جلسه چهـار
وأما فیما اذا کان دلیل الحکم العقل:
فأساس الاشکال فی اتحاد القضیتین فیها: ان حکم العقل یبتنی علی احراز المناط فی الموضوع، فإذا کان المناط مشکوکاً فینفی حکمه لا محالة، فإن العقل حاکم بقبح التصرف فی مال الغیر عدواناً وحسن رد الامانۀ، فإذا اتفق کون التصرف فی حالۀ الاضطرار او الخوف، او کون الرد فی الحالتین، فیحتمل دخل هذا المحاذیر فی مناط التقبیح والتحسین من ناحیۀ، ومعه ینتفی حکم العقل لعدم ادراکه لما هو مناط الحکم فی الموضوع بعد عدم احرازه.
وأساس هذا الاشکال من الشیخ ( 1 ) فی الوجه الثانی من وجوه تقسيم الاستصحاب باعتبار الدلیل الدال علی المستصحب، قال ( 1 ) فی الرسائل:
«نظرا إلى أن الأحكام العقلية كلها مبينة مفصلة من حيث مناط الحكم الشرعی و الشك في بقاء المستصحب و عدمه لا بد و أن يرجع إلى الشك في موضوع الحكم لأن الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن و القبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف الذي هو الموضوع فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلا للشك في موضوعه و الموضوع لا بد أن يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب كما سيجيء.
و لا فرق فيما ذكرناه: بين أن يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع و بين أن يكون لأجل الشك في استعداد الحكم لأن ارتفاع الحكم العقلي لا يكون إلا بارتفاع موضوعه فيرجع الأمر بالأخرة إلى تبدل العنوان.
أ لا ترى أن العقل إذا حكم بقبح الصدق الضار فحكمه يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام، و معلوم أن هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم بتحققه سابقا لأن قولنا «المضر قبيح» حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه أبدا و لا ينفع في إثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر.
و لا يجوز أن يقال إن هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه؛ لأن الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق بل عنوان المضر و الحكم له مقطوع البقاء و هذا بخلاف الأحكام الشرعية فإنه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما و لا يعلم أن المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع -إما من جهة جهل المناط أو من جهة الجهل ببقائه مع معرفته- فيستصحب الحكم الشرعي».[1]
ثم اورد صاحب الکفایۀ اشکالاً بقوله:
«ان قلت: کیف هذا، مع الملازمۀ بین الحکمین.»[2]
والاشکال بعینه مذکور فی الفرائد، قال الشیخ ( 1 ):
«فإن قلت:
على القول بكون الأحكام الشرعية تابعة للأحكام العقلية فما هو مناط الحكم و موضوعه في الحكم العقلي بقبح هذا الصدق فهو المناط و الموضوع في حكم الشرع بحرمته إذ المفروض بقاعدة التطابق أن موضوع الحرمة و مناطها هو بعينه موضوع القبح و مناطه.[3]
فأجاب عنه صاحب الکفایۀ ( 1 )
بأن الملازمۀ بین الحکم العقلی والحکم الشرعی انما تکون فی مقام الاثبات والاستکشاف دون مقام الثبوت. وأن حکم الشرع انما یتبع ما هو ملاک حکم العقل واقعاً، لا ما هو مناط حکمه فعلاً.
ونظره فی ذلک الی:
ان فی الملازمۀ بین حکم العقل وحکم الشرع مرتبتان:
1 ـ مرتبۀ الثبوت، وهی مرتبۀ المناطات والملاکات الی المصالح والمفاسد النفس الامریۀ الموجبۀ لحکم الشرع بالوجوب او التحریم، وحکم العقل بالتحسین والتقبیح.
2 ـ مرتبۀ الاثبات والاستکشاف. وهی مرتبۀ الحکم والادراک ای انشاء الحکم ابتناءً علی الملاکات الواقعیۀ فی الشرع وادراک العقل مبتنیاً علیها.
والنکتۀ هنا ان العقل ربما لا یتمکن من ادراک المناطات والملاکات المذکورۀ بواقعها و مقوماتها و خصوصیاتها، مع تمکن الشرع من الوقوف علیها و انشاء الحکم مبتنیاً علیها.
