلِّق للأمر فی التَّزاحم، بل غیر متعلِّق للأمر الفعلی.
و أمَّا التزاحم فلا یتکفل أکثر من انتقال الفعلیَّة من المهم إلی الأهم دون سقوط الأمر، فإنَّ الأمر باق ولکنَّه لیس بفعلی.
و علیه فإنَّه یمکن الإتیان بالمهم فی ظرف عصیان الأهم بقصده أمره الشأني، أو بقصد الملاك لأنَّ الأمر الشأني کالأمر الفعلي له قابلیة انکشاف الملاك علی ما أقرَّ به السَّید الخوئی (قدس سره) من أنَّه لا طریق لنا إلی استکشاف الملاك و المحبوبیة غیر الأمر.
و علیه فإنَّما یمکن الالتزام بصحة الفعل أی الحج عن الغیر فی المقام حتی مع عدم الالتزام بالترتب. و لعلَّ نظر من تأمل فی کلام شیخنا البهائی من کفایة محبوبیة العبادة فی نفسه الی هذه الجهة.
ثم إنَّ مع الالتزام بالترتب:
فإنَّما یکون قوامه أنَّ بعد انتقال الفعلیَّة من المهم إلی الأمر بالأهم بمقتضی مزاحمته مع الأهم فإنَّ مع عصیان الأهم فإنَّما یتصف المهم بالفعلیة مجدداً وثانیاً.
و أساسه: ان بالعصیان یسقط الأمر کما یسقط بالاطاعة و بانتقاء الموضوع و بعد سقوط الأمر بالأهم بمقتضی العصیان، فإنَّما تقوى الفعلیَّة إلی الأمر بالمهم، فمع الالتزام بالترتب لنا أمر فعلی بالمهم عند عصیان الأهم.
و مع عدم الالتزام به فلنا أمر شأنی کاشف عن المناط بالنسبة إلی المهم و هو کاف فی صحة العبادة.
و مما حققناه ظهر أنَّه لاتتوقف صحة العمل و العبادة علی الالتزام بالتَّرتب، بل یمکن تصویر الصحة حتی مع عدم الالتزام به.
نعم: نحن نلتزم بالتَّرتُّب، و وجه التَّرتُّب و دلیله هو ما حققناه من أنَّ مع عصیان الأهم إنَّما یسقط الأمر بالأهم، و معه فلا مانع من فعلیة الأمر بالمهم.
و لعل ما أفاده السید الخوئی (قدس سره) من أنَّ امکان الترتب مساوق لوقوعه، و أنَّه من أوضح الممکنات، فنظره الی وضوح دلیله عند الدَّقة.
هذا:
[1] . موسوعة السيد الخوئي، ج26، 285-286.