بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و یکم
ويمكن ان يقال:
انه قد عرفت ان بالنسبة الي هذا الوجه تقارير:
1 ـ ما مر عن العضدي بأن ما تحقق وجوده، ولم يعلم او لا يظن عدمه فهو مظنون البقاء.
2 ـ ما افاده السيد الصدر.
وأساسه: انه ليس اليقين المتقدم بنفسه علة للظن ببقائه بل ان العلة هي كون الاغلب في افراد الممكن القار ان يستمر وجوده بعد التحقق، ففي كل مورد شك في بقاء المتيقن السابق نحكم بالبقاء الحاقاً بالأعم الأغلب، بلا فرق في ذلك بين الوجود والعدم.
3 ـ ما افاده صاحب القوانين.
وأساسه توجيه ما افاده السيد الصدر وأن الموجب لحصول الظن الغلبة وهي تحصل بالاستقراء. ومقتضاه وإن كان اختلاف حد الدوام والاستمرار بحسب الانواع والاصناف. الا ان مع قطع النظر عن هذا التفاوت فإن ثبوت الممكنات القارة انما يوجب حصول الظن باستمرارها غالباً ومعه يمكن الالتزام به في ما جهل حاله بلحاظ البقاء وعدمه.
وأفاد بأن بالنسبة الي خصوص الحكم ولحاظ الاحكام الصادرة من الموالي الي العباد فإنه يحصل لنا الظن ببقائها بحسب الغلبة.
لأنه لولا البقاء والاستمرار فيها لا يفيد صدور الحكم ولا يؤثر بالنسبة الي افعال العباد، ففي كل مورد جهل حاله يحكم بالبقاء والاستمرار لأجل الغلبة.
اما بالنسبة الي التقريب الاول:
فإنه يمكن المناقشة فيه:
بأن فقدان العلم او الظن بالبقاء لا يلازم الظن ببقاء ما تحقق وجوده سابقاً. لأنه يمكن تصوير الشك في البقاء والانتفاء في فرض تساوي الاحتمالين مع انه ليس لنا علم بالانتفاء ولا ظن به، بلا فرق في ذلك بين الظن النوعي او الظن الشخصي والشيخ قدس سره وإن ارجع هذا الوجه الي الغلبة الا ان في ظاهر كلام العضدي لم نجد ذكراً عنها، ولعله توجيه للوجه المذكور.
وأما التقريب الثاني:
فإن ما افاده السيد الصدر وإن كان وجهاً لتوجيه كلام العضدي الا انه قدس سره متوجهاً الي ما مر من الاشكال وعدم كفاية نفس الوجه قرر الاساس كون الظن بالبقاء من اقتضاء الغلبة في الممكنات القارة.
ومثله التقريب الثالث مع زيادة في الدقة في الاقتضاء المذكور.
وتمام المشكل فيه اقتضاء الغلبة لحصول الظن ووجهه.
انه لا شبهة في ثبوت الاستمرار في الموجودات القارة، ولكن الكلام في حد هذا الاستمرار والبقاء، فإنه كما لا يمكن نفيه كذلك لا يمكن الالتزام بالاستمرار الي الابد، وبما ان الدوام والاستمرار يختلف حده بحسب الاجناس والانواع والاصناف فلا يمكن تصوير جامع بين الموجودات القارة بأجمعها كان هو المقتضي لحصول الظن بالبقاء كما مر في كلام شيخنا الاعظم قدس الله سره.
نعم، يمكن تصوير البقاء والاستمرار في الجملة الا ان الكلام في رجحان البقاء والاستمرار عند الشك.
وان كان تصويره في الانواع الخاصة او الاصناف الخاصة اسهل.
وببيان آخر:
ان المدعي في كلام السيد وكذا المحقق صاحب القوانين غلبة الظن بالبقاء في موارد الاستصحاب.
ونعلم ان موارد الاستصحاب انما تشمل الأحكام باختلافها جنساً ونوعاً وصنفاً. والموضوعات باختلافها كذلك مع العلم بأن الاختلاف في الموضوعات اكثر.
كما نعلم ان كل متيقن ثبت في زمان وحصل لنا العلم بثبوته فإنه إنما يتحرك العلم بثبوته الي الظن المتاخم للعلم، ثم الظن القوي، ثم الاحتمال الشكي، ثم الاحتمال الوهمي، تدريجاً بحسب زمان البقاء، وكذا بحسب اجناس المتيقن وأنواعه واصنافه، باختلافها وبحسب احوال المكلف، والحالات والمقارنات فيه وفي المتيقن، ومعه فإنه يشكل جداً تصوير حصول الظن بالبقاء في جميع مراتبه بحسب الزمان، لأنه انما يقل احتمال البقاء من الرجحان القوي بل العلم الي الاحتمال الوهمي، ومعه فإنه يشكل حصول الغلبة حتي في الانواع او الاصناف الا اذا اردنا الاستصحاب بعد ثبوت المتيقن بزمان قليل.
