بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و هشتم
ثم إنَّ ما أورد علی نفسه (قدس سره) بقوله:
«فان قلت: ما الفرق بین المقام وبین المخالفة للشرط فی ضمن العقد مع قولکم بالصحة هناك، کما اذا باعه عبداً و شرط علیه ان ینعتق فباعه، حيث تقولون: بصحة البیع، و یکون للبایع خیار تخلف الشرط؟
و أجاب عنه بقوله:
« الفرق:
إنَّ فی ذلك المقام المعاملة علی تقدیر صحتها مفوتة لوجوب العمل بالشرط فلا یکون العتق واجباً بعد البیع لعدم کونه مملوکاً له.
بخلاف المقام: حیث انا لو قلنا بصحة الإجارة لا یسقط وجوب الحج عن نفسه فوراً، فیلزم اجتماع أمرین متنافیین فعلاً.
فلا یمکن ان تکون الإجارة صحیحة و إنْ قلنا: إنَّ النهی التبعی لا یوجب البطلان.
فالبطلان من جهة عدم القدرة علی العمل، لا لأجل النهی عن الاجارة.»
و فیما افاده جهات من التأمل:
الجهة الاولی:
ما وجه المشابهة بین المقام و بین مورد بیع العبد مع اشتراط عتقه؟
فان مقتضی استدلاله علی بطلان الاجارة فی المقام ، ان الاجارة باطلة فی المقام لابتلائها بالضد الأهم الموجب لحرمتها و مبغوضیتها، و ان الله اذا حرّم شیئاً حرم ثمنه.
و فی بیع العبد اذا اشترط البائع عتق العبد فانما یجب العتق بمقتضی الاشتراط و هو یمنع عن ضده أی بیعه فیصیر البیع حینئذٍ محرماً و مبغوضاً فیلزم بطلان البیع. لأنَّ الأمر بالوفاء بالشرط یقتضی المنع عن ضده و هو فی المقام البیع ، و هذا النهی و لو کان تبعیاً إنما یوجب المبغوضیة کما فی إجارة الحج فی المقام فیلزم بطلانه. و ان المبغوضیة تستلزم عدم نفوذ البیع وضعاً.
و علیه فاذا التزمتم بالصحة هناك یلزم القول بها فی المقام لاشتراکهما فی مبانی البطلان.
و کان صاحب العروة فی مقام ابداء الفرق.
و اساس فرقه ان وجه البطلان فی المقام عدم القدرة علی العمل فی المقام ای استجار حج الغیر.
و هذا الوجه غیر جار فی البیع الواقع بدلاً عن العتق الواجب بمقتضی الاشتراط فی العقد.
و أفاد فی مقام تقریبه: أنَّ فی مورد بیع العبد بشرط العتق، انه لو باعه المشتری ، فانه فوّت ببیع العبد، القدرة علی اعتاقه لخروج العبد عن ملکیته بالبیع، و معه فلا یجب بعده العمل بالشرط و أنه لا یکون العتق واجباً بعد البیع.
و هذا بخلاف المقام حیث إن الإجارة لا یمکنها تفویت القدرة علی حج الاسلام، لأنَّه لاشبهة فی وجوب حجة الاسلام و فوریتها و لو بعد الاجارة المذکورة، فیلزم اجتماع أمرین متنافیین أمر بالعمل بمقتضی الاجارة و أمر بحجة الاسلام. الذی هو أهم من الأمر بالوفاء فی الاجارة.
و أما فی بیع العبد، فانه بعد تفویت القدرة علی العتق بالبیع، فیسقط وجوب العتق بمقتضی البیع فلا یلزم اجتماع أمرین متنافیین.
و هنا اشکال:
و هو أن بالنسبة الی اجتماع الأمرین المتنافیین، فان کانا فی عرض واحد و لا یکون أحدهما اهم فیسقطان لا محالة، لأنَّ فی مقام التزاحم بینهما لا موجب لترجیح أحدهما.
وأما لو فرض أهمیة أحدهما، فان مع غمض العین عن الترتب، بل علی حسب ما اختاره فی المقام من کفایة قصد الملاك فی صحة الحج عن الغیر فإن الأمر بالمهم و ان يسقط بمقتضى المزاحمة مع الأهم، الا أنَّه لا یوجب سلب کاشفیة الأمر به عن ملاکه، و معه لکان المهم ذا مصلحة ذاتیة فی مثال الحج و فی المقام ، و لذا التزم بصحة الحج عن الغیر بذلك.
کما هو الحال اذا فرض تزاحم الصلاة فی ضیق الوقت مع الأمر بازالة النجاسة عن المسجد.
فاذا قلنا بدل المثال المذکور انه لو ترك الأمر بالإزالة و أتی بالصلاة ولکن لا الصلاة عن نفسه بل الصلاة اجارة عن الغیر، فهنا لا شبهة فی أنَّه یلتزم بصحة الصلاة المذکورة و إنه عصی بترك الأهم کما هو فتوى جلُّهم، و أمَّا الإجارة علی الصلاة المذکورة و انه عصی بترك الأهم کما هو فتوی جلهم، و أما الاجارة علی الصلاة المذکورة فما الموجب لبطلانها بعد القول بصحتها و عدم مبغوضیتها، و ان التزاحم مع الأهم لا یوجب فقدان ملاك المصلحة و المحبوبیة فیها.
و البحث فی اجارة الحج عن الغیر فی المقام هو بعینه جار فی اجارة صلاة الغیر بعد ترك الأمر بالإزالة و فی ظرف ترکه.
هذا تماماً بناءً علی عدم الالتزام بالترتب أو عدم جریانه فی المقام.
و أمَّا بناءً، علیه ، فالامر أوضح، لمجیء الأمر بالمهم أو مجيء فعلیته عندنا بعد سقوط الأمر بالأهم بالعصیان.
و علیه ، فان فی مثل المقام و هو الإجارة للحج عن الغیر لاوجه للبطلان خلافاً لصاحب العروة.
و أمَّا فی مثل بیع العبد مع اشتراط العتق.
فإن تمام الکلام فیه: أنَّ العقد انما ینعقد علی شرط وهو العتق، و معناه أن نتیجة المبادلة متوقوفة و متعلقة علی شرط العتق.
و ذلك:
لأنَّ المبادلة و المعاملة إنَّما تحصل بانشاء الطرفین و مفاد هذا الانشاء عقلاً، إنَّما تقتضی تبادل الملکیة فی مثل البیع أو تبادل الأُجرة و المنفعة فی مثل الإجارة و هکذا...
و فی الحقیقة إنَّ الانشاء انما یقتضی نسبة انشائیة و مبادلیة بین طرفی المعاملة و کذا بین الثمن و المثمن فی البیع و الاجرة و العین فی الإجارة، و تبادل الاضافة أی اضافة الملکیة فی دائرة هذه النسبة تتحقق نتیجة المعاملة من بیع و غیره.
فاذا کان الانشاء متعلقاً علی شرط بمعنی اذا انشأ أحد الطرفین مقیداً بشرط و قبله الآخر و حسب تعبیرنا بنی العقد علیه، فانما یدخل الشرط المذکور فی النسبة الانشائیة و المبادلیة ، فیضاف الی المتبادلین و الثمن و المثمن فی البیع طرف آخر هو الشرط. و معنی دخوله فی هذه النسبة التی توجد بالانشاء و بمعنی أنَّ الانشاء إنَّما یوجد هذه النسبة ان نتیجة المعامله و التبادل کما یتوقّف علی ردّ الثمن أو ردّ المثمن إنّما یتوقف علی تحقق الشرط، وانه لا یتحقق التبادل الا بالشرط فلا محالة: ان الاضافة التی تنتقل من البائع الی المشتری فی المثمن تتوقف علیه، و کذا الاضافه المنتقلة من المشتری الی البائع فی الثمن، بمقتضی النسبة التبادلیة أو النسبة الانشائیة المحققه بالانشاء.
