بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و دوم
وأساس نظر المحقق الاصفهاني قدس سره في خروج مورد الاستصحاب عن الآيات الناهية بالتخصص في كلامه:
«... ان لسان النهي عن اتباع الظن وأنه لا يغني من الحق شيئا ليس لسان التعبد بأمر على خلاف الطريقة العقلائية بل من باب إيكال الامر إلى عقل المكلف ، من حيث أن الظن بما هو ظن لا مسوغ للاعتماد عليه والركون إليه ، فلا نظر إلى ما استقرت عليه سيرة العقلاء - بما هم عقلاء - على اتباعه من حيث كونه خبر الثقة .
ولذا كان الرواة يسألون عن وثاقة الراوي ، للفراغ عن لزوم اتباع روايته بعد فرض وثاقته ، كما أن أخبار ( لا تنقض اليقين ) أيضا كذلك ، - كما سيأتي إن شاء الله تعالى
فان تعليل الحكم بأمر تعبدي لا معنى له ، بل الظاهر تعليله بما هو المرتكز في أذهان العقلاء من التمسك باليقين لوثاقته».[1]
وظاهره ان العمل بالخبر او علي وفق الحالة السابقة في السيرة انما كان لأجل ان العمل بالخبر الثقة موثوق به عندهم، كما ان العمل علي وفق الحالة السابقة عمل بما يوثق به في ارتكازهم.
فليس عملهم من باب صدق العلم علي الظن بالنظر العرفي، بل من جهة ان مورد الوثوق خارج عن العمل بالظن، وأن العمومات الناهية عن العمل بالظن لسانه ايكال الأمر الي عقل المكلف، من ان الظن بما هو ظن لا مسوغ للاعتماد عليه والركون اليه.
وعليه، فإن العقلاء مع توجهم بأن الظن بما هو ظن لا ينبغي الاعتماد عليه والركون عليه، استقرت سيرتهم علي العمل بالخبر والعمل علي وفق الحالة السابقة، بما هو عقلاء.
وبالجملة ان حجة الخبر او حجية الاستصحاب عندهم ليس من باب حجية الظن لينافي عموم الآيات.
وعليه فإن ما افاده الاعلام الثلاثة يرجع الي امر واحد، وهو خروج مورد السيرة عن الآيات الناهية بالتخصص، وان خصّه كل واحد منهم ببيان خاص له.
ويمكن ان يقال:
انه قد مر ان اساس السيرة العقلائية جريهم العملي، والعمل الجمعي وإن العمل بينهم انما كان لاجل ارتكازهم الجمعي بأن لهذا الأمر دخل في حفظ نظامهم.
وهذا الارتكاز الجمعي الباعث لجريهم العملي انما ينشأ من احراز دخله في حفظ نظامهم. ولولا هذا الاحراز الجمعي عندهم لا يتحقق الارتكاز الجمعي، ولولاه لم يتحقق العمل الجمعي المعبر عنه بالجري العملي عندهم.
وفي هذا الاحراز يكفي الوثوق والاطمينان الذي يعبر عند بالعلم العرفي.
وإن كان بينهما فرق عندنا من جهة ان الاطمينان ما لا يري معه احتمال الخلاف، وإن الوثوق ما يري ولا يعتني به لضعفه، فاحتمال الخلاف فيهما موجود واقعاً ووجداناً، الا انه اما لا يري وهو الاطمينان، او يري ولا يعني به وهو الوثوق.
وكلاهما يعبر عنه في عرفهم بالعلم العرفي، او العلم العقلائي، وعليه فمن الواضح عدم شمول الآيات الناهية عن العمل بغير العلم او الناهية عن العمل بالظن له، لأن علم في عرفهم فيخرج عن موضوع الآيات تخصصاً.
هذا مع:
ان ما ورد في كلمات العلام بتعابير مختلفة من ان الموضوع للنهي مولوياً او ارشادياً في هذه الآيات نفس العقلاء، وإن متعلق النهي ما هو غير علم عندهم.
وكذا ان الظن المتعلق للنهي في هذه الآيات والأخبار ما هو الظن عندهم، وأنه لا يغني من الحق شيئاً ارشاد الي ارتكازهم ووجهه واضح علي ما بيناه.
لأن في الظن احتمال الخلاف، ولا يتحقق الاحراز به الا فيما كان احتمال الخلاف مما لا يري، او يري ولا يعتني به، فما يري فيه احتمال الخلاف ويعني به لا يوجب الاحراز الذي يتوقف ارتكازهم علي ذلك.
