جلسه صد و یازده
و قرر الشیخ الوجه الثانی من الوجوه التی تدل علی وجوب اصل الفحص :
الادلة الدالة علی وجوب تحصیل العلم مثل آیتی النفر للتفقه و سؤال اهل الذکر.
والاخبار الدالة علی وجوب تحصیل العلم، و تحصیل الفقه و الذم علی ترك السؤال.
و قد مر فی کلام صاحب الکفایة " و الاخبار علی وجوب التفقه و التعلم ، و المؤاخذة علی ترك التعليم فی مقام الاعتذار عن عدم العمل بعدم العلم بقوله تعالی کما فی الخبر (هلا تعلّمت).
و افاد بأن هذه الآیات و الأخبار تدل علی تقیید اخبار البرائة.
فیقید اطلاقها بلزوم الفحص .
ثم افاد (قدس سره) : انه یعتبر الفحص فی التخیير العقلی ایضا بعین ما ذکر فی البرائة.
و نظره قدس سره فی ذلك الی ان المراد بالبیان فی البرائة العقلیة هو الحجة الواصلة فعلا ، و فی التخیير العقلی و ان کانت الحجة الواصلة فعلا ، وفي التخيير العقلي وإن كانت الحجة واصلة بالتکلیف بحسبه ، الا ان الإجمال فی نوع التكليف فيه یقتضی الفحص لیحرز عدم البیان المبیّن الواصل ، و مع امکان التبیین بالفحص لا یتحقق الموضوع للتخیير .
ثم ان صاحب الکفایة (قدس سره) تعرض بعد تبیین شرائط الاصول العملیة الثلاثة و تحقیق لزوم الفحص فی الاخرین لأمرین:
الاول :
فی استحقاق العقوبة علی العمل بالبرائة قبل الفحص و افاد :
« أما التبعة ، فلا شبهة في استحقاق العقوبة على المخالفة فيما إذا كان ترك التعلم والفحص مؤديا إليها ، فإنها وإن كانت مغفولة حينها وبلا اختيار ، إلا أنها منتهية إلى الاختيار ، وهو كاف في صحة العقوبة.
بل مجرد تركهما كاف في صحتها ، وإن لم يكن مؤديا إلى المخالفة ، مع احتماله ، لاجل التجري وعدم المبالاة بها ... »[1]
و نظره (قدس سره) الی ان استحقاق العقوبة انما یکون علی مخالفة الواقع اذا اتفقت، و هو وإن کان فی حال المخالفة غافلا عن الواقع و ترك الواقع ، و لا شبهة فی قبح تکلیف الغافل الا ان المخالفة للواقع انما وقعت منه مستندا الی تقصیره فی ترك الفحص و التعلم ، نظیر استناد ترك الواقع الى ترك بعض مقدماته الموجب لعدم اختياره حال ترك الواقع ، الا ان الامتناع بالاختیار لا ينافي الاختیار، و بما ان المخالفة منتهی الی الاختیار بترك التعلم فلا محذور فی استحقاق العقوبة علیها.
و ما افاده هنا موافق لما اختاره المشهور من استحقاق العقوبة علی مخالفة الواقع التی ادی الیها ترك التعلم و الفحص.
و رد به ما قیل :
بأن استحقاق العقوبة لیس علی مخالفة الواقع بل علی ترك التعلم، و أنه یجب التعلم نفیسا و العقاب یکون علی ترك الواجب ، کما افاده المحقق الاردبیلی و تبعه السید صاحب المدارك (قدس سره) .
و ما اختاره صاحب الکفایة فی المقام موافق لما افاده الشیخ (قدس سره) فی الرسائل قال (قدس سره) :
« أما العقاب :
فالمشهور : أنه على مخالفة الواقع لو اتفقت ، فإذا شرب العصير العنبي من غير فحص عن حكمه ، فإن لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب ، ولو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير ، لا على ترك التعلم .»[2]
والترم المحقق النائینی (قدس سره) بأن العقاب انما یکون علی ترك التعلم المؤدی الی مخالفة الواقع لأن وجوب التعلم لیس نفیسا ، بل ان وجوبه طریقی ، و ان استحقاق العقاب لیس علی ترکه ، و لیس ایضا علی ترك الواقع لقبح العقاب علی المجهول بل یکون العقاب علی ترك التعلم المؤدی الی ترك الواقع.
