بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و سوم
وأورد عليه المحقق الاصفهاني:
بأن الجملة المذكورة اما لفظها:
فإن ظهور كلمة (فإنه) في التعليل لا سبيل اليه، وذلك:
لأن ظهورها في التعليل لو كان لأجل (انّ) فهي لتحقيق مضمون الجملة.
ولو كان لأجل (فإن) اي مجموع الفاء وانًّ:
فقد ورد في الكتاب كثيراً هذا التركيب ـ فإن ـ من غير ان يكون ظاهراً في التعليل.
كقوله تعالي: (ان تصبهم سيئة بما قدمت ايديهم، فإن الانسان كفور).
وقوله تعالي: (فإن يخرجوا منها فإنا داخلون).
وقوله تعالي: (فإذا دخلتموه فإنكم غالبون).
وقوله تعالي: (فإن فعلت فإنك اذاً من الظالمين).
كما يظهر منه عدم تمامية ظهور سنخ هذا التركيب في كونه علة قائمة مقام الجزاء.
هذا ولو كان النظر في افادة العلية:
حديث ترتب الجزاء علي الشرط: فهو امر توهّمه جمع من النحاة خلافاً للمحققين منهم ولأهل الميزان، فإنهم اجمعوا علي انه لا يجب ان يكون الجزاء مسبباً عن الشرط ومترتباً عليه في الوجود.
بل ربما يعكس الأمر:
كقولهم: ان كان النهار موجوداً كانت الشمس طالعة.
و: وإن كان هذا ضاحكاً، كان انساناً.
بل قد مر في مبحث مفهوم الشرط انه لا حاجة الي اللزوم اصلاً في الجملة الشرطية، بل يكفي الترتب بفرض العقل، واعتباره من ناحية المعتبر في ظرف عقد القضية.
ونظره قدس سره في ذلك الي انه لا يلزم في الجملة الشرطية ترتب الجزاء علي الشرط حقيقة بحيث كان الشرط علة للجزاء، بل يكفي فيه اعتبار الترتب من ناحية المعتبر والمستعمل.
وأما ما افاده صاحب الكفاية في حاشية بقوله:
«وأما معناه: فلأن اليقين في الحال بثبوت الوضوء سابقاً غير مترتب علي عدم اليقين بالنوم، لأن ربما كان من قبل ويتخلف عنه فيما بعد..».
ففيه:
انه يصح التخلف اذا كانت قضية كلية، متضمنة للملازمة بين عدم اليقين بالنوم واليقين بالوضوء، فإنه يمكن عليه ان لا يكون يقين بالوضوء اصلاً، مع عدم اليقين بالنوم، او كان اليقين موجوداً سابقاً وزال لاحقاً لمكان الشك الساري.
ولكن من الواضح ان ما نحن فيه ليس كذلك:
لأن المفروض فی المقام انه کان علی وضوء وشك فی النوم، بأنه هل ینقضه مثل الخفقۀ والخفقتان ام لا، فالقول بعدم الیقین لاحقاً خلف، والترتب وعدم التخلف فی المقام ثابت بمقتضی فرض المسئلة.
والحاصل:
ان المفروض فی صدر الصحیحۀ، النوم علی الوضوء.
ـ ومنزلۀ الیقین بالنوم من الیقین بالوضوء منزلۀ الرافع له بقاء،ً او ترتب الشئ ـ حدوثاً ـ علی عدم رافعه.
ـ وترتب الشئ بقاءً علی عدم رافعه مصحح للشرط والجزاء.
ـ والمفروض صحۀ اسناد نقض الیقین الی الیقین بخلافه، او الی الشك فیه بلحاظ تجدید متعلق الیقین والشك عن الحدوث والبقاء او الا فلا یکون الیقین بعدم بقاء الشئ ناقضاً للیقین بحدوثه، ولا الشك فی بقائه ناقضاً للیقین بحدوثه.
وبناءً علی هذه الجهات:
یکون مفاد قوله (ع): (والا فإنه علی یقین من وضوئه) هو انه ان لم یستیقن بالنوم الناقض، فهو باق علی یقینه بوضوئه، ولا موجب لانحلاله واضمحلاله الا الشك، ولا ینقض الیقین بالشك.
فقوله علیه السلام (فإنه على يقين من وضوئه... ) بمنزلة الصغرى، وقوله عليه السلام: (ولا ینقض الیقین ) بمنزلة الکبری.
وقرر المحقق الاصفهانی قدس سره هذا الوجه ـ ای الاحتمال الرابع ـ اوجه الوجوه الأربعة:
وعلله: بأنه لا یلزم فیه کون الواقع بعد الشرط علۀ له ـ کما فی الاحتمال الاول الذی اختاره العلمان ـ بل ان الواقع بعد الشرط فی هذا الاحتمال نفس الجزاء کما هو ظاهر الجملۀ الشرطیة.
وأن ظاهر الجملۀ الخبریۀ محفوظ فی هذا الاحتمال بلا حاجۀ الی حمله علی الانشاء.
بل ظاهر الجملۀ الخبریۀ کونها حکایۀ عن امر وهو بقائه علی یقینه بوضوئه.
