بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و هشت
« قال في الدروس:
«و لو نذر الحج بولده أو عنه لزم، فان مات الناذر استؤجر عنه من الأصل، و لو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط».
فان موت الولد إنما يوجب عدم التمكن من أحد العدلين و هو الحج به، إذ يمكن الحج عنه بعد موته. فالبناء على السقوط حينئذ ليس إلا من جهة عدم التمكن من أحد العدلين. »
قال فی المسالك :
« و لو مات الولد قبل أن يفعل أحد الأمرين بقي الفرد الآخر، و هو الحج عنه. سواء كان موته قبل تمكنه من الحج بنفسه أم لا، لأن النذر ليس منحصراً في حجه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه.
نعم: لو كان موته قبل تمكن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط، لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه، لأنه أحد الأمرين، و الباقي منهما غیر احدهما الکلی، و هو خیرة الدروس .
و لو قيل بوجوب الحج عنه كان قوياً، لأن الحج عنه متعلق النذر أيضاً، و هو ممكن. و نمنع اشتراط القدرة على جميع أفراد المخير بينهما في وجوب أحدهما.
كما لو نذر الصدقة بدرهم، فان متعلقه أمر كلي، و هو مخير في الصدقة بأي درهم اتفق من ماله. و لو فرض ذهابه إلا درهماً واحداً وجب الصدقة به».
و في الجواهر: «فيه: أن الفرق واضح بين ما ذكره من المثال و بين ما سمعته من الدروس».
و حاصل ما ذكره في الفرق: أن عدم التمكن من بعض الأفراد - في المثال - طارئ بعد التمكن، و فيما ذكره في الدروس قبل التمكن حسبما فرضه. و هو كما ذكر.
لكن يكفي في الاشكال:
النقض بغيره من الأمثلة، مثل: ما لو نذر التصدق بدرهم كلي وكان بعض دراهمه مغصوبة، و أمثال ذلك من الموارد التي يكون بعض أفراد المنذور غير مقدور.
و الالتزام ببطلان النذر في مثل ذلك خلاف المقطوع به. مع أنك عرفت أن دليل اعتبار القدرة لا يشمل مثل ذلك، و لا يصلح لتقييد أدلة النفوذ و الصحة.»[1].
و أفاد السید الخوئی (قدس سره) :
« ذكر (قدس سره) أنه إذا نذر أن يحج بنفسه مباشرة أو يُحج غيره انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير، و إذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً بناء على ثبوت وجوب القضاء في الحجّ النذري، و إذا طرأ العجز من أحدهما معيناً تعين الآخر كما هو الحال في جميع الواجبات التخييرية، فإن العجز عن أحد الواجبين التخييريّين لا يوجب سقوط الواجب الآخر بالضرورة.
لأن المفروض أن الواجب هو الجامع و هو أحد الأمرين، و لو تعين عليه أحدهما و تركه أيضاً حتى مات يجب القضاء عنه بناء على وجوب القضاء.
و هل الواجب في القضاء التعيين أو التخيير؟
بمعنى أنه لو تعين عليه أحد الواجبين بطروء العجز و تركه أيضاً هل يقضى عنه ما تعيّن عليه أو يقضى عنه مخيّراً؟
ربما يقال:
بقضاء المتعيّن عليه، لأنّ الواجب عليه في حال حياته خصوص هذا العدل، و الفائت عنه مما هو وظيفته خصوص هذا الفرد.
و أجاب عنه:
بأن الواجب عليه أصالة كان على وجه التخيير، و الفائت هو الواجب المخير، و لا عبرة بالتعيين العرضي فإن التعيين الطارئ القهري في حال الحياة لا يوجب التعيين حال القضاء، نظير كفارة الخصال الثابتة للإفطار في شهر رمضان فإنه لو كان عاجزاً عن بعض الخصال حال حياته ثمّ مات يجب الإخراج من تركته مخيراً.
توضيحه:
أن العجز عن بعض الأفراد لا يوجب التعيين في الباقي، لأنّ المتمكّن منه من أفراد الواجب إنما وجب عليه من باب العنوان الكلي، بمعنى أن الواجب الأصلي عليه شرعاً هو العنوان الكلي، و إنما تعين عليه هذا الفرد بخصوصه بحكم العقل لعجزه عن الفرد الآخر، و الخصوصية الفردية غير دخيلة في الحكم الشرعي و إنما الخصوصية للإلزام العقلي.
نظير:
تعين وجوب الصلاة بآخر الوَقت لمن ترك الصلاة قبل ذلك، فإن تعين ذلك بآخر الوقت غير دخيل في الحكم و في الوقت المحدد لها، و إنما تعيّن الوجوب بهذا الوقت بحكم العقل و إلّا فالواجب هو إتيان الصلاة من الزوال إلى الغروب، و الخصوصيات الفردية من حيث الزمان أو المكان غير دخيلة في الواجب.
و لا فرق بين الواجبات التخييرية الطولية بحسب الزمان و الواجبات التخييرية العرضية بحسب الأفراد.
و بالجملة:
ما فات عنه هو الجامع، و الذي فات عنه يجب قضاؤه، و لا يقاس المقام بقضاء المسافر صلاته قصراً إذا تركها في موارد التخيير، فإن المسافر يجب عليه القصر إلّا المتمكن من القصر و التمام في موارد التخيير فيما إذا وسع الوقت لهما، و أما إذا ضاق الوقت عن التمام يتعين عليه القصر و لا يثبت له التخيير لعدم تمكنه من التمام و القصر، فإذا تعين عليه القصر كما إذا فرضنا أنه لم يصل فالفائت عنه ما تعين عليه و هو القصر، و يجب قضاء ما فات عنه.
و بعبارة اخرى:
وظيفة المسافر إنما هي الصلاة قصراً، و إنما يتخير بينهما فيما إذا وسع الوقت لهما، و أمّا إذا أخّر الصلاة بحيث لا يسع الوقت للتمام يتعين عليه القصر و إذا ترك الصلاة فالفائت عنه هو القصر و يجب قضاؤه. على أنّ التخيير ثابت في الأداء لا في القضاء.
و السر ما ذكرناه:
من أن الواجب التخييري لا ينقلب إلى التعيين شرعاً بتعذر بعض الأفراد و إنما يتعين بعض الأفراد بحكم العقل بعد العجز عن إتيان الفرد الآخر.
و الحاصل:
طروء العجز على أحدهما في حال حياته لا يوجب تعيّن القضاء به لأنّ وجوب أحدهما المعين وجوب عقلي، لتوقف الامتثال على إتيان الفرد المقدور و إلّا فالواجب عليه أوّلاً و أصالة إنما هو الجامع بين الأمرين.
هذا كلّه فيما لو كان متمكِّناً من الفردين حال النذر.
و أمّا لو كان حال النذر غير متمكن إلّا من أحدهما معيّناً و لم يتمكّن من الآخر إلى إن مات – کما اذا کان شیخاً کبیراً او مریضاً لایمکن من الحج مباشرة ، و لکنه متمکن من الاحجاج .
[1] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقی، ج 10، ص 348 – 349 .