بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی و نه
ففیه وجوه ثلاثة :
الأوّل:
انعقاد النذر، و يتخيّر في القضاء و إن لم يتمكن من أحدهما في حال حياته كما في مسألة الخصال، فإن الإخراج من تركته على وجه التخيير و إن لم يكن في حال حياته متمكناً إلّا من البعض.
الثاني:
أن النذر ينعقد بالنسبة إلى المقدور و أما بالنسبة إلى غيره فلا، لاعتبار التمكّن في متعلق النذر، فيختص القضاء بالذي كان متمكناً منه.
الثالث:
ما نسب إلى الشهيد (قدس سره) من عدم انعقاد النذر حتى بالنسبة إلى الفرد المقدور، لأن متعلق النذر هو أحد الفردين على وجه التخيير و مع تعذر أحدهما لا يكون الوجوب تخييرياً، فما تعلق به النذر غير قابل للصحة لعدم التمكن منه و ما هو قابل لذلك لم ينذره .
و الصحيح هو الوجه الأوّل:
لو ذلك لأن الوجوب التخييري سواء كان أصلياً ككفّارة الخصال أو كان التزامياً و عرضياً كتعلق النذر بأحد شيئين إنما يتعلق بالجامع بين الأمرين أو الأُمور، و الخصوصيات الفردية غير دخيلة في الواجب.
فالواجب التخييري الشرعي من حيث الخصوصيات كالتخيير العقلي بين الأفراد الطولية أو العرضية فإن هذه الخصوصيات غير دخيلة في الواجب، و التمكن و عدمه إنما يلاحظان بالنسبة إلى متعلق الوجوب و نفس المأمور به لا بالنسبة إلى الخصوصيات الخارجة عن المأمور به التي لا دخل لها في متعلق التكليف، و النذر إذا كان متعلقاً بأحد أمرين و بالجامع بينهما يكون الواجب شرعاً هو الجامع لأن الشارع يمضي ما التزم الناذر على نفسه.
و الحاصل:
أن الوجوب التخييري ما تعلق بالجامع بين الأمرين، نظير:
وجوب إعطاء الزكاة لطبيعي الفقير، و هكذا لو نذر أن يعطي درهماً للفقير.
يتعلّق الوجوب بالجامع و المكلف مخير في تطبيق الحكم على أي فرد شاء، و التطبيق بحكم العقل فالتخيير الشرعي كالعقلي من هذه الجهة سواء كان تخييرياً أصلياً ككفارة الخصال أو تخييرياً جعلياً كموارد النذر، فإن التخيير العقلي ما تعلق الوجوب بالجامع الذي له عنوان خاص، و التخيير الشرعي ما كان له جامع انتزاعي و هو عنوان أحدهما، و إلّا ففي الواقع لا فرق بينهما في إلغاء الخصوصيات في كلا الموردين و لا شبهة في صحّة تعلق الأمر بالعنوان الانتزاعي كعنوان أحدهما، لأنه مقدور للمكلف و إن كان بعض الأفراد غير مقدور له.
و بالجملة:
الجامع الذي تعلّق به الوجوب مقدور له، و العبرة بالتمكن منه و إن كان بعض أفراده غير مقدور له، و الملتزم به في باب النذر المتعلق بأحد الأمرين هو الجامع لا التخيير حتى يقال بأنّ ما التزم به غير قابل للجعل، لأن مع تعذر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً، و ما هو قابل له غير ملتزم به و هو الفرد الممكن خاصة، بل الذي التزم به هو الجامع و هو مقدور له و إن كان تمكنه في ضمن فرد دون آخر.
و أما ما ذكر من انعقاد النذر بالنسبة إلى المقدور فقط و اختصاص القضاء به،
ففيه:
ما عرفت من أن القدرة معتبرة في متعلق النذر لا في الأمر الخارج عنه كالخصوصيات، و المفروض أن متعلق النذر هو الجامع الانتزاعي بينهما و هو مقدور له.
و بما ذكرنا ظهر:
أنه إذا مات الناذر لا يختص وجوب القضاء بالنسبة إلى ما كان مقدوراً له، بل لو كان مقدوراً للوارث يأتي به قضاء عن الميت و إن لم يكن مقدوراً للميت.
كما لو نذر الميت أن يعطي درهماً للفقير و لم يكن متمكناً من إعطائه إلى زيد و كان متمكناً من إعطائه إلى عمرو خاصة و مات قبل الإعطاء لا يجب على الوارث أن يعطي الدرهم إلى عمرو بخصوصه.
و ذلك: لأن الملتزم به إعطاء الدرهم إلى الفقير الجامع بين الأفراد و هو صادق على كل من زيد و عمرو.
و بما ذكرنا ظهر أيضاً فساد ما نسب إلى الدروس من بطلان النذر و عدم انعقاده أصلاً، إذ لا وجه له بعد ما عرفت أن متعلق النذر هو الجامع و هو مقدور له.»[1]
ثمَّ أنَّه أفاد السیَّد الأصفهانی فی ذیل قوله: (إذا نذر أن يَحجّ أو يُحجَّ انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير، وإذا تركهما حتّى مات يجب القضاء عنه مخيّرا...)
بين استئجار مَن ينوب عنه، وإحجاج شخص بماله. »
و مثله ما فی حاشیة السید البروجردی .
و أفاد السید الخوئی :
« لا یبعد عدم وجوب قضاء شيء منهما »
و أفاد السیَّد کاشف الغطاء فی ذیل قوله : (و لا عبرة بالیقین العرضی)
« إذا تعذّر أحد فردَي الواجب التخييريّ تعيَّن الآخر، ولا يبقى التخيير بين الممكنوبدل المتعذّر، والقضاء بدل، فلا وجه لبقاء التخيير بينه وبين الإحجاج.
فالأولى أن يُجعل المثال ما لو نذر أن يحجّ زيداً أو عمراً وتعذّر أحدهما في حياته ثمّ أمكن بعد وفاته، فهل يعود التخيير، أو يتعيَّن الممكن في حياته؟ فتدبّره جيّداً.»
و أفاد السید البروجردی فی ذیل قوله : (نعم، لو كان حال النذر غير متمكّنٍ إلّامن أحدهما معيّناً ولم يتمكّن من الآخر إلى أن مات أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالّذي كان متمكّناً منه...)
« لکن الأقوی فیه أیضاً هو التخییر»
و أفاد السیَّد الشیرازی :
«لکنه ضعیف »
و أفاد السید الخوئی :
«لکنه بعید جداً »
[1] . السيد الخوئي، مستند العروة ، الحج، ج 1، ص 422 – 426 .