بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد
الفرع الثامن ـ من مسألة71 ـ
قال صاحب العروة (قدس سره):
«... و هل يختصّ (بوجوب النيابة) الحكم بحجّة الإسلام أو يجري في الحجّ النذري و الإفسادي أيضاً؟ قولان، و القدر المتيقّن هو الأوّل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة،.»[1]
وقد تذكر السيد الخوئي (قدس سره) في حاشيته على قول صاحب العروة:
(والقدر المتيقن هو الاول) تبعاً للسيد الحكيم في المستمسك:
« يأتي منه (قدّس سرّه) الجزم بعموم الحكم في المسألة الحادية عشرة في الفصل الآتي..»
قال صاحب العروة في المسألة 11 من الفصل الذي عقده في الحج الواجب بالنذر والعمد واليمين:
« (مسألة 11): إذا نذر الحجّ و هو متمكّن منه فاستقرّ عليه ثمّ صار معضوباً لمرض أو نحوه أو مصدوداً بعدوّ أو نحوه فالظاهر وجوب استنابته حال حياته لما مرّ من الأخبار سابقاً في وجوبها.
و دعوى اختصاصها بحجّة الإسلام ممنوعة كما مرّ سابقاً، و إذا مات وجب القضاء عنه و إذا صار معضوباً أو مصدوداً قبل تمكّنه و استقرار الحجّ عليه أو نذر و هو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكّنه من حيث المال ففي وجوب الاستنابة و عدمه حال حياته و وجوب القضاء عنه بعد موته قولان، أقواهما العدم،
و إن قلنا بالوجوب بالنسبة إلى حجّة الإسلام.
إلّا أن يكون قصده من قوله: لله عليَّ أن أحجّ، الاستنابة.»[2]
وافاد السيدالخوئي (قدس سره ) في ذيل هذه المسألة بعد قول صاحب العروة (قدس سره) (ودعوى اختصاصها بحجة الاسلام ممنوعة كما مر سابقاً)
«قد مر منه خلافه في المسألة 72 من الفصل السابق».
ومن العجب موافقة اكثر اعلام محشي العروة لما افاده (قدس سره) في المقام، وموافقتهم ايضاً لما افاده هناك، خصوصاً المتقدمين من اعلام محشي العروة.
نعم افاد السيد البروجردي في تلك المسألة ـ مسألة 11 من الفصل المزبور في ذيل قوله (قدس سره): «ودعوى اختصاصها بحجة الاسلام ممنوعة كما مر سابقاً»
« بل شمول منطوقها لغير حجّة الإسلام ممنوعة. نعم لو ادّعي انفهام غيرها منها بإلغاء الخصوصيّة لم يكن بعيداً. »
هذا ثم انه قد افاد السيد الحكيم (قدس سره) في ذيل المسألة:
«قال في الدروس:
«و لو وجب عليه الحج بإفساد أو نذر فهو كحجة الإسلام، بل أقوى..».
و في المدارك:
أنه غير واضح في النذر، بل و لا الإفساد أيضاً إن قلنا أن الثانية عقوبة.
لأن الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على مورد النص، و هو حج الإسلام. و النذر و الإفساد إنما اقتضيا وجوب الحج مباشرة، و قد سقط بالعذر. انتهى. و تبعه عليه في الجواهر.
و ظاهر المصنف (ره) الميل اليه. و هو في محله لو كان الانصراف إلى حج الإسلام ناشئاً عن سبب ارتكازي.
لكنه غير ظاهر.
و في المستند قال:
«إطلاق بعض ما تقدم من الاخبار- كصحيحة محمد و الحلبي- عدم اختصاص ذلك بحجة الإسلام،
و جريانه في غيرها من الواجبات أيضاً كالمنذورة.
و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضاً، كما يظهر منهم في مسألة الاستنابة من الحجين في عام واحد».
و سيأتي من المصنف- في المسألة الحادية عشرة من الفصل الآتي- الجزم بعموم الحكم لغير حجة الإسلام.»[3]
وافاد السيد الخوئي (قدس سره) في المعتمد:
«الأمر التاسع: هل يختص وجوب الاستنابة بحج الإسلام أو يعم الحج النذري و الافسادي؟.
اما الحج الافسادي:
فان قلنا: بان الحج الأول الفاسد ليس بحج الإسلام و ان وجب إتمامه تعبدا و حج الإسلام انما هو ما يحجه في القابل فحينئذ لا ريب في وجوب الاستنابة لأنه هو حج الإسلام بعينه و قد استقر عليه في ذمته، فيجري فيه الحكم بوجوب الاستنابة.
و ان كان حج الإسلام هو الأول و الحج الثاني من باب العقوبة، و الكفارة، فحينئذ لا بأس بهذا البحث.
و قد استشكل المصنف(قدس سره) في المقام و لكن في المسألة الحادية عشر من الفصل الآتي جزم بالتعميم.
و كيف كان:
فالظاهر عدم وجوب الاستنابة فإن الروايات لا يستفاد منها ذلك، اما روايات الشيخ الكبير؛
فموردها حج الإسلام كما هو واضح جدا فان موردها الشيخ الذي لم يحج قط فلا يتصور في حقه الحج الافسادي و العقوبتي.
