بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و دوم
وأمّا الثاني:
فالظاهر عدم انعقاده لعدم الفرق بين المولى الأوّل والثاني في لزوم رعاية حقهما، فلو كان النذر منافياً لحق المولى الثاني ولو بقاءً ينحل، لأنّه مرجوح بقاءً وفي ظرف العمل.
والمعتبر رجحانه في ظرف العمل. فالصحيح هو التفصيل إلاّ أنّ المصنف اختار انعقاد نذره وعدم اعتبار إذن المولى الثاني مطلقاً بدعوى أنّه لا يبقى حق للمولى الثاني بعد انعقاد النذر، وليس له المنع عن العمل بالنذر بعدما صار واجباً عليه، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وبعبارة أخرى: طاعة السيّد وإن كانت واجبة لكنها مشروطة بالقدرة الشرعية يعني تجب طاعته فيما إذا لم يكن هناك مانع شرعي، وأما إذا كان هناك مانع شرعي كالنذر السابق فلا تجب طاعته، والمفروض انعقاد النذر بإذن المالك حين النذر فيجب الوفاء به على العبد، وليس للسيّد الثاني المنع عنه لعدم وجوب طاعته فيما وجب أو حرم على العبد.
ويرد عليه:
أنّ هذه الجملة (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لم ترد في نص معتبر وإنما رواها المحقق مرسلاً في المعتبر وحكى ذلك عنه صاحب الوسائل ورواها الصدوق أيضاً بسندين ضعيفين:
أحدهما: ما رواه في الفقيه بإسناده عن إسماعيل بن الفضل عن ثابت بن دينار
أبي حمزة الثمالي وطريقه إلى إسماعيل بن الفضل ضعيف.
ثانيهما:
ما رواه في الخصال بسند آخر ضعيف في ضمن ذكره (عليه السلام) للحقوق الواجبة والمندوبة فلا يمكن الاعتماد على هذه الجملة وإن كان مضمونها من الكبرى المسلّمة التي لا ريب في صحّتها، إذ من الواضح جداً عدم وجوب طاعة المخلوق في الموارد التي تستلزم معصية الخالق كعدم وجوب طاعته في موارد الواجبات والمحرمات الإلهية، إلاّ أنّه ليس معنى هذه الجملة أخذ القدرة شرعاً في موضوع الحكم ليقيد وجوب طاعة المولى بما إذا لم يكن هناك مانع شرعي، وإنما القدر المسلّم سقوط وجوب طاعة المولى في موارد التكاليف الإلهية، وأنّ الواجب أو الحرام لا يسقط بأمر أي أحد، وأين هذا من أخذ القدرة الشرعية في موضوع الحكم.
فمعنى الجملة: أنّه في موارد معصية الخالق لا طاعة لمخلوق، إلاّ أنّ الكلام في تحقق المعصية وتحقيق الصغرى فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة الأوّلية.
فإن قلنا بأنّ العبد لا يقدر على شيء وقلنا بأنّ العبرة في لزوم النذر بظرف العمل لا بظرف النذر فلا أثر لهذا النذر المنافي لحق المولى الثاني فينحلّ النذر في ظرف العمل، ولا أثر للإذن الصادر من المالك الأوّل حال النذر، لأنّ المفروض أنّ النذر بقاء ينافي حق المولى الثاني فيكون مرجوحاً بقاء فينحلّ لعدم الرجحان لمتعلقه في ظرف العمل»[1].
و أفاد السید الخوئی (قدس سره) فی حاشیة له فی المقام فی ذیل قول صاحب العروة : ... بقی علی لزومه . «الا إذا كان متعلق نذره منافیاً لحق المولی الثانی».
ثم إنَّ ما فعله السید بعنوان الإطاعة لمخلوق فی معصیة الخالق، رواتیان :
الأولی: ما رواه جعفر بن الحسن بن سعید فی المعتبر قال: قال (علیه السلام) : «لاطاعة المخلوق فی معصیة الخالق»[2].
