جلسه چهـار
ويمکن ان يقال:
ان ادلة نفی الضرر انما تکون حاکمة علی ادلة الاحکام فی الموارد التی لزم من رعاية الحکم ضرر علی المکلف فيرفع بها الوجوب کالحرمة. بلا فرق فی ذلک بين الاحکام المختلفة فی الموضوعات المتفاوتة مثل وجوب الحج و وجوب الصوم، بل انما يوجب رفع الحکم احتمال الضرر او خوف الضرر، وقد مرَّ ان سيرة العقلاء انما جرت علی الاجتناب عن محتمل الضرر، فان الحکم فی موارد خوف الضرر مرفوع واقعاً حتی لو انکشف الخلاف بعد ذلک، وقد مرَّ بحثه فی تخلية السرب وسقوط الوجوب بالخوف عن المانع فی طريق الحج.
ولکن هنا بحث و هو ان ادلة نفی الضرر انما تنصرف عن موارد الضرر التی يکون اقتضاء نفس الحکم كالضرر اللازم فی دفع الخمس او ما يلزم منه فی مثل الجهاد. وبالنسبة الی وجوب الحج، فان الاتيان به ملازم للضرر المالی بقدر مؤونة الحج، او غير المالی کالضرر البدنی الذی هو مقتضی طبيعة الحج کالوقوف فی العرفات فی ايام الحر وامثاله، فان بالنسبة الی هذه الموارد تکون ادلة نفی الحرج منصرفة عنها، بمعنی ان اطلاق ادلة نفی الضرر لا يشمل هذه الموارد بمقتضی الانصراف للتفاوت التبين فی مقام الصدق فی قوله: «لا ضرر ولا ضرار» بين الضرر الذی تقتضيه طبيعة الحکم والضرر الذی لا تقتضيه، وانما يرفع اليد عن اطلاق ادلة نفی الضرر بقدر ما يقتضيه الانصراف المذکور.
وعليه فما ذهب اليه صاحب العروة (قدسسره) من عدم وجوب الحج فی المقام فی کمال القوة، وکذا ما افاده السيد الخوئی ( 1 ) من الالتزام بعدم الوجوب فی مثل المقام الا ان ظاهر کلامه ( 1 ) ان ادلة الاحکام الضررية ای ما کان الضرر من مقتضيات طبيعته انما تخصيص اطلاق ادلة لا ضرر, فلا اطلاق لادلة الضرر, من هذه الجهة و اما الضرر الزائد عن ذلک الذی ليس من شؤون نفس الحکم و لا من مقتضيات طبعه فلا مخصص له ولا مانع من شمول دليل نفی الضرر له.
و انما يتفاوت بيانه ( 1 ) مع ما مرَّ منا من تقريب عدم شمول اطلاق لا ضرر, بانه ( 1 ) التزم بخروج هذه الموارد من باب التخصيص ای تخصيص ادلة نفی الضرر بادلة الاحکام المذکورة بالنسبة الی ما يقتضيه طبيعة الحکم.
ولکن قد مَرَّ منّا ان وجه الخروج الانصراف دون التخصيص، لان التخصيص فرع شمول الاطلاق اولاً ثم خروج هذه الموارد منه بدليل المخصص، ولکن الامر علی مسلکنا عدم شمول الاطلاق من اول الامر، ای ان ادلة «لا ضرر» لا يشمل باطلاقه هذه الموارد، ومع فرض الانصراف وتمامية لا تصل النوبة الی التخصيص.
والسيد الخوئی ( 1 ) وان التزم بالانصراف فی موارد التشکيك فی الصدق الا انه ( 1 ) لم يلتزم بالانصراف فی المقام وانما التزم بحسب ظاهر کلامه بان عدم شمول اطلاق ادلة «لا ضرر» بالنسبة الی هذه الموارد من باب تخصيص ادلة الاحکام المذکورة لها، ولعله لا يری التشکيك فی الصدق فی مثله.
واما قول صاحب العروة ( 1 ):
«... و كذا إذا كان هناك مانع شرعيّ من استلزامه ترك واجب فوريّ سابق على حصول الاستطاعة أو لاحق مع كونه أهمّ من الحجِّ كإنقاذ غريق أو حريق»[1]
فظاهره ( 1 ) التفصيل بين ما کان المانع الشرعی سابقاً علی حصول الاستطاعة فيمنع عن تحق الاستطاعة ولو لم يکن اهم من الحج، وبين ما اذا کان المانع المذکور لا حقاً فانما يمنع عن الاستطاعة اذا کان اهم، واما اذا لم يکن اهم فلا يمنع عن تحقق الاستطاعة.
قال المحقق العراقی ( 1 ):
« في صورة طروّ واجب فوري بلا اختيار من قبله الأقوى تقديمه على الحجّ و إن لم يكن أهمّ من جهة أنّ بقاء القدرة من غير جهته بعد حصول الاستطاعة إلى آخر العمل شرط شرعي و في الواجب الآخر عقلي فتكون المسألة حينئذٍ من صغريات الكبرى السابقة.
نعم ليس له بعد حصول الاستطاعة و التمكّن من المسير لمكان خروج الرفقة تفويت قدرته و لو بإحداث سبب وجوب الآخر.
و حينئذٍ فلو كان الآخر أيضاً مشروطاً بالقدرة شرعاً كان الحجّ مقدّماً و إلّا فيدخل في مسألة تزاحم الواجبين فيؤخذ بأهمّهما و مع احتمال أهمّيّة كلّ فيتخيّر كما لا يخفى»[2].
وحاصل ما افاده:
التفصيل بين ما اذا طرء واجب فوری بلا اختيار من قبله ـ فيقدم علی الحج. ووجهه ان حصول الاستطاعة شرط لوجوب الحج حدوثاً و بقاءً ومع طرو الواجب المذکور لم تحقق الاستطاعة بقاءً فينتفی الشرط.
وبين ما اذا طرء الواجب المذکور باختياره فانه يقدم الحج، لان مع حصول الاستطاعة ليس له تفويت قدرته ولو باحداث سبب وجوب الاخر وفی هذا الفرض افاد بانه لو کان الواجب الاخر مشروطاً بالقدرة العقلية فانما يقدم الحج، واما لو کان مشروطاً بالقدرة الشرعية مثل الحج لدخل المورد فی مسألة تزاحم الواجبين.
وهذا تفصيل منه ( 1 ) فيما اذا کان حدوث الواجب الفوری لا حقاً و اما اذا کان سابقاً فظاهره الوفاق مع صاحب العروة ( 1 ) من عدم تحقق الاستطاعة بلا لحاظ الاهمية فيقدم الواجب الفوري السابق علی الحج.
وافاد السيد البروجردی فی حاشيته علی المقام:
«قد مَرَّ عدم الفرق بين السابق واللاحق فی اعتبار اهمية ذلک الواجب»
وافاد السيد الشيرازی عنه قول صاحب العروة «او لاحق مع کونه اهم»
فی حاشيته: «بل مطلقا»[3]
وظاهره عدم اعتبار الاهمية والالتزام بمانعية الواجب الفوري اللاحق کالسابق.
ووافقه السيد الحکيم ( 1 ) وقال:
«قد عرفت الاشکال فی اعتبار الاهمية فی نفی الاستطاعة، فان اطلاق العذر النافی للاستطاعة، يقتضی شموله لغير الاهم، فيکون لحوقها رافعاً للاستطاعة[4].
وافاد السيد الخوئي ( 1 ):
« هذا أيضاً من موارد التزاحم فتلاحظ الأهميّة، لما عرفت غير مرّة أنّ الاستطاعة المعتبرة في الحجّ ليست إلاّ الاستطاعة الخاصة المفسرة في الروايات وحيث إنّ دليل الحجّ ودليل الواجب أو الحرام مطلقان ولا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال يقع التزاحم، فيرجع إلى مرجحات باب التزاحم من تقديم الأهم أو التخيير في المتساويين.
نعم، لو قيل باعتبار الاستطاعة الشرعية بالمعنى المصطلح عند المشهور في وجوب الحجّ، لأمكن القول بعدم وجوبه إذا استلزم مانعاً شرعياً كترك واجب أو ارتكاب محرم، ولكن قد عرفت بما لا مزيد عليه أنّه لا أساس لهذا الكلام أصلاً.»[5].
[1] . العروة الوثقى (المحشى)، ج4، ص 417 ـ 418.
[2] العروة الوثقى (المحشى)، ج4، ص 417 ـ 418.
[3] . العروة الوثقى (المحشى)، ج4، ص 417.
[4] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج9، ص172.
[5] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص220.