فعدم غناء الظن عن الواقع امر مرتكز عندهم بهذا البيان، وليس للشارع في المقام الا التنبيه علي هذا الارتكاز.
هذا، وما مر من المحقق النائيني قدس سره من ان موارد السيرة بأجمعها خارجة عن موضوع الآيات الناهية امر قابل للدقة جداً، وراجع الي ما تقدم من البيان.
ثم:
ان السيرة العقلائية الجارية علي العمل علي وفق الحالة السابقة لو لم تكن اقوي من سيرتهم الجارية علي العمل بخبر الثقة فلا اقل من تساويهما، كما مر في كلام المحقق النائيني قدس سره، ومعه فلا ندري وجه عدول صاحب الكفاية قدس سره في المقام عما افاده في بحث الخبر من التأمل في رادعية الآيات الناهية بوجوه ثلاثة، مع ان الوجوه المذكورة بعينها جارية في المقام، ولو فرض ابتلاء الرادعية هناك بمحذور الدور دون المقام مع عدم تمامية الفصل بين المقامين من هذه الجهة، ان محذور ارشادية الآيات الناهية الي عدم كفاية الظن في اصول الدين، او محذور تقييد الاطلاق فيها، بما اذا لم تقم علي اعتباره حجة، او انصرافها الي ذلك محذور في نفس دلالة الآيات ولا ربط لها بسيرة دون سيرة.
ومن المعلوم ان السيرة الجارية في المقام مما لا شبهة في قوة شيوعها في جميع امورهم من المعاملات والمرافعات وغيرهما، فإن الوكيل عن غيره في امر هل يشك في كل مورد اراد اعمال وكالته في بقاء وكالته او بقاء عمر مولكه، فيتوقف حتي حصل له العلم بهما؟ او انه يعمل علي وفق ما تيقن به سابقا، وكذلك لا تأمل في شيوع السيرة المذكورة في معاملاتهم وحتي عادياتهم.
وعليه فإنه لو اراد الشارع رد مثل هذه السيرة التي يبني عليها اساس امورهم يلزمه الردع عنها بخصوصها، وبوجوه مختلفة مناسبة لشيوع السيرة كما هو الحال في ردعه عن القياس، ولا يكفي الردع في مثل هذه السيرة بعمومات او اطلاقات يصعب استظهار شمولها لها لعامة الناس.
هذا مع:
انه من الممكن ادعاء ان السيرة العقلائية الجارية علي العمل علي وفق الحالة السابقة لم يرد ردع عنها من الشارع، بل ان ما ورد من الشارع هو امضاء السيرة المذكورة بنصوص الاستصحاب، وسيأتي ان لسانها لسان الأمر بابقاء اليقين حسب ما هو المرتكز في اذهانهم، لا انه امر تعبدي صرف، وسيأتي تفصيل الكلام في ذلك، كما ان السيرة العقلائية الجارية علي العمل بخبر الثقة كان ممضاة من ناحية الشارع بما دل علي اعتبار خبر الثقة كما مر في محله، وأكد عليه المحقّق النائيني قدس سره هناك.
وبالجملة: ان السيرة العقلائية الجارية في المقام لا محذور في عدها من ادلة اعتبار الاستصحاب.
نعم: يمكن ان يقال:
ان هذه السيرة لا كلام في استقرارها بينهم علي العمل علي وفق الحالة السابقة عند الشك في رافعها والشك في حدوث الرافع.
وأما في الشك في المقتضي فربما يتأمل فيه من جهة ان جريهم علي البقاء عملاً مع عدم احرازهم لقابلية البقاء في المقتضي اما غير ثابت كما عليه المحقق النائيني قدس سره فيما سبق من كلامه، او انها ليست بقوة مورد الشك في الرافع عندهم.
كفاية احراز قابلية المقتضي للبقاء الا ان موضوع الشك فيه امتداد هذه القابلية الي زمان الشك ام لا، ولا يبعد دعوي بناء العقلاء علي ذلك.
وعدم التعرض له في البحث عن بنائهم انما كان لأجل ان غالب موارد الاستصحاب هو الشك في الرافع مع احراز اليقين في السابق، ولذا نري ذلك في ذكر الامثلة وتطبيقها علي موارد عملهم اسهل، دون موارد الشك في المقتضي.
هذا ولكن ما يسهل الخطب، ان في موارد قيام السيرة العقلائية يلزم احرازه، اي احراز جريهم العملي علي امر ولو بالاستقراء، ومع الشك في ثبوت السيرة كان مقتضي القاعدة عدم ثبوته.
[1]. الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 3، ص36.