و اما صحيح الحلبي فظاهره أيضا حج الإسلام لقوله: (و ان كان موسرا) فان اليسار يناسب حج الإسلام الأصلي المعتبر فيه اليسار،
فتعميم الحكم للحج العقوبتي يحتاج إلى دليل و هو مفقود.
نعم صحيح ابن مسلم مطلق من حيث أقسام الحج من الأصلي و العقوبتي لقوله: (لو ان رجلا أراد الحج)
و لكن قد عرفت انه أجنبي عن المقام لان مورده الحج التطوعي الإرادي و لا يشمل الحج الواجب بأصل الشريعة.
و اما الحج النذري:
فإن كان مقيدا بسنة معينة أو كان غير معين و عجز عن المباشرة، فمقتضى القاعدة بطلان النذر لعدم القدرة على الامتثال فلا مورد للاستنابة،
و اما النذر الصوم:
إذا صادف يوم العيد أو السفر فإنما وجب قضائه للنص و إلا فمقتضى القاعدة هو البطلان
و لم يرد أي نص في المقام.
و إذا استقر عليه الحج النذري و تنجز و لكنه تركه اختيارا أو عصيانا ثم عجز عن المباشرة، فالظاهر عدم وجوب الاستنابة
لأن الروايات الدالة على وجوب الاستنابة موردها الحج الأصلي و هي أجنبية عن الحج النذري فحاله حال الحج العقوبتي و هو معذور عند اللّه و لا يتمكن من الإتيان بنفسه و لا دليل على وجوب الاستنابة فيه.»[4]
ويمكن ان يقال:
ان ظاهر الاخبار الواردة في المقام وجوب الاستنابة في خصوص حجة الاسلام.
لان اخبار الشيخ الكبير ظاهرة في ذلك وكذا صحيحة الحلبي.
وصحيحة محمد بن مسلم لو قلنا بعدم رجوعها الى روايات الشيخ الكبير وعدم تمامية ظهورها في الاستحباب خلافاً لما افاده السيد الخوئي(قدس سره ) فان ظاهرها الاختصاص.
ومثلها رواية علي بن ابي حمزة وبالجملة: ان استظهار التعميم من منطوق هذه الاخبار مشكل جداً.
وبما ان مقتضى الاصل اتيان المكلف بالواجب علة مباشرة، فان الحكم بقيام النائب مقامه في ذلك خلاف لمقتضى الاصل لابد ان يثبت بقيام الدليل. وليس لنا دليل على وجوب الاستنابة في غير حجة الاسلام، ومع الشك في استظهار التعميم من الاخبار في المقام لكان مقتضى القاعدة الاخذ بالمتيقن وهو وجوب الاستنابة في خصوص حجة الاسلام.
ولكنه يمكن ان يقال:
ان الحكم بوجوب النيابة او مشروعيتها وان كان مورده حجة الاسلام الا انه يمكن تنقيح المناط بالغاء الخصوصية فيها واسراء الحكم منها الى غيرها من اقسام الحج الواجب الذي استقر على ذمته كالحج النذري.
والقول بوجوب الخصوصية في حجة الاسلام بلحاظ اهتمام الشارع بها بعدم رضائه بتركها ولو باتيانها بواسطة النائب كما افاده بعض الاعاظم يمكن دفعه بان الاهتمام في الحكم بالاستنابة تفريغ الذمة المشغولة التي يمنع عند العذر المستمر، وهو غير مختص بحجة الاسلام وعليه فالقول بالتعميم كما التزم به صاحب العروة في المسألة 11 ليس ببعيد، كما نفى الاستبعاد عنه السيد البروجردي بنفي البعد عن الغاء الخصوصية في المقام.
ثم انَّ بناءً على الالتزام بالتعميم، فانما يجب الاستنابة في خصوص الحج النذري الذي لم يات الناذر به مع تمكنه واستقر على ذمته، ولم يتمكن بعد من المباشرة لعروض العذر المستمر.
واما اذا لم يستقر على ذمته، فان عروض المانع كاف في سقوطه واما الحج العقوبتي لو قلنا ان الواجب بعد الافساد في الحج هو الاتيان بالحج ثانياً عقوبة:
فانما يمکن القول بوجوب الاستنابة فيه اذا تمکن من الاتيان بالحج الثانی و لم يات به ثم عرض له المانع من المباشرة، فيجب عليه الاستنابة.
الا ان يقال:
ان نفس الافساد فی الحج استقرار الحج الثانی علی ذمته فیجب علیه الاستنابة لو عرض له العذر المستمر.
و ان کان يحتمل کون الحج الثانی هو حجة الاسلام و عدم کون ما اتی به اولاً حج اسلام لفرض افساده.
و الحاصل، ان القول بتعميم الحکم لوجوب الاستنابة لا يخلو عن وجه وفاقاً للشهيد فی الدروس.
[1]. السيد اليزدي، العروة الوثقی، ج 4، ص439.
[2]. السيد اليزدي، العروه الوثقی، ج5، ص505.
[3]. الحکيم، مستمسک العروة الوثقی، ج10، ص203.
[4]. السيد الخوئی، معتمد العروة الوثقی، ج1، 253 و 254.