و هذا أمر عقلائی جار بالنسبة الی الشروط المذکور فی متن العقد و حتی فی الشروط التی بنی العقد علیها و ان لم تکن مذکورة فی متن العقد علی المبنی، بل الشروط العامة المعتبره عقلاءً، فان جمعیها داخله فی هذه النسبة و تعد من أطراف النِّسبة و لا تحقق نتیجه الانشاء و المعاملة الا بعد تحققها. اذا عرفت هذا:
فإن مع اشتراط العتق فی بیع العبد، فإن اضافة الملکیة المنتقلة الی المشتری بالنسبة الی العبد اضافة خاصة محدودة فی دائرة الشرط و لو تحقق الشرط لم تحقق نتیجة المعاملة و هو تبادل اضافة الملکیة.
و علیه فان المشتری فی المقام لیست له سلطنة علی البیع تخلّف شرط العتق و ان النسبة التبادلة غیر منتجة فی ظرف التخلف عن الشرط ، و لذا لو لم یتحقق العتق فی الظرف المتوقع لوقوعه لثبت اختیار فسخ المعاملة للشارط و البائع لأن الاضافة متزلزلة حسب الفرض. فیبطل البیع أی بیع العبد من المشتری هذا ، قال السید الحکیم (قدس سره):
ان الشرط في ضمن العقد يقتضي إثبات حق المشروط له على المشروط عليه[( المشتري) بالنسبة الى الاتيان بالشرط].
فاذا اشترط عليه في بيع العبد أن يعتق المشتري بعد البيع
فان حق الشارط فی البيع علی الشروط علیه ان یعتقه و کان تملیك العبد له مبتنیاً علیه.
و فی هذا المقام:
ان العتق المملوك للشارط، المتعلق بالعبد تارة:
یؤخذ قیداً للمملوك بنحو الشرط الواجب بحیث کان تملیك الشارع العبد علی نحو کان العبد باقیاً علی ملکیة المشروط علیه المشتری، الی ان یتحقق العتق عنه.
فان فی هذه الصوره کان الاشتراط المذکور انما یؤثر فی تحدید ملکیة المشتری الی حد العتق، و مقتضاه قصور سلطنة المشتری علی بیعه لأنَّه تصرف فی حق غیره.
و انما عبَّر (قدس سره) عن هذا التصویر بنحو شرط الواجب، لأنَّ فی شرائط الواجب إنما یجب تحصیلها بخلاف شرائط الوجوب، فانه بعد وجوب الصلاة یلزم تحصیل الطهارة.
و فی المقام انه یجب علیه ـ المشتری ـ الاتیان بالشرط تحصیلاً لما حصل له من الملکیة المقیدة من البیع.
و علیه فلو اتفق منه البیع بدلاً للعتق لم یصح لأنَّ المفروض عدم سلطنته علی البیع، لأنَّ اضافته الی العبد کانت من أول الأمر مشروطة بالعتق، و لولا العتق انتفت السلطنّة علی العبد.
و أخری:
ان حق الشارط بالنسبة الی الشرط یکون علی نحو، ان الحق المذکور باق مادام کون العبد باقیاً فی ملکه، فاذا کان العبد باقیاً فی ملکه فان له ان یعتقه رعایة لحق الشارط.
ففی هذا التصویر یکون الشرط من قبیل شرط الوجوب کالاستطاعة بالنسبة الی الحج بمعنی لو تحقق بقاء العبد فی ملکه ، فان له ان يعتقه رعایه لحق الشارط.
فا فاد (قدس سره) أنَّ فی هذا التصویر أنَّ التملیك مع هذا الاشتراط لا یقتضی بقاء العبد فی ملکه و معه جاز له اخراجه عن ملکه بالبیع و غیره لعدم منافاته لحق الشارط، لأنَّ حق الشارط لا یکون أکثر من ایجابه و اقتضائه عتق العبد لو کان باقیاً فی ملکه.
و معه یصح البیع، و التصرف فیه بالبیع لا یکون من قبیل تخلف الشرط، لان تخلفه انما یتحقق بعدم حصوله مع تحقق المنوط به و أما مع انتفائه و هو البقاء في ملکه ـ فلا یتحقق التخلف.
و علیه ، فان فی التصویر الأوَّلی یبطل البیع، و یثبت خیار التخلف و فی التصویر الأخیر یصح البیع، و لا یثبت خیار التخلف.
و نظیر هذه المسألة:
ما لو نذر قراءة سورة معینة، فقرأ غیرها.
