بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و ششم
ثم أفاد السيد الحكيم (قدس سره) في ذيل قول صاحب العروة:
«مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الوجوب مع رجاء الزوال»[1]:
« في الجواهر عن المنتهى: الإجماع على عدم وجوب الاستنابة مع رجاء زوال العذر. و ربما يشهد له التتبع. و في المدارك: «إجماعاً، قاله في التذكرة و المنتهى ..». لكن في الخلاف: «إذا كان به علة يرجى زوالها- مثل الحمى و غيرها- فأحج رجلا عن نفسه ثمَّ مات، أجزأه عن حجة الإسلام. ثمَّ ادعى إجماع الفرقة و الأخبار ..».
لكنه غير ظاهر في الوجوب، و لا في الاجزاء على تقدير البرء. و في الدروس: «الأقرب أن وجوب الاستنابة فوري إن يئس من البرء، و إلا استحب الفور».و ظاهره الوجوب مع عدم اليأس. لكن قوله بعد ذلك: «لو استناب المعضوب فشفي انفسخت النيابة ..» ظاهر في كون الوجوب تابعاً لبقاء العذر واقعاً، فاذا زال انكشف عدم الوجوب.
إلا أن يقال: إن كلامه الأخير يختص بما إذا كان زوال العذر في تلك السنة، فلا يشمل ما لو استمر في تلك السنة و زال بعد ذلك. و عن الحدائق: اختيار الوجوب مع الرجاء و اليأس، تمسكاً بظاهر الأخبار. و هو قريب بناء على الوجوب. لكن العمل بها- بعد إعراض الأصحاب عنها- كما ترى.
إلا أن يحتمل بناؤهم على ظهورها في المأيوس- كما في المدارك الجزم به- فاذا تبين ظهورها في غير المأيوس لم يكن إعراضهم موهناً.
و بالجملة: ظهور بعض النصوص في الأعم من صورتي اليأس و الرجاء غير بعيد، فاذا اختصت بمن استقر الحج في ذمته فقد دلت على وجوب الاستنابة في الصورتين فيه، و إن عمت من لم يستقر الحج في ذمته فقد دلت على وجوبها في الصورتين أيضاً. و الإجماع على اختصاص الاستنابة بصورة اليأس لم يثبت على نحو ترفع به اليد عن إطلاق الأدلة و إن كان محتملا، إذ لم يعثر على مصرح بخلافه. فلاحظ.
و الذي ينبغي أن يقال: إن اليأس و الرجاء مما لم يتعرض لموضوعيتهما للبدلية في النصوص المتقدمة، و ليس فيها إشارة إلى ذلك و لا تلويح، و إنما المذكور فيها نفس العذر.
نعم نصوص الشيخ الكبير ظاهرة- بملاحظة موردها- في العذر المستمر . و صحيح الحلبي و خبر علي بن أبي حمزة ظاهران في العذر المانع عن الحج، فان كان إطلاقهما شاملا للعذر في السنة كان مقتضاهما مشروعية الاستنابة و النيابة و لو مع العلم بارتفاع العذر، و إن كانا مختصين بالعذر المستمر كان حالهما حال نصوص الشيخ الكبير.
و على كل حال فليس في شيء من النصوص تعرض للرجاء و لا لليأس من حيث موضوعيتهما للنيابة و الاستنابة. و عليه فالمدار- في مشروعية النيابة و عدمها- وجود العذر و عدمه واقعاً.
نعم الإشكال في الاكتفاء بالعذر في السنة، كما قد يظهر بدواً من صحيح الحلبي و نحوه. لكن يشكل ذلك:
أولا: بأن لازمه وجوب الاستنابة مع العلم بزوال العذر في السنة اللاحقة، و لا يظن من أحد التزام ذلك، إذ قد عرفت أن اعتبار اليأس مظنة الإجماع.
و إذا أمكن التنازل عن ذلك ألحق الرجاء باليأس، كما تقدم عن الدروس و الحدائق. أما مع العلم بالارتفاع فشيء لم يحتمله أحد.
و ثانياً: بأن المقام من قبيل سائر موارد جعل البدل الاضطراري.
و التحقيق: أن إطلاق دليل البدلية الاضطرارية و ان كان يقتضي ثبوت البدلية بمجرد تحقق الاضطرار وقتاً ما، لكن مناسبة الحكم و الموضوع و الارتكاز العقلائي في باب الضرورات يقتضي حمله على الاضطرار الى ترك الواجب بجميع أفراده التدريجية، فيختص بالعذر المستمر.
فيكون المراد منقوله (ع): «حال بينه و بين الحج مرض ..» أنه حال على نحو لم يتمكن من الحج إلى آخر عمره، لا أنه لم يتمكن منه في سنة من السنين.
كل ذلك للارتكاز العرفي في باب الضرورات، كما أشرنا إلى ذلك في موارد كثيرة من هذا الشرح. و عليه تكون الروايتان- كغيرهما من روايات الشيخ- ظاهرة في العذر المستمر المانع من أداء الفرض في جميع الأوقات. مضافاً إلى أن الروايتين قد اشتملتا على ما لم يقل أحد بوجوبه، من استنابة الصرورة، الموجب لحملها على الاستحباب.
فيحتمل أن يكون المراد منهما: استحباب إحجاج غيره عن نفسه لا بعنوان النيابة، كما احتمله في الجواهر.
و كيف كان لا مجال للبناء على وجوب الاستنابة مع العذر في السنة إذا كان يرتفع بعدها.
و من ذلك يظهر: أن دعوى ظهور الأخبار في اليأس- كما في المدارك حيث قال: «و إنما تجب الاستنابة مع اليأس من البرء. و لو رجا البرء لم يجب عليه الاستنابة إجماعاً، قاله في التذكرة و المنتهى. تمسكاً بمقتضى الأصل، السالم من معارضة الأخبار المتقدمة، إذ المتبادر منها تعلق الوجوب بمن حصل له اليأس من زوال المانع ..»- أو في اليأس و الرجاء- كما عن الحدائق، كما تقدم- ليس كما ينبغي.
لقصور الأخبار عن التعرض لهذه الجهة، لأنها واردة في مقام بيان حكم العذر الواقعي، و اليأس من ارتفاعه و رجاء ارتفاعه أمران آخران أجنبيان عنه، كما عرفت.
[1] . اليزدي، العروة الوثقى، المحشى، ج4، ص435.