بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی ام
و أفاد السَّید الحکیم فی المستمسك فی ذیل قوله: (..الظاهر بطلانها. و ذلك لعدم قدرته شرعاً على العمل المستأجر عليه):
«و القدرة على العمل شرط في صحة الإجارة، لأن مالا يكون مقدوراً لا يكون موضوعاً للمعاوضة، و أكل المال بإزائه أكل للمال بالباطل. و عدم القدرة في المقام و إن كان شرعياً لكنه مثل عدم القدرة عقلا.
و في حاشية بعض الأعاظم:
«هذا تسليم منه بموجب البطلان و لو تبرعاً عن الغير أو تطوعاً لنفسه».
و يشير بذلك إلى ما سبق منه في الحاشية: من أن القدرة شرط في مشروعية الحج، فمع عدمها تنتفي المشروعية.
و فيه: ما عرفت: من أن القدرة شرط في مشروعية حج الإسلام، لا في حج التطوع و لا في التبرع عن غيره به. فلاحظ.»[1]
و أفاد فی ذیل قوله:( فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد ، مع قولكم بالصحة هناك؟...)
«و حينئذ يكون مانع آخر من صحة الإجارة غير عدم القدرة، و هو المعاوضة على الحرام، فان في حاق الإجارة المعاوضة بين الأجرة و المنفعة فإذا كانت حراماً لم تصلح للمعاوضة عليها.»
ثم أفاد فی مقام دفع هذا الإشکال :
« لم يظهر توجه هذا الاشكال على ما ذكره، من بطلان الإجارة على الضد إذا وجب ضده، و إنما يحسن توجهه لو كان الحكم هو صحة الإجارة على البيع إذا شرط العتق في المثال المذكور. فإنه إذا شرط العتق فقد وجب بالشرط، فاذا استؤجر المشروط عليه على البيع، و قلنا بصحة الإجارة كان الفرق بينهما غير ظاهر، فيحتاج إلى السؤال عن إبداء الفرق.
و أما الحكم بصحة البيع لو اشترط الضد فقد تقدم منه مثله، و هو صحة التطوع بالحج عن نفسه إذا وجب عليه حج الإسلام.
و بالجملة:
تقدم منه حكمان.
أحدهما: أنه إذا وجب حج الإسلام فوجوبه لا يقتضي بطلان ضده.
و ثانيهما: أنه إذا وجب حج الإسلام لم تصح الإجارة على ضده.
و مثال شرط العتق و صحة البيع يناسب الأول، و لا فرق بينهما في الحكم، و لا يناسب الثاني كي يحتاج إلى إبداء الفرق بينهما في الحكم.»
و أفاد فی ذیل قوله:« فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد ، مع قولكم بالصحة هناك؟ كما إذا باعه عبداً و شرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبائع خيار تخلف الشرط.»
« قد تكرر في هذا الشرح: التعرض لأن الشرط في ضمن العقد يقتضي إثبات حق المشروط له على المشروط عليه، فاذا اشترط عليه أن يعتقه فقد صار له عليه أن يعتقه و ملك عليه ذلك.
ثمَّ نقول: لما كان العتق المملوك متعلقاً بالعبد و كان العبد موضوعاً له، فتارة: يؤخذ وجود العبد في ملكه بنحو شرط الواجب الذي يجب عليه تحصيله.
و أخرى: يؤخذ بنحو شرط الوجوب الذي لا يجب عليه تحصيله.
فإن أخذ على النحو الأول:
لم يصح البيع، لأن القيد المذكور إذا أخذ قيداً في المملوك فقد ملك الشارط على المشروط بقاء العبد على ملكية المشروط عليه إلى أن يتحقق العتق منه و إذا ملك عليه بقاءه على ملكيته اقتضى ذلك قصور سلطنته على بيعه، لأنه تصرف في حق غيره.
و إذا أخذ قيداً في الملك - يعني: يملك عليه العتق إذا كان العبد باقياً في ملكه - فهذا الملك لا يقتضي بقاء العبد في ملكه، و إذا لم يقتض بقاءه في ملكه جاز للمشروط عليه إخراجه من ملكه بالبيع و غيره، لعدم منافاته لحق الشارط. و حينئذ يصح البيع.
و لا يكون من قبيل تخلف الشرط، لأن الشرط المنوط بشيء إنما يكون تخلفه بعدم حصوله مع تحقق المنوط به، و لا يتحقق التخلف بعدم حصوله مع انتفاء المنوط به، فالجمع بين صحة البيع و خيار تخلف الشرط غير ممكن.
وقد تقدم التعرض لنظير المسألة:
فيما لو نذر قراءة سورة فقرأ غيرها، أو نذر الصلاة جماعة فصلاها فرادى. و كذا لو نذر أن يصلي في المسجد فصلى في غيره.
فان النذر - كما أشرنا إليه سابقاً - يقتضي ملكية المنذور، فيجري فيه الاحتمالان المذكوران.
ثمَّ إن الظاهر أن القيد المذكور أخذ على النحو الأول في المقام و في الأمثلة المذكورة، و مقتضاه في المقام بطلان البيع.
و في الأمثلة المذكورة - إذا وقع عمداً - بطلان السورة، فتبطل الصلاة بالزيادة العمدية. و كذا بطلان الصلاة فرادى، أو في غير المسجد، لحرمة التصرف في ملك الغير و حقه، فإن الملكية - كما تقتضي قصور سلطنة غير المالك فيبطل تصرفه إذا كان موقوفاً على السلطنة، كالبيع و نحوه من التصرفات الاعتبارية – تقتضي حرمة التصرف تکلیفاً اذا کان التصرف عینیاً، فیبطل اذا کان عبادة.
نعم إذا وقع سهواً لا يبطل، لكونه مصداقاً للمأمور به، و إنما بطل في صورة العمد لفوات العبادية، و هو غير حاصل في صورة السهو، فلا مانع من صحته. بخلاف التصرف الاعتباري فإنه يبطل و إن كان عن سهو، لصدوره عن غير السلطان.
و بذلك اختلف المقام عن الأمثلة المذكورة.
فلو نذر أن يعتق عبده لم يصح له بيعه و لو كان سهواً، فالقول بصحة البيع في المقام في غير محله. و كأن المصنف لا يرى أن الشرط يقتضي ملك المشروط له للمشروط. و قد تقدم في موارد من هذا الشرح: أن التحقيق أنه يقتضي ذلك، و كذلك النذر.» [2]
و أفاد ایضاً فی ذیل قول صاحب العروة:( قلت: الفرق أن في ذلك المقام المعاملة - على تقدير صحتها - مفوتة لوجوب العمل بالشرط»
« لو فرض أنها غير مفوتة أيضاً لا مانع من صحتها إذا لم تكن القدرة شرطاً فيها، فمن كان مديوناً و طالبه الدائن، و كان لا يملك أكثر من مقدار الدين، جاز له أن يبيع أو يشتري بالذمة ثمَّ يفي و إن فاته وفاء الدين. يظهر ذلك من مراجعة كلماتهم في أحكام المفلس قبل الحكم عليه بالحجر.»[3]
[1] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص287.
[2] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص288-290.
[3] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص290.