بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه
الثالثة:
ان رادعية الآيات تستلزم الدور.
وأساس محذور الدور في هذا المقام صلاحية السيرة لتخصيص الآيات، فإن عموم الآيات مقتضي النهي عن غير العلم، وكانت السيرة صالحة لتخصيصه بغير مورد السيرة.
وليعلم ان معرضية الدور في مقام دلالة الآيات انما يتوقف علي فرض اعتبار السيرة في حد ومقام يساوي اعتبار الآيات، ومفاده انه كما يمكن تأثير الآيات في السيرة بلسان الردع كذلك يمكن تأثير السيرة في الآيات بلسان التخصيص او التقييد.
وقد التزم صاحب الكفاية بذلك في حاشيته علي المتن بدوران الأمر بينهما في العام المتأخر.
وعليه فإن للسيرة اقتضاء الحجية في عرض اقتضاء العام للحجية، وكما انه يمنع عن اقتضاء العام في حجيته الفعلية قيام الخاص في قباله، كذلك يمنع عن اقتضاء السيرة للحجية قيام الرادع عنها، فلكل منهما حجية تعليقية كما مر تقريبه في كلام المحقق الاصفهاني قدس سره.
وهذا التقريب اي حجية السيرة في عرض حجية الآيات انما تكون قابلۀ للتصویر بضم مقدمۀ:
قابلة للتصوير بضم مقدمة:
وهي ان السيرة العقلائية ليست دليلاً في قبال الدليل الشرعي بحيث تنافيه او تعارضه، بل ان الشارع بما هو احد العقلاء بل رئيسهم لا يختلف مسلكه مع العقلاء، فالسيرة بما هي حجة الا اذا ثبت اختلاف مسلك الشارع معهم، كما ان العام حجة بما هو الا اذا ثبت تخصيصه بورود المخصص، وكما ان العام انما يكشف عن غرض الشارع اذا ورد من قبله، مادام لم يثبت انكساره بالتخصيص، كذلك ان السيرة العقلائية تكشف عن غرض الشارع ما لم يثبت اختلاف مسلكه معهم.
وبما ان المحتاج اليه في مقام احراز اختلاف مسلكه معهم ثبوت الردع، فإنما يكفي في حجية السيرة عدم ثبوت الردع، كما يكفي في حجية العام اي حجيته الفعلية عدم ثبوت المخصص.
وكما ان الشك في اعتبار العام والشك في انكساره بالمخصص مجري اصالة العموم، كذلك ان الشك في حجية السيرة وبمعني اخر الشك في اتحاد مسلك الشارع معهم او اختلافه مجري اصالة عدم اختلاف مسلكه، ونتيجته ثبوت حجية السيرة عند الشك في ذلك.
وعليه: فإن نفس استلزام محذور الدور ينتج حجية السيرة، لأن بعد ابتلاء ما يحتمل رادعيته، وإن شئت قلت: ما تحرز رادعيته بالمنافي والمعارض فإنه لا تثبت الرادعية ونتيجته حجية السيرة بما مر.
فإن قلت:
اذا كان نفس ابتلاء عمومات الناهية بالدور توجب حجية السيرة، فلا حاجة الي التمسك باستصحاب حجية السيرة قبل ورود الآيات ونزولها، لأن مجري الاستصحاب الشك في الحجية، والمفروض انه لا شك في حجية السيرة مع عدم ثبوت الردعية بالآيات.
قلت:
انه يجري ما جري في طرف السيرة، في جانب العام ايضاً، لأن السيرة بعنوان المخصص انما تبتلي بالمانع والمحذور، ومعه لا يثبت تخصيص العام، ومع عدم ثبوت المخصص بأي وجه فإنه تجري اصالة العموم، فيكون العام حجة، لأنه يكفي في حجيته الشك في ثبوت المخصص.
وعليه فإن كل واحد من السيرة ـ في فرض كونها مخصصة للعمومات الناهية ـ والعام ـ في فرض كونه رادعاً عن السيرة ـ حجة فعلية، لعدم ابتلاء العام بالمخصص، وعدم ابتلاء السيرة بالرادع، ولكن مع ذلك لا يمكن الالتزام بحجيتهما الفعلية معاً لاستلزامه الجمع بين المتنافيين.
ودوران الأمر بين حجيتها.
وهذا المحذور هو الذي اوجب ذهاب صاحب الكفاية الي التمسك باستصحاب حجية السيرة قبل ورود الآيات، ومراده ان قبل نزول الآيات فلا كلام ولا بحث عن رادعيتها، كما لا بحث عن مخصصية السيرة لها، فهناك حجية فعلية للسيرة ثابتة قبل ورود الآيات وقبل مجيئ محذور دوران الأمر بين المتنافيين فنلتزم باستصحابها.
ولو امكن فرض حل هذا الدوران بتقديم العام او تقديم السيرة فلا تصل النوبة الي التمسك بالاستصحاب المزبور.
وقد مر محتملاته في كلمات المحقق الاصفهاني، وأنه ارجع الأمر في النهاية الي تصوير المقام بتقدم السيرة زماناً وتأخر العام ودوران الأمر بين التخصيص والنسخ وتقدم التخصيص فتكون النتيجة حجية السيرة وعدم رادعية العام لها.
ولكن هذا كله مع تسلم رادعية الآيات الناهية عن السيرة الجارية علي العمل علي وفق الحالة السابقة بين العقلاء، وكونها ناظرة الي الجري العملي لهم في ذلك وهو الوجه الاخير في كلام صاحب الكفاية وعلي فرض التسلم.
ثم انه قد مر خروج السيرة عن الآيات الناهية موضوعاً وتخصصاً في جملة من كلمات الاعلام.