بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و سوم
و لکنَّ التحقیق:
أنَّ فی مقام التزاحم نظیر تزاحم الأمر بالصلاة و الأمر بالإزالة مع فرض أهمیة الأمر بالإزالة، فإنَّ التزاحم بالأهم لایوجب انتفاء الأمر، بل إن غایة ما یقتضیه سقوط الأمر عن الفعلیة، و انتقال الفعلیَّة الی الأمر بالأهم فی المثال.
فالمهم لیس غیر متعلِّق للأمر فی التَّزاحم، بل غیر متعلِّق للأمر الفعلی.
و أمَّا التزاحم فلا یتکفل أکثر من انتقال الفعلیَّة من المهم إلی الأهم دون سقوط الأمر، فإنَّ الأمر باق ولکنَّه لیس بفعلی.
و علیه فإنَّه یمکن الإتیان بالمهم فی ظرف عصیان الأهم بقصده أمره الشأني، أو بقصد الملاك لأنَّ الأمر الشأني کالأمر الفعلي له قابلیة انکشاف الملاك علی ما أقرَّ به السَّید الخوئی (قدس سره) من أنَّه لا طریق لنا إلی استکشاف الملاك و المحبوبیة غیر الأمر.
و علیه فإنَّما یمکن الالتزام بصحة الفعل أی الحج عن الغیر فی المقام حتی مع عدم الالتزام بالترتب. و لعلَّ نظر من تأمل فی کلام شیخنا البهائی من کفایة محبوبیة العبادة فی نفسه الی هذه الجهة.
ثم إنَّ مع الالتزام بالترتب:
فإنَّما یکون قوامه أنَّ بعد انتقال الفعلیَّة من المهم إلی الأمر بالأهم بمقتضی مزاحمته مع الأهم فإنَّ مع عصیان الأهم فإنَّما یتصف المهم بالفعلیة مجدداً وثانیاً.
و أساسه: ان بالعصیان یسقط الأمر کما یسقط بالاطاعة و بانتقاء الموضوع و بعد سقوط الأمر بالأهم بمقتضی العصیان، فإنَّما تقوى الفعلیَّة إلی الأمر بالمهم، فمع الالتزام بالترتب لنا أمر فعلی بالمهم عند عصیان الأهم.
و مع عدم الالتزام به فلنا أمر شأنی کاشف عن المناط بالنسبة إلی المهم و هو کاف فی صحة العبادة.
و مما حققناه ظهر أنَّه لاتتوقف صحة العمل و العبادة علی الالتزام بالتَّرتب، بل یمکن تصویر الصحة حتی مع عدم الالتزام به.
نعم: نحن نلتزم بالتَّرتُّب، و وجه التَّرتُّب و دلیله هو ما حققناه من أنَّ مع عصیان الأهم إنَّما یسقط الأمر بالأهم، و معه فلا مانع من فعلیة الأمر بالمهم.
و لعل ما أفاده السید الخوئی (قدس سره) من أنَّ امکان الترتب مساوق لوقوعه، و أنَّه من أوضح الممکنات، فنظره الی وضوح دلیله عند الدَّقة.
هذا:
و أمَّا ما افاده المحقق النائینی (قدس سره):
من أنَّ الترتُّب إنَّما یجری فی الواجبین المقیدین بالقدرة العقلیة و أمَّا اذا فرض کون أحد الواجبین واجباً بالقدرة الشرعیة، فلا یجری فیه الترتب، لأنَّ فی فرض عصیان الأهم فیه لایبقی للواجب موضوع و لا أمر کالوضوء، فإنَّه مقیَّد بالقدرة الشَّرعیة و هی القدرة الخاصة بالتمکن من استعمال الماء شرعاً، فاذا وجب صرف الماء فی واجب آخر أهم و عصاه و صرفه فی الوضوء فلاموضوع لوجوب الوضوء فی ظرف العصیان، لتقیده بالقدرة الشَّرعیة و هی منتقضة عند وجوب صرف الماء فی الواجب الأهم.
و أجاب عنه السید الخوئی (قدس سره) أولاً: أنَّ الحج غیر مشروط بالقدرة الخاصة الشرعیة بل هی مشروطة بالقدرة العقلیة کغیرها من الواجبات و ما افاده تام و قد مرَّ فی محلِّه أنَّ الاستطاعة التی هی شرط لوجوب الحج هی الاستطاعة العرفیَّة، و المیزان فی تحققها القدرة العقلیة دون القدرة الشرعیة الخاصة.
کما أجاب عنه (قدس سره) ثانیاً:
أنّ هذا لو تم فإنما یکون فی حجة الاسلام دون غیره من أقسام الحج من التطوعی و النیابي و النّذری.
و هو تام ایضاً:
فما أفاده المحقق النائینی فی حاشیته علی المقام:« لا سبیل الی هذه الدعوی ـ ای کفایة المحبوبیة ـ فیما اعتبرت القدرة الشرعیة فیه شرطاً شرعیاً کالحج و نحوه»
لا یتم المساعده علیه.
هذا مع أنَّه ربَّما یحتمل:
أن فی فرض عصیان الأمر بالأهم فإنَّما یسقط الأمر الفعلی به لمکان العصیان و مع سقوط الأمر أو بتعبیرنا فعلیة الأمر فلا یبعد سقوط اختصاص القدرة الشرعیة به أو ذلك؛ لأن القدرة الشرعیة إنَّما هی شرط لفعلیة الأمر بالأهم و مع سقوط المشروط لایبقی للشرط موضوع لا محالة. و معه ترجع القدرة الشرعیة المذکورة الی الأمر بالمهم بعد حصول الفعلیة له،أو بعد تحققه بعد سقوطه بمقتضی الأمر بالأهم.
و کذلك ربَّما أمکن الالتزام بصحة الوضوء بعد عصیان الأمر. بالأهم و عدم صرف قدرته الشَّرعیة فیه، و لیس ذلك الا انتفاء الموضوع و المرکَّب لصرف القدرة الشرعیة فیما هو أهم و أنه أسقط الوجوب عنه لعصیانه. و ان الشَّرط تابع للمشروط فی السقوط.
و ربَّما یقال:
أنَّ فی المقام و ان لم یکن أمر للمکلف فی اتیان الحج عن الغیر أو لا أمر فعلی له بعد عصیانه الأمر بحجة الاسلام المتوجه إلیه الا أنَّه لا یحتاج فی صحة ما أتی به إلی أمر متوجه الی نفسه.
و ذلك: لأنَّه إنَّما یأتی بالحج عن الغیر بداعی الأمر المتوجه الی ذلك الغیر، فإنّ بالاستنابة عنه ینتقل الأمر من المنوب عنه الی النائب و بفعله یسقط الأمر عن المنوب عنه فلا يحتاج فی تصحیح فعله الی أمر متوجه الی نفسه.
و هذا ما أفاده السَّید البروجردی (قدس سره) فی حاشیة له فی المقام فی ذیل قول السَّابق: « ودعوی أنَّه یکفی فی عدم الصحة عدم الأمر مدفوعة بکفایة المحبوبیة فی حد نفسه...»
قال:
« مضافاً إلی أنَّ النائب لا ینوی اطاعة الأمر المتوجه إلی نفسه حتی ینافیه کونه مأموراً بضده، بل الأمر الذی کان متوجهاً الی المنوب عنه و لا تنافی بینه و بین أمر نفسه بضده»
و له وجه قوی بعد الالتزام بأنَّ فی النیابة تنقل الذمة من المنوب عنه الی النائب، أو أن النائب انما یتکفل الإتیان بالمأمور به بمقضی الأمر المتوجه الی المنوب عنه. و تمام البحث فیه فی مباحث النیابة إن شاء الله .