أو نذر الصلاة جماعة،فأتی بها فرادی.
و نذر أن یصلی فی المسجد ، فأتی بها فرادی.
و بما أنَّ النَّذر حسب ما حققناه یقتضی ملکیة المنذور فانما یجری فیه التصویران و الاحتمالان .
و الظاهر أنَّ القید المذکور فی المسألة فی کلام صاحب العروة من اشتراط عتق العبد حین بیعه، إنَّما أُخذ علی نحو التصویر الاّول.
و مثله الأمثلة المذکورة.
و مقتضاه فی المقام بطلان البیع خلافاً لما أفاده و التزم به صاحب العروة و کذا فی الأمثلة المذکورة إنَّما تبطل قراءة السورة اذا وقع عمداً بالزیادة العمدية و کذا الصلاة فی غیر المسجد او اتیانها فرادی.
کما انه يقتضي قصور سلطة المشتری علی البیع و غیره من التصرفات الاعتباریة کما أنه یقتضی حرمة التصرف تکلیفاً اذا کان التصرف عینیاً و انه یبطل اذا کان عبادة.
نعم: لا یبطل اذا وقع سهواً لکونه مصداقاً للمأمور به و إنَّما بطل فی العبادة لفوات العبادیة.
و أمَّا فی غیر العبادات کالتصرفات الإعتباریة مثل البیع و امثاله فانَّما یبطل و ان کان عن سهو لصدوره عن غیر السلطان.
و بذلك یختلف المورد عن الأمثلة المذکورة.
فاذا نذر أن یعتق عبداً ، فلا یصح له بیعه و لو صدر البیع سهواً، و علیه فان الالتزام بصحة البیع فی المقام فی غیر محله.
و لعل المصنَّف لا یری أن الشرط یقتضي ملکیة المشروط له للمشروط و التحقیق عندنا خلاف ذلك.
هذا ما افاده السید الحکیم (قدس سره):
و الحق فی المقام ما افاده من اختیار التصویر الاوّل من اشتراط الملیکة فی العبد بالعتق بنحو الشرط الواجب و أنه لو لا العتق لما صارت الملکیة منجزة، و فی مثل المقام تکون النتیجة ثبوت اضافة الملکیة للمشتری الی زمان عتق العبد، اذا الملکیة لم تکن مطلقة من بدو الأمر حتی تشمل صورة عدم العتق.
و قد مرَّ ان نتیجة المعاملة تابعة لتحقق جمیع أطراف النسبة المعاملیة و منها الشرط و لو لا الشرط لما تحققت النتیجة.
و معه فان بیع العبد فی المثال باطل لفقدان الملکیة اللازمة لبیعه للمشتری اذا الملکیة إنَّما حصلت ببیع العبد من ناحیة الشارط و هی محصورة فی صورة الشرط و لولا العتق فلا ملکیة، و ما حصلت بعد البیع و قبل العتق ملکیة متزلزلة تابعة لتحقق العتق بعده و کذلك لو تأخر عن الزمان الذی یتوقع تحقق العتق فیه ان للشارط خیار تخلُّف الشرط.
و علیه فان الوجه فی المقام بطلان البیع فی بیع العبد بشرط العتق ـ خلافاً لما اختاره صاحب العروة. و صحة الاجارة علی الحج عن الغیر خلافاً لما أفاده أیضاً.
و ان البطلان فی الاوّل یختلف بحسب المستندمع الالتزام بالصحة فی الأخیر بحسبه، و لا تصل النوبة فی ذلك الی تفويت وجوب الشرط أو عدم تفویته فی المقامین حسب ما قرره.
و معه لا مشابهة بین الموردین فی المستند للحکم و ان الالتزام بالبطلان فی البیع لا یلازم الالتزام به فی المقام.
فظهر أنَّ ما حقَّقه السید الحکیم (قدس سره) من الالتزام ببطلان البیع فی بیع العبد الذی اشترط عتقه، و القول بالصحة فی إجارة الحج عن الغیر تام.
هذا ، ثم إنَّ ما أفاده السید الحکیم (قدس سره) فی المقام یرجع إلی ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) لباً و ان یختلف بیاناً و تقریباً.