و ان کان لا یمکن المساعدة علیه لعدم اقتضاء کل واحد منهما منفردا لاستحقاق العقاب .
ثم ان صاحب الکفاية تعرض لاشکال ربما یرد علی ما اختاره فی المقام من استحقاق العقوبة علی مخالفة الواقع فیما اذا کان ترك التعلم و الفحص مؤدیا الیها . بأنه يشکل الأمر بالنسبة الیه فی الواجب المشروط و کذا الواجب الموقت.
و اساس الاشکال هو ان فی الواجبات المشروطة ، سواء کانت مشروطة بالزمان کصلاة الجمعة و الصلوات الیومیة او مشروطة بغیره کالحج المشروط بالاستطاعة ، لا یمکن الالتزام باستحقاق العقوبة علی مخالفة الواقع التی موجبها ترك التعلم و الفحص ، لأن قبل تحقق الشرط فیها لا وجوب لیشمل لزوم الإتیان بمقدماتها و من جملتها التعلم، وبعد تحقق الشرط، فإنه لا وجه لاستحقاق العقوبة على مخالفتها بعد تحقق شرطها ، لأن المخالفة انما تحققت فی حال الغفلة، لغفلة المکلف عند الاستطاعة مثلا عن تکلیف الحج، و المفروض انه لا تکلیف فیها .
و هذا الاشکال أورده الشیخ (قدس سره) علی مقالة المشهور قال (قدس سره) فی الرسائل:
« أنه يلزم حينئذ عدم العقاب في التكاليف الموقتة التي لا تتنجز على المكلف إلا بعد دخول أوقاتها ، فإذا فرض غفلة المكلف عند الاستطاعة عن تكليف الحج ، والمفروض أن لا تكليف قبلها ، فلا سبب هنا لاستحقاق العقاب رأسا .»[3]
و علیه فلا موجب لاستحقاق العقوبة علی ترك الواقع و ان کان ترك التعلم مؤدیا الیها فی الواجبات المشروطة و یلزم حصره بالواجبات المطلقة، و لعل مثل المحقق الاردبیلی و صاحب المدارك التزم باستحقاق العقاب علی ترك التعلم ، و ان التعلم ، واجب نفیسا فی قبال مقالة المشهور لأجل هذا الجهة .
و افاد صاحب الکفایة (قدس سره) فی مقام العلاج.
« ولا يخفى أنه لا يكاد ينحل هذا الاشكال إلا بذلك ، أو الالتزام بكون المشروط أو المؤقت مطلقا معلقا ، لكنه قد اعتبر على نحو لا تتصف مقدماته الوجودية عقلا بالوجوب قبل الشرط أو الوقت غير التعلم ، فيكون الايجاب حاليا ، وإن كان الواجب استقباليا قد أخذ على نحو لا يكاد يتصف بالوجوب شرطه ، ولا غير التعلم من مقدماته قبل شرطه أو وقته . وأما لو قيل بعدم الايجاب إلا بعد الشرط والوقت ، كما هو ظاهر الأدلة وفتاوى المشهور ، فلا محيص عن الالتزام يكون وجوب التعلم نفسيا ، لتكون العقوبة - لو قيل بها - على تركه لا على ما أدى إليه من المخالفة ، ولا بأس به كما لا يخفى ، ولا ينافيه ما يظهر من الاخبار من كون وجوب التعلم إنما هو لغيره لا لنفسه ، حيث أن وجوبه لغيره لا يوجب كونه واجبا غيريا يترشح وجوبه من وجوب غيره فيكون مقدميا ، بل للتهيؤ لايجابه ، فافهم .»[4]
حاصله :
انه یمکن دفع الاشکال بالالتزام بالواجب المعلق من کون الوجوب فعلیا و لو قبل تحقق شرطه کالوقت والواجب استقبالیا فیجب الإتیان بجمیع شروط الوجودیة و منها التعلم و لو قبل تحقق الشرط و مع عدم امکان الالتزام به من جهة ذهاب المشهور و تسالمهم علی عدم وجوب تحصیل المقدمات قبل تحقق الشرط یمکن ان یقال بالتفصیل بین الشروط بعدم وجوب المقدمات قبل تحقق الشرط غیر التعلم، فإن التعلم واجب قبل تحقق الشرط و مجيئ الوقت.
