بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه صــد و ده
ويمكن ان يقال:
ان ما افاده السيد الخوئي (قدس سره) مبني على ما اختاره من المبنى من ان المحقق للاستطاعة التمكن من الزاد و الراحلة، ومع التمكن المذكور انما تتحقق الاستطاعة المقتضية للحج واما عدم التمكن من الوصول الى الحج الا بمشقة شديدة فهو مانع عن الاتيان بالحج بعد تحقق الموجب بوجوبه، وعليه فان في مثل المقام انما استقر الحج على عهدة المكلف، واذا لم يتمكن من الوصول الى الحج بنذر شرعي كقيام الحرج فيما انه يجب عليه الحج، فيلزم التحفظ على الاستطاعة المحققة وبراءة الذمة من الوجوب في العام القابل.
ولذلك ان وجوب الحج عنده متحقق في الفرض والمانع الذي عرض عليه كان في الاتيان بالواجب في وقته ولذا افاد بان الوجوب حالي والواجب استقبالي كما هو شأن الواجب المعلق.
وافاد ايضاً بان الاستطاعة حسب مبناه من كونها هي التمكن من الزاد والراحلة لو حصلت ولو في اشهر الحج او بعد خروج الرفقة يجب عليه ابقاء المال الى السنة الآيتة
وما افاده (قدس سره) تام حسب ما اختاره من المبنى.
وتمام الاشكال في اصل المبنى.
وذلك:
لان الشرط في وجوب الحج ـ على ما مرّ ـ هي الاستطاعة العرفية، وقد مرّ ايضاً دخل الزمان فيها، فاذا لم يتمكن من الوصول الى الحج الا بالمشقة الشديدة في عامه، فانه لا تتحقق في مورده الاستطاعة العرفية لدخل التمكن المذكور فيها كالتمكن من الزاد و الراحلة وصحة البدن وتخلية السرب وامثاله. ومعه فان في مثل المقام لا تحقق الاستطاعة وبتبعه لا يتحقق الوجوب للحج، ومعه لا موجب لإبقاء المال الى العام القابل، فليس المورد مصداقاً للواجب المعلق، من كون الوجوب حالياً والواجب استقبالياً لعدم تحقق الوجوب حالياً.
وما افاده صاحب العروة (قدس سره)من وجوب الحج في العام القابل اذا بقيت الاستطاعة اتفاقاً والا فلا يجب ناظر الى هذه الجهة، وانه (قدس سره) يرى دخل الزمان في الاستطاعة المقتضية للحج.
نعم، يمكن تصوير وجوب ابقاء الاستطاعة الى العام القابل ـ على ما مر تفصيله ـ فيها اذا تحققت الاستطاعة له في عامه ولا مانع من الوصول الى الحج بالنسبة اليه فيه، لكن اخّره لعذر شرعي او عقلائي، مع فرض عدم ما يمنع عن الوصول اليه من حرج، او ضرر وامثاله. فانه قد مرّ جواز التأخير اذا حصل له الوثوق العرفي، بل الاطمئنان بالتمكن من الوصول اليه في العام القابل ويجب عليه التحفظ على الاستطاعة المحققه للعام القابل، وهذا يكون من مصاديق الواجب المعلق لفعلية الوجوب و بتبعها فعلية ما يتوقف الاتيان بالواجب عليه فيجب التحفظ على ما حصل له من الاستطاعة للعام القابل.
قال صاحب العروة:
مسأله 63:
ويشترط أيضا : الاستطاعة السربية بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال وإلا لم يجب.
وكذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه ، أو بدنه ، أو عرضه ، أو ماله - وكان الطريق منحصرا فيه ، أو كان جميع الطرق كذلك .
