بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه دوازده
وقبل الخوض فی بیان ما هو مقتضی التحقیق بیان الفارق بین المسئلۀ الاصولیۀ والقاعدۀ الفقهیة:
فتقول: ان القاعدۀ الفقهیة عرفت فی کلمات الاصحاب بوجوه:
الاول: ما افاده الشیخ 1
بأن المسائل الاصولیة هی البحث عن القواعد الممهدت لاستنباط الاحکام الشرعیة، ویختص اجرائها فی مواردها بالمستنبط والمجتهد لا حظ للمقلد فیها، والقواعد الفقهیة یکون تطبیقها واجرائها فی مواردها بید المقلد ووضحه المحقق النائینی 1 .
قال المحقق النائینی 1 :
« نتيجة المسألة الأصوليّة إنّما تنفع المجتهد و لا حظّ للمقلّد فيها، و من هنا ليس للمجتهد الفتوى بمضمون النتيجة، و لا يجوز له أن يفتي في الرسائل العمليّة بحجيّة الخبر الواحد القائم على الأحكام الشرعيّة مثلا، لأنّ تطبيق النتيجة على الخارجيّات ليس بيد المقلّد بل هو من وظيفة المجتهد. و أمّا النتيجة في القاعدة الفقهيّة فهي تنفع المقلّد، و يجوز للمجتهد الفتوى بها، و يكون أمر تطبيقها بيد المقلّد، كما يفتي بقاعدة التجاوز و الفراغ و الضرر و الحرج و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده و بالعكس، و غير ذلك من القواعد الفقهيّة[1].
ومنها: ما افاده النائینی 1
«أنّ النتيجة في المسألة الأصوليّة إنّما تكون كلّية و لا يمكن أن تكون جزئيّة، و هذا بخلاف النتيجة في القاعدة الفقهيّة فانّها تكون جزئيّة، و لو فرض أنّه في مورد كانت النتيجة كلّيّة ففي مورد آخر تكون جزئيّة. فالمائز بين المسألة الأصوليّة و القاعدة الفقهيّة، هو أنّ النتيجة في المسألة الأصوليّة دائما تكون حكما كلّيّا لا يتعلّق بعمل آحاد المكلّفين إلّا بعد التطبيق الخارجي، و أمّا النتيجة في القاعدة الفقهيّة فقد تكون جزئيّة لا تحتاج في تعلّقها بعمل الآحاد إلى التطبيق، بل غالبا تكون كذلك[2]».
وأفاد السید الخوئی 1 بما حاصله:
ان استفادة الأحكام الشرعية من القاعدة الاصولیة من باب الاستنباط والتوسيط.
بخلاف القواعد الفقهیة ، فان الاحکام الشرعیة المستفادة منها انما هی من باب التطبيق ، بان یطبق مضامينها على المصاديق الخارجیة.
مع ان النتیجة فی القواعد الفقهیة نتیجة شخصیة یخلاف القواعد الاصولیة[3].
ویمکن ان یقال:
انه قد مر فی أوان البحث ان موضوع علم الاصول هو الحجۀ فی الفقه، بمعنی البحث عما یحتج الیه فی مقام الاستنباط، ففی الاصول یبحث عن الدلیل فی الحکم وهو اعم من الدلیل الاجتهادی والفقاهتی، ویعبر عنه بأن نتيجته تقع کبری فی مقام الاستنباط. ولیست هذه النتیجة غیر ما تم کونه دلیلاً وقابلاً للاحتیاج فی استنباط الحکم.
وکل ما یحتج به فی هذا المقام یندرج فی علم الاصول، والاصول العملیۀ داخلۀ فیه، لأن هذه الاصول وإن لم تکن لها طریقیه الی الواقع الا انها قررها الشارع المرجع للفقیه عند عدم الظفر بالدلیل الاجتهادی، وما هو طریق الی الواقع، لأن الاصول العملیة وإن لم تکن دلیلاً بهذا المعنی الا انه یصح الاحتجاج بها فی استنباط الحکم الشرعی، وتکون معذرۀ عند التخلف عن الواقع، کما تکون منجزۀ له عند الاصابۀ کما هو الشأن فی کل حجۀ.
وأما القاعدۀ الفقهیۀ، فهی الحکم المستنبط بمقتضی الادلة المبحوثۀ عنها فی الاصول کالمسئلۀ الفقهیة مثل وجوب صلاة الجمعة، وإنما الفرق بينهما، ان نتيجة القاعدة الفقهية حکم کلی قابل للشمول والانطباق علی مسائل مختلفة وحتی فی الابواب المختلفة.
وأما نتیجۀ المسئلۀ الفقهیة هی الحکم المستنبط علی موضوع خاص مثل حرمۀ العصیر العنبي، فالنتیجة جزئیۀ مقصورۀ علی موضوعه الخاص، وإن کان بحسب المصداق عام، فإنه لیس الحکم مختصاً بعصیر خاص فی مکان خاص، بل یشمل جمیع مصادیق الموضوع المذکور، وعلیه فإن القاعدۀ الفقهیة تفترق عن المسئلۀ الفقهیة بالشمول فی الموضوع، فإن فی قاعدۀ ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده تکون النتیجۀ الحکم بالضمان فی کل معاملۀ فاسدۀ ثبت الضمان فی صحیحها فیشمل المعاملات المختلفة بحسب الموضوع.
وهذا الشمول والتعمیم فی النتیجة بحسب الموضوع یختلف سعۀ وضیقاً فی القواعد الفقهیة المختلفة، فربما تکون مثل قاعدۀ الفراغ تختص بالصلاۀ، وإن کانت الصلاۀ عامۀ من حیث الموضوع بالنسبۀ الی الصلوات المختلفۀ. ـ ان قلنا باختصاصها بباب الصلاۀ ـ وتارۀ تکون مثل قاعدۀ لا ضرر، وقاعدۀ الحرج عاماً بالنسبۀ الی العناوین المختلفة من الفقه والی الابواب المختلفۀ من موضوعاتها.
اذا عرفت هذا:
فقد ظهر ان کلمات الاعلام فی تبیین الفارق بین المسئلۀ الاصولیة والقاعدۀ الفقهیۀ ناظرۀ الی جهۀ من الجهات التی عرفت فی بیان الافتراق، وأحسنها ما مر من السید الخوئی 1 من ان البحث فی المسألة الاصولیة بحث فی مقام استنباط الاحکام، وأما البحث فی القاعدۀ الفقهیۀ بحث فی مقام التطبیق. ای تطبیق مضامینها علی المصادیق الخارجیۀ.
وهو تام فی محله: لأن نتیجة المسألۀ الاصولیة انما تقع کبری فی قیاس الاستنباط، وإنما یستدل بها بعنوان الدلیل والحجۀ.
وعلیه فإن استفادة الأحکام من هذه المباحث ای الحج یکون من باب الاستنباط والوسطیۀ فی الاثبات.
وأما استفادۀ الاحکام الشرعیۀ من القواعد الشرعیة یکون من باب التطبیق، ای تطبیق الحکم المستفاد منها علی مواردها من الموضوعات، وإن کان فی تعبیر السید الخوئی تطبیق مضامینها علی المصادیق الخاریجۀ، ولعل هذا التعبیر یوجب الخلط بین القاعدۀ الفقهیة والمسألۀ الفقهیة، لأن مضامین القواعد الفقهیة او الحکم المستفاد منها ذا شمول وتعمیم بالنسبۀ الی موضوعات مختلفة، والحکم فی المسئلة الفقهیة کحرمۀ العصیر العنبي ذا شمول بالنسبۀ الی المصادیق المختلفة.
وفی کلام المحقق النائینی 1 ایضاً اشارة او تصریح الی کلیة النتیجة فی المسألۀ الاصولیۀ. او جزئیة النتیجة او شخصیتها فی القاعدۀ الفقهیة، وفی کلام السید الخوئی 1 مثله.
وقد عرفت ان الکلیة والجزئیة فی القواعد الفقهیة وإن کانت تامۀ، الا انه لابد من ملاحظۀ نسبیۀ هذه الکلیۀ، فإنها تختلف بحسب جریانها فی باب خاص او ابواب مختلفة.
[1] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج4، ص309و310.
[2] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج4، ص309.
[3] .محاضرات فی اصول الفقه ،ج1،ص9.