هذا مع:
ان في كثير من هذه الموارد كان الحكم بالبقاء من جهة الارتكاز العقلائي بالبقاء في سيرتهم ولا ينشأ عن الظن بالبقاء.
مضافاً:
الي انه يعبر عن هذا الوجه بالوجه العقلي، وأساسه هو ان بقاء ما ثبت سابقاً من ادراكات العقلي العملي، وهو من الادراكات الظني. وأساسه حسن العدل اي حسن وضع كل شيء في محله.
وليعلم انه من الصعب جداً احراز هذا الادراك ولو ظنياً في اكثر موارد الاستصحاب واغلبها حكماً وموضوعاً، خصوصاً مع طول الفاصلة الزمانية بين الشك وثبوت المتيقن، وعليه فما حققه الشيخ قدس سره من نفي الغلبة في محله.
مع انه لو اردنا اعتبار الغلبة لكان ذلك مبتنياً علي الاستقراء التام المقتضي للادراك الظني وهو غير محقق في المقام.
ثم ان بالنسبة الي الاحكام التي خصها صاحب القوانين قدس سره بالذكر من جهة انها من الممكنات القارة، وكذا من الأمور الجارية بين الموالي والعبيد...
فإن ما يلزم الدقة فيه: هو ان الاحكام شرعية كانت او غير شرعية مبنية علي الدوام والاستقرار بذاتها، ولا يعقل تصوير كونها وجودات آينه كما افاده قدس سره.
الا ان هذا انما يتم في استصحاب الاحكام الكلية من حيث بقائها في ذاتها، وهذا لا شبهة فيه، ولذلك اعترف باعتباره فيها من لا يعترف باعتبار الاستصحاب، بل ربما يكون اصالة عدم النسخ وهو استصحاب عدم النسخ من الأصول الجارية عند العقلاء في الأحكام الجارية بين الموالي والعبيد فضلاً عن الشارع.
ولكن الكلام ليس في استصحاب بقاء هذه الأحكام، بل ان موضوع البحث في المقام انما هو الحكم المتعلق بموضوع عند الشك في بقاء الموضوع من جهة طرو بعض الأعراض. كلياً او جزئياً، وكذا في الشك في نفس موضوعات الأحكام من جهة بقائها لطرو بعض ما يعرض عليها بحيث يمكن تأثيرها في انتفاء الموضوعية للحكم فيها، وفي خصوص هذه الموارد انما يسئل عن حد البقاء، وإن كان البقاء في الجملة من المسلمات، الا ان مع عدم وحدة المناط في الأحكام المختلفة وعدم الضابطة المشتركة في بقاء الموضوع حسب انواعها واجناسها واصنافها، فإن تقريب حصول الظن بالبقاء بعد الثبوت السابق في جميع هذه الموارد وجعله دليلاً كلياً قابلاً للاستناد محل تأمل جداً.
بل لا تفيد الغلبة في المقام ولو بحسب الانواع والاصناف ضرورة ان الغلبة انما تفيد وتقتضي الظن بالبقاء اذا كان كاشفاً عن ضابطة مشتركة بين افراد الصنف او النوع قابلة للاحراز اما قطعياً او ظنياً، وثبوت البقاء في الغالب انما يفيد الظن، اذا كاشف عن احراز ظني للضابطة المذكورة، فإن هذا الادراك الظني يوجب الظن بالبقاء.
ولكن مع عدم احراز المناط او الضابطة المشتركة ولو ظنياً بل مع عدم امكان احراز الضابطة فكيف يمكن تصوير البقاء بمقتضي الادراك الظني.
وعليه فإن تمام الكلام في امكان تصوير الغلبة ثم في تصوير الغلبة المقتضية للظن في البقاء.
الا ان يقال:
انه يمكن الدفاع عن مقالة صاحب القوانين بأن من الممكن ادعاء الغلبة وامكان كشف الضابطة بها في بقاء الأحكام علي موضوعاتها بحسب اصنافها، وأن يشكل ذلك بالنسبة الي انواعها او اجناسها و كذا الكلام في الموضوعات.
فإذا احرز امكان البقاء في الأحكام المرتبطة بحسب الصنوف او الموضوعات كذلك، فلا يستبعد احراز مناط مشترك فيها المقتضي للبقاء في اغلبها بحيث يمكن الحكم بالبقاء بمقتضاه في الموارد المشكوكة بالحاقها بالأعم الأغلب.
نعم، يشكل ذلك بالنسبة الي عامة الممكنات القارة، بل بالنسبة الي الاجناس، لكنه لا يشكل تصوير هذا الاشتراط في الاحكام القريبة بحسب الضعف.