الثانیة :
ما رواه الصدوق (قدس سره) فی الفقیه باسناده عن اسماعیل بن المفضل عن ثابت بن دینار عن سید العابدین علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب قال : فأمّا حقُّ اللّه ِ الأكبرُ علَيكَ فأنْ تَعْبُدَهُ، لا تُشْرِكَ بهِ شَيئا ، فإذا فَعلْتَ ذلكَ بإخْلاصٍ جَعلَ لكَ على نَفسِهِ أنْ يَكْفِيَكَ أمْرَ الدُّنيا و الآخِرَةِ ... الی ان قال: وأما حق سائسك بالملك فأن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله عز وجل فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ورواه في ( الخصال ) عن علي بن أحمد بن موسى ، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن خيران بن داهر ، عن أحمد بن علي بن سليمان ، عن أبيه ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين ( عليهما السلام )
ورواه الحسن بن علي بن شعبة في ( تحف العقول ) مرسلاً.
و قال صاحب الوسائل :
«... وكذا الطبرسي في ( مكارم الأخلاق ) الا ان في تحف العقول زيادات عما نقلناه .»[3]
اما جهة السند فیها :
فان للصدوق إلی اسماعیل بن الفضل بن عبد الدین الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب الهاشمی طریقان.
أما اسماعیل، فأفاد الشیخ فی الرجال: .... ثقة من أهل البصرة من اصحاب الباقر . و عده فی أصحاب الصادق أیضاً و ذکر البرقی أنه من أصحاب الصادق.
و قال النجاشی : ... روی عن أبی عبدالله و أبی الحسن.
وقال الکشی :
« حدثنی محمد بن مسعود قال : حدثنی علی بن حسن بن علی بن فضال أنَّ اسماعیل بن الفضل الهاشمی کان من ولد نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب و کان ثقة و کان من أهل البصرة»[4].
أما الطریق الأول للصدوق إلیه و هو طریقه الیه عموماً :
جعفر بن مسرور(رضي الله عنه) عن الحسین بن محمد بن عامر عن عمه عبدالله بن عامر عن محمد بن أبي عمیر عن عبدالرحمن بن محمد بن الفضل بن اسماعیل
بن الفضل عن ابیه اسماعیل بن الفضل الهاشمی.
و أما الطریق الثانی و هو طریقه فی هذه الروایة :
عن علی بن أحمد بن موسی رضی الله عنه قال : حدثنا محمد بن جعفر الکوفی الأسدي قال : محمد بن اسماعیل البرمكي قال حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا اسماعیل بن الفضل عن ثابت بن دینار الثمالي .
و افاد السید الخوئی فی معجم رجال الحدیث بعد ذکر الطریقین أنَّ الأوَّل ضعیف بجعفر بن محمد بن سرور . و الثانی بعلي بن أحمد بن موسی .
اما جعفر بن محمد بن مسرور .قال صاحب العروة:
فهو من مشایخ الصدوق و قد ترحم علی کما فی بیان طریقه إلی محمد بن خالد القسری و ترضی علیه کما فی طریقه إلی عبید الله المرافقی أو إلی عبید الله بن علی الحلبی و إلی عبدالله بن علی الحلبی و إلی عبدالله بن لطیف التفلیسي و إلی اسماعیل بن المفضل و إلی محمد بن الفیض و إلی رومی بن زرارة و إلی المعلَّى بن محمد البصری. و روی فی جمیع هذه الموارد عن الحسین بن محمد بن العامر .
[1] . مستند العروة الوثقى، الحج ، ج 1، ص 376 – 379.
[2] . الوسائل ، ج11، ص157،باب 59 من ابواب وجوب الحج الحدیث 7
[3] الوسائل، ج15، ص180، الباب من ابواب جهاد النفس الحدیث 1