بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و یکم
الثالث:
إنّ صاحب العروة مع عدم إستبعاده لاطلاق وجوب الاستنابة بمقتضى الاخبار الثلاثة في الطائفة الثانية لا يفتي صريحاً بوجوبها عند اليأس من زوال العذر وإنّما اكتفى بما أفاد:
« وهي ـ الاخبار المطلقة المذكورة ـ وإن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال وعدمه ، لكن المنساق من بعضها ذلك . مضافا إلى ظهور الاجماع على عدم الوجوب ، مع رجاء الزوال »
وهو ظاهر في ميله الى القول بتقييد وجوب الاستنابة باليأس عن زوال العذر.
وظاهر ما افاده في المقام بقوله:
« والظاهر فورية الوجوب ، كما في صورة المباشرة »
رجوعه الى ما مال اليه من وجوب الاستنابة مع اليأس.
ولكنَّ قوله بعد ذلك:
« ومع بقاء العذر إلى أن مات يحزيه حج النائب فلا يجب القضاء عنه وإن كان مستقرا عليه »[1]
ربما يظهر منه شمول الالتزام بالفورية في ما هو أعم من الإستنابة عند اليأس من زوال العذر.
ولعله يحكي عن نحو تأمل له في المسألة.
ولذلك نقول:
ان الالتزام بالفورية في فرض القول بوجوبها في المقام انما يتم تصويرها في صورة اليأس من زوال العذر.
واما اذا لم يحصل له اليأس بل رجي زواله فلا موضوع فيه لوجوب الفورية.
وذلك:
لما مرَّ من أنّ ادلة النيابة ظاهرة في وجوب الاستنابة عند العذر المستمر واقعاً، ولا طريق الى إحرازه الا حصول اليأس من زوال العذر.
واما في صورة رجاء زواله وعدم حصول اليأس فانه لا طريق له الى إحراز العذر الواقعي الموجب لوجوب الاستنابة. فلا تجب عليه الاستنابة فضلاً عن فورية الوجوب.
بل إنّ مع حصول اليأس وتحقق الطريق الى ذلك ظاهراً لو اتفق زوال العذر، فان في كفاية النيابة تأمل جداً كما سيجئي إنْ شاء الله وان كان ظاهر صاحب العروة الاجزاء.
وذلك لامكان القول بانصراف ادلة النيابة عن مثله وإنَّ اليأس طريق ظاهري، ولا وجه لكفايته عند احراز الخلاف الا أنْ يقوم دليل على الكفاية كالسيرة او الاجماع.
وبالجملة:
ان مع الالتزام باختصاص الادلة بصورة استقرار الحج في الذمة وانه يجب الاستنابة في خصوصه، وقيدنا الوجوب بصورة اليأس عن زوال العذر، فانه دليل على فورية هذا الوجوب الا ما يقتضي مطلوبيتها واستحبابها.
واما مع رجاء الزوال، فانه لا اقتضاء لادلة النيابة لوجوب الاستنابة حتى في الحج المستقر على الذمة فضلاً عن فوريته.
الفرع الخامس:
قال صاحب العروة (قدس سره):
« وإن اتّفق ارتفاع العذر بعد ذلك فالمشهور أنّه يجب عليه مباشرة و إن كان بعد إتيان النائب،بل ربما يدّعى عدم الخلاف فيه، لكن الأقوى عدم الوجوب لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الّذي كان واجباً على المنوب عنه، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه، و لا دليل على وجوبه مرّة أُخرى، بل لو قلنا: باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب، بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه، و معه لا وجه لدعوى أنّ المستحبّ لا يجزى عن الواجب، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحبّ نفس ما كان واجباً، و المفروض في المقام أنّه هو...»[2]
وحاصله:
انه اذا اتفق بعد إتيان النائب الحج إرتفاع العذر، فهل يجب على المنوب عنه الاتيان بما وجب عليه من الحج بعدم كفاية حج النائب عنه، او أنّه يكفي عمل النائب عن الحج الواجب عليه؟
ذهب المشهور الى وجوب إتيان المنوب عنه و عدم كفاية حج النائب عنه و إنْ كان بعد إتيانه.
و افاد صاحب العروة (قدس سره): بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه قال المحقق النراقي في المستند:
« من غير خلاف صريح بينهم أجده، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا و عن ظاهر التذكرة. أنّه لا خلاف فيه بين علمائنا، »[3]
ثم إنَّ صاحب العروة (قدس سره) ذهب الى عدم وجوب الحج على المنوب عنه في المقام و قرره الاقوى في قبال ما التزم به المشهور من الوجوب.
وافاد في مقام الاستدلال: بأنَّ ما أتى به النائب هو نفس ما كان واجباً على المنوب عنه حسب ما يستظهر من اخبار وجوب الاستنابة. فاذا اتى النائب بالحج، فقد حصل ما كان واجباً عليه، ولا دليل على وجوبه ثانياً.
وصريح أكثر أعلام العصر الالتزام بمقالة المشهور.
[1] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، المحشى، ج4، ص335.
[2] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص435-457.
[3] . النراقى، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج11، ص75.