ولو كان هناك طريقان ، أحدهما أقرب لكنه غير مأمون ، وجب الذهاب من الأبعد المأمون ولو كان جميع الطرق مخوفا إلا أنه يمكنه الوصول إلى الحج بالدوران في البلاد - مثل ما إذا كان من أهل العراق ، ولا يمكنه إلا أن يمشي إلى كرمان ومنه إلى خراسان ، ومنه إلى بخارا ، ومنه إلى الهند ، ومنه إلى بوشهر ، ومنه إلى جده مثلا ، ومنه إلى المدينة ومنها إلى مكة - فهل يجب أو لا ؟
وجهان:
أقواهما عدم الوجوب لأنه يصدق عليه أنه لا يكون مخلي السرب .»[1]
فيما افاده في هذه المسألة فروع:
الاول : اشتراط الاستطاعة السربية في وجوب الحج.
قال السيد الحكيم (قدس سره):
« بلا خلاف ولا إشكال . وفي المستند : " اشتراطها مجمع عليه ، محققا ومحكيا ... " . ويقتضيه - مضافا إلى ذلك - الآية، والنصوص المتضمنة لتخلية السرب»[2]
اما الآية فلان المستفاد من قوله تعالى: {من استطاع اليه سبيلاً...} الاستطاعة السبيلية بمعنى تخلية السرب، والامان من الخطر في الطريق، وعدم المانع فيه من الوصول الى الحج هذا مضافاً الى الاخبار الواردة في تفسير السبيل في الآية الشريفة نظير قوله: (عليه السلام) في صحيحة هشام بن الحكم السابقة الواردة في تبيين السبيل: «من كان صحيحاً في بدنه، فخلي سربه له زاد وراحلة»
ونحوها: صحيحة الخثعمي السابقة والمراد من الاستطاعة السربية، أمنية الطريق الى الحج والظاهر شمولها لا من الطريق الى الميقات، والى تمام اعمال الحج والى مسير عوده، ولو لا امان له في ذلك او كان هناك مانع عن الوصول الى الحج او بعد الاتيان بالحج الى وطنه لم يجب الحج.
الثاني:
لا يجب الحج ايضاً اذا كان الطريق غير مأمون بان يخاف على نفسه او بدنه او عرضه او ماله، وكان الطريق منحصراً فيه او كان جميع الطريق كذلك.
قال السيد الحكيم في المستمسك:
«الحكم ـ وهو عدم وجوب الحج في الحكم هنا ظاهري ، فإن موضوع الحكم الواقعي بعدم الوجوب - لعدم الاستطاعة - هو عدم تخلية السرب واقعا ، فمع الشك لا يحرز الحكم الواقعي ، بل يكون الحكم بعدم الوجوب ظاهريا . نعم مع احتمال تلف النفس لما كان يحرم السفر يكون الحكم الظاهري بحرمة السفر موضوعا للحكم الواقعي بانتفاء الاستطاعة وانتفاء وجوب الحج ، لكن لا لأجل انتفاء تخلية السرب ، بل للحرمة الظاهرية المانعة عن القدرة على السفر أما مع احتمال تلف المال أو غيره مما لا يكون الاقدام معه حراما ، فالأصول والقواعد العقلائية - المرخصة في ترك السفر - تكون من قبيل الحجة على انتفاء تخلية السرب . ولأجل ذلك يكون المدار في عدم وجوب السفر وجود الحجة على عدم وجوبه . من أصل عقلائي ، أو أمارة كذلك تقتضي الترخيص في تركه . وعليه لو انكشف الخلاف انكشف كونه مستطيعا واقعا ، كما لو قامت البينة على ثبوت دين عليه بمقدار ما يوجب ثلم استطاعته ، ثم انكشف كذب البينة ، فإنه يجب عليه في العام اللاحق السفر إلى الحج ولو متسكعا ، لاشتغال ذمته به واستقرار الوجوب عليه ، كما تقدم ذلك في بعض الفروع السابقة . بل في صورة احتمال تلف النفس وإن كان السفر حراما .
لكن يمكن أن يقال : إن الحرمة الآتية من جهة جهل المكلف وغلطه لا تكون نافية للاستطاعة ، كما تقدم في بعض الفروع السابقة ويأتي . نظير : ما لو ملك الزاد والراحلة واعتقد أنهما لغيره ، فإن حرمة التصرف الآتية من جهة الجهل لا تمنع من تحقق الاستطاعة واستقرار الوجوب عليه . فلاحظ .»[3]
[1] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 416.
[2] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص170.
[3] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص170-171.