و افاد (قدس سره) فی الحاشیة علی الکفایة :
الا ان یقال : بصحة المؤاخذة علی ترك المشروط او الموقت عند العقلاء اذا تمکن منهما فی الجملة و لو بأن تعلم و تفحص اذا التفت و عدم لزوم التمکن منهما بعد حصول الشرط و دخول الوقت مطلقا ، كما يظهر ذلك من مراجعة العقلاء ومؤاخذتهم العبد على ترك الواجبات المشروطة او الموقت المؤدی الی ترکها بعد حصوله او دخوله فتأمل.
و هذا اما افاده الشیخ (قدس سره) فی الرسائل بقوله:
(الا ان یقال بصحة المؤاخذة علی ترك المشروط او الموقت عند العقلاء...).
و افاد (قدس سره) بأنه لو لم یمکن الالتزام به للزم القول بوجوب التعلم وجوبا نفسیاً.
و ما ورد فی الأخبار من کون وجوب التعلم انما هو لغيره لا لنفسه یحمل علی کون وجوب التعلم وجوبا نفسیاً تهيئيا ، ای وجب نفسیاً للتهیؤ لایجاب غیره ، ای لایجاب الواجب و تشریعه .
و یمکن ان یقال :
ان المقدمات التی ینجر ترکها الی ترك الواجب فی وقته او بعد تحقق شرط ربما یقال بوجوبها عقلاً ، لأن العقل الحاکم بوجوب الاطاعة انما یری ترکها مساوقاً لترك غرض المولی و یکون قبیحا عنده.
و ما افادده (قدس سره) فی الحاشیة تبعاً لما افاده الشیخ من جریان سید العقلاء علی ذم من ترکها المؤدی الی ترك الواجب العقلائی انما تنشأ من الادراك العقلی المذکور، و انما یجری هذا البحث فی المقدمات الوجودیّة ، و کذا فی التعلم ، دون المقدمات و الشروط الاتفاقية کالاستطاعة.
الثانی :
قال (قدس سره):
« وأما الاحكام ، فلا إشكال في وجوب الإعادة في صورة المخالفة ، بل في صورة الموافقة أيضا في العبادة ، فيما لا يتأتى منه قصد القربة وذلك لعدم الاتيان بالمأمور به مع عدم دليل على الصحة والاجزاء»[5]
وطرح الشیخ البحث بقوله: اما الکلام فی الحکم الوضعی و هی صحة العمل الصادر من الجاهل و فساده ، فیقع الکلام تارة فی المعاملات واخری فی العبادات ...
و محصل ما افاده هو بطلان العبادة و عدم صحة الفعل اذا لم یکن عبادَة اذا انکشف الخلاف ، فیجب الاعادة و عمدة الوجه فیه عدم اتیانه بما هو المأمور به، و عدم حجة له فی ترکه اذا ترك الفحص و اجری البرائة.
و افاد بأن هذا یتم اذا لم یکن هنا دلیل علی الصحة و الاجزاء و قد ورد الدلیل علی الصحة فی الاتمام فی موضع القصر او الاجهار او الاخفات فی موضع الآخر، و هذا بحث فقهی يأتی تفصیله فی محله.
[1] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص376.
[2] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص416.
[3] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص421.
[4] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص376-377.
[5] . الآخوند الخراساني، كفاية الاصول، ص377.