ولا حاجۀ فی هذا الاحتمال الی حمل قوله: فإنه علی یقین من وضوئه علی العلیۀ او التوطئة او الانشائیة التی کلها خلاف ظاهر الجملة، مع ان الاستدلال بالذیل بهذا التقریب یفید التعمیم دون الاختصاص بباب الوضوء.
قال السید الاستاذ قدس سره:
«اما الاحتمال الرابع:
فهو غیر صحیح أيضا. ومحصل الاشكال فيه: ان المراد من قوله: " فإنه على يقين من وضوئه " اما اليقين بالوضوء حدوثا أو بقاء.
فان أريد اليقين حدوثا، فهو غير مترتب على عدم اليقين بالنوم. وظاهر الجملة الشرطية هو ترتب الجزاء على الشرط. وان أريد اليقين بقاء، فهو مخالف للوجدان، كيف؟ والمفروض انه شاك في بقاء الوضوء.
وقد أنكر المحقق الأصفهاني دعوى اقتضاء الشرطية ترتب الجزاء على الشرط واستناده إليه، بل ربما يعكس الامر، كقولهم: " ان كان النهار موجودا فالشمس طالعة ".
ثم قرب هذا الوجه بما يبتني على تجريد متعلق اليقين والشك من خصوصية الزمان. ولا يهمنا ذكره فعلا بعد أن عرفت الاشكال في أصل الاحتمال، ولعلنا نعود إلى بيانه بعد ذلك انشاء الله تعالى.
واما انكاره اقتضاء الشرطية سببية الشرط للجزاء، فقد تقدم البحث في ذلك في مبحث مفهوم الشرط.
والتزمنا هناك بان ظهور الجملة الشرطية في ذلك مما لا ينكر.
وما ذكر في المثال تقدم الجواب عنه: بان الجزاء فيه أيضا مترتب على الشرط لكن بوجوده العلمي لا الخارجي، والملحوظ في الشرطية ذلك. وبعبارة أخرى: الشرطية ههنا بلحاظ مقام الاثبات، والترتب فيه ثابت.. )[1].
ویمکن ان یقال:
ان العمدۀ هنا فی ما استشکله السید الاستاذ علی المحقق الاصفهانی، الاشکال فی المبنی.
وذلك لأن ما حققه المحقق الاصفهانی قدس سره مبنی علی عدم ثبوت الترتب بین الجزاء والشرط، وقد صرح قدس سره باطباق اهل المیزان علی ان الجزاء لا یجب ان یکون مسبباً عن الشرط، ومترتباً علیه فی الوجود، کما افاد الشیخ قدس سره، وقد صرح السید الاستاذ قدس سره بأن ظهور الجملۀ الشرطیۀ فی سببیۀ الشرط للجزاء وترتبه علیه مما لا ینکر.
ومحل هذه المناقشة فی بحث مفهوم الشرط.
وفی المقام ان صاحب الکفایۀ لما التزم بالترتب المذکور کالشیخ قدس سره فلا یری مثل قول (ع) (فإنه علی یقین من وضوئه) جزاء لقوله (ع) (ان لم یستیقن انه قد نام) لعدم ترتبه علیه، فیلزم کونه علۀ للجزاء، ومعه فإن اشکال المحقق الاصفهانی علیهما یکون مبنائیاً.
وان امکن القول فی المقام دفاعاً عن العلمین والسید الاستاذ بأن قوام الجملۀ الشرطیة علی تحقق الجزاء على تحقق الشرط والا فلا معنی للشرط وشرطیته بالنسبۀ الی الجزاء، الا ان الکلام فی نحوۀ هذا التحقق ای تحقق الجزاء عند تحقق الشرط.
فأفاد المحقق الاصفهانی قدس سره بکفایة الترتب الفرضی والاعتباری فی ظرف عقد القضیة، ومعناه الالتزام بالترتب فی الجملۀ الشرطیۀ، الا انه التزم بصحۀ الاستعمال فی ما اذا کان الترتب المذکور باعتبار المعتبر. ولا یلزم الترتب فی الواقع ونفس الأمر.
ومثل لعدم لزوم الترتب بقولهم: ان کان النهار موجوداً کانت الشمس طالعۀ، او ان کان هذا ضاحکاً کان انساناً. بترتب الشرط علی الجزاء.
وقد مر عن السید الاستاذ قدس سره ترتب الجزاء علی الشرط فیهما، ولکن بلحاظ مقام الاثبات، وبوجوده العلمی دون مقام الثبوت ووجوده الخارجی.
والظاهر انه لا تفاوت بین النظرین فی لزوم ترتب الجزاء علی الشرط، وإن التفاوت فی کیفیة الترتب.
وفی المقام کان البحث فی ان الیقین بالوضوء فی قوله (فهو علی یقین من وضوئه) هل یترتب علی عدم الیقین بالنوم فی قوله: (ان لم یستیقن انه قد نام) ام لا.
وحیث انه لا علیۀ لعدم الیقین بالنوم بالنسبۀ الی الیقین بالوضوء، لفرض التخلف فی موارد فلا ترتب بینهما.
هذا، ثم ان الشیخ قدس سره تصدی لاثبات العموم فی مدلول الصحیحۀ ببیان: ان اللام فی قوله: ولا ینقض الیقین للجنس لا للعهد.
.[1] منتقى الأصول ج6 ص42.