فإذا ادرک العقل المناط للتحسین مثلاً بجمیع خصوصیاته المعتبرۀ فیه فإنما یصدر منه التحسین فعلاً، ویتبعه الشارع، وهذا هو مورد الملازمۀ بین حکم العقل وحکم الشرع، وإنما تتحقق فی مقام الفعلیۀ والاثبات والاستکشاف.
وربما یری العقل اختلال بعض الشرائط والقیود الدخیلۀ فی ادراک الحسن فینتفی ادراکه للتحسین، وبعبارۀ اخری ان مع زوال بعض ما یحتمل دخله فی موضوع الحکم العقلی ینتفی ادراکه لتقوم ادراکه علی لحاظ الموضوع بجمیع الخصوصیات المعتبرۀ فیها. وفی فرض انتفاء حکم العقل، فهل ینتفی حکم الشرع الملازم له ام لا؟
مع ان العقل لا سبیل له الی ادراک جمیع ما یرتبط بالحکم وأن للشارع الاحاطة به، فربما یری العقل بعض الجهات مقوماً للموضوع في مقام الثبوت، ولکن الشرع لا یراه مقوماً، بل یراه من حالات الموضوع، ففی فرض انتفائه ینتفی حکم العقل بما یراه مقوماً، ولکنه لا ینتفی حکم الشرع بما یراه من الحالات الغیر المقومۀ للموضوع، فلا تبعیۀ فی مثله للشرع بالنسبة الی حکم العقل، فتنتفی الملازمۀ.
ولذلک ان صاحب الکفایۀ ( 1 ) صرح بأنه لا ملازمۀ بین حکم العقل وحکم الشرع فی مقام الثبوت والواقع بأن یری الشرع مثلاً کل ما یراه العقل مقوماً یری مثله، لأن للشارع الاحاطة بجمیع ما له ای دخل فی موضوع الحکم وحد مدخلیته، وأن بانتفائه هل ینتفی الموضوع للحکم ام لا.
نعم، بالنسبۀ الی ما یرتبط بمقام الاثبات، فإذا ادرک العقل الموضوعیۀ فی شئ للحکم فیلازم ادراکه حکم الشرع، وأما اذا حکم بانتفاء الموضوعیة بانتفاء بعض ما یراه مقوماً للموضوع، فربما یتفق عدم ملازمۀ حکم الشرع له بما یراه غیر مقوم وکونه من الحالات، ولیعلم ان اساس کلام صاحب الکفایۀ فی المقام تصویر الاخلال فی الملازمۀ من ناحیۀ نفی الحکم بانتفاء الموضوع من جهة ادراکه لفاقدیۀ الموضوع لما یراه مقوماً ودخیلاً فی موضوعیته للحکم. ومعه یمکن تصویر عدم الملازمۀ بین الحکمین وإمکان جریان الاستصحاب فی حکم الشرع عند الشک فی انتفاء ما یحتمل دخله علی نحو المقومیۀ فی الواقع، حتی فی فرض انتفاء ادراک العقل. کما انه یمکن تصویر ملاک اخر فی الواقع لا یدرکه العقل و یحیط به الشرع وهو کاف فی بقاء الملاک.
قال ( 1 ):
«... حكم الشرع إنما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعا لا ما هومناط حكمه فعلا و موضوع حكمه كذلك مما لا يكاد يتطرق إليه الإهمال و الإجمال مع تطرقه إلى ما هو موضوع حكمه شأنا و هو ما قام به ملاك حكمه واقعا.
فرب خصوصية لها دخل في استقلاله مع احتمال عدم دخله فبدونها لا استقلال له بشيء قطعا مع احتمال بقاء ملاكه واقعا و معه يحتمل بقاء حكم الشرع جدا لدورانه معه وجودا و عدما فافهم و تأمل جيدا.[4]
[1] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج3، ص 37و38.
[2] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول ( طبع آل البيت )، ص 386.
[3] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج3، ص 39.
[4] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول ( طبع آل البيت )، ص 387.