درس خارج اصول/ المقصد السابع : اصول عمليه/ دوران الأمر بين أقل والاكثر/التنبيه الخامس /
جلسه صـــد و نه
قال اشیخ (قدس سره):
« إنما الكلام يقع في بعض الموارد ، من جهة تحقق موضوع الاحتياط وإحراز الواقع ، كما في العبادات المتوقفة صحتها على نية الوجه ، فإن المشهور أن الاحتياط فيها غير متحقق إلا بعد فحص المجتهد عن الطرق الشرعية المثبتة لوجه الفعل ، وعدم عثوره على طريق منها ، لأن نية الوجه حينئذ ساقطة قطعا.»[1]
وأفاد بعد سطور:
«وأما الثاني: وهو ما يتوقف الاحتياط فيه على تكرار العبادة ، فقد يقوى في النظر - أيضا - : جواز ترك الطريقين فيه إلى الاحتياط بتكرار العبادة ، بناء على عدم اعتبار نية الوجه. ـ ومراده من ترک الطریقین، ترک طریقی الاجتهاد و ـ
لكن الإنصاف :
عدم العلم بكفاية هذا النحو من الإطاعة الإجمالية ، وقوة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيلية في العبادة ، بأن يعلم المكلف حين الاشتغال بما يجب عليه ، أنه هو الواجب عليه .
ولذا يعد تكرار العبادة - لإحراز الواقع - مع التمكن من العلم التفصيلي به أجنبيا عن سيرة المتشرعة ، بل من أتى بصلوات غير محصورة لإحراز شروط صلاة واحدة - بأن صلى في موضع تردد فيه القبلة بين أربع جهات ، في خمسة أثواب أحدها طاهر ، ساجدا على خمسة أشياء أحدها ما يصح السجود عليه ، مائة صلاة - مع التمكن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط الثلاثة ، يعد في الشرع والعرف لاعبا بأمر المولى .
والفرق بين الصلوات الكثيرة وصلاتين لا يرجع إلى محصل .
نعم ، لو كان ممن لا يتمكن من العلم التفصيلي ، كان ذلك منه محمودا مشكورا .»[2]
و یمکن ان یقال :
ان وجوب الفحص فی کلمات کثیر من الاعلام یعتبر من شرائط الاحتیاط و معه لا یکفی الامتثال الاجمالی مع التمکن من الامتثال التفصیلی.
و وجهه فی کثیر من الکلمات عدم امکان رعایة قصد الوجه فی الامتثال الاجمالی ولکن فی غمض العين عن اعتبار قصد الوجه فی العبادة و کفا به قصد الأمر و التقرب فهل یکون مانع اساس فی کفایة الامتثال الاجمالی خصوصا مع التمکین من الامتثال التفصیلی؟
فربما یقال :
ان من له التمکن من الامتثال تفصیلا بفحص یسير هل یجوز له ترك الفحص و الاحتیاط و ان استلزم التکرار علی حد ما عرفت فی كلام الشیخ من مرات عدیده تبلغ مأة او اکثر.
فإن الاحتیاط فی مثل المقام و ان کان بداعی احراز الواقع و رعایة احتمال الغرض و لا قصد له فیه الا التقرب الا ان العقل الحاکم بوجوب الاطاعة هل یری مثله اطاعة لأمر المولی؟ فإن المفروض تمکن المکلف فی الفرض من معرفة ما هو الواقع او ما هو الوظیفة العملیة له المقبول عند الشارع بفحص یسیر مثل السؤال عن جهة القبلة، و مع ذلك ترك الفحص و یأتی بالفعل علی مرات خصوصا اذا اراد رعایة جهات مشکوکة متعددة، فهل یکون ذلك ما یراه الفعل من وظیفة العبودیّة له فی مقام اطاعة المولی ام لا؟
فإن کان الوجه فی الادراكات العقلیة فی مقام الاطاعة صرف التحفظ علی اغراض المولی و عدم تفویتها بوجه و لو بأي وجه کان ، فإنه یکفی فی کفایة الامتثال الإجمالی الالتزام بعدم اعتبار قصد الوجه، و أما لو کان فی ادراك الفعل لوجوب الاطاعة ادنی نظر الى کیفیة الاطاعة و کیفیة التحفظ علی الاغراض المحتملة من المولی من کونها معقولة ، و متعارفة و لو عند العقلاء، لأشکل الأمر فی کفایة الامتثال الاجمالی فی الغرض .
و ما ورد فی الکلمات من تقییده بما اذا لم یوجب اختلال النظام او عدم کونه لعبا بأمر المولی کما عرفت فی کلام صاحب الکفایة لعله راجع الى هذه الجهة.
و ما عرفت فی کلام صاحب الکفایة من عدم انطباق اللعب علی التکرار فی موارد استلزام الاحتیاط التکرار اذا لم یخل بقصد الأمر ، و کذا عدم الاختلال باللعب اذا کان فی کیفیة الطاعة لا یدفع الاشکال ، لأن تمام المحذور هنا فی کیفیة الاطاعة ، و أنه هل یکون فی الدرك العقلی للاطاعة المعقولیة فی فعل من ترك الفحص الیسير عن غرض المولی و یأتی بالفعل مرات عدیدة لتحصیل غرضه . و هل یکون هذا الشخص عند الفعل هو الساعی فی رعایة اغراض المولی و کون ما فعله محمودا و حسنا عنده ؟ دلیل ما اورد علیه من كونه لعباً من هذه الجهة نعم ، لا یرد هذا المحذور فیما اذا لم يتمکن من الفحص، او لم یقف بالفرض او الوظیفة المقررة بعد الفحص، او امکن التحفظ علی الفرض بالتکرار ولکن علی حد متعارف و معقول لا یخرج عن تعارف العقلاء و انما یأتون به فی امورهم العقلانیة عند احتمال الغرض و عدم الظفر علیه.
و یؤیده التشکیك فی مشروعیة الاحتیاط فی موارد العذر او الحرج ـ مع الالتزام باقتضاتهما لنفی مشروعیة ما يستلزم الحرج او الضرر ـ و کذا عدم جوازه فی موارد استلزامه الضرر بالنسبة الی الغير بل الی النفس ، او موارد کونه تضییعا لحقوق غیره کالعائلة و من کان له دخل فی معیشته بل تربیته.
و یمکن ان یکون ذلك وجها للاستشکال فی الأخذ بطریق الاحتیاط فی قبال طریقی الاجتهاد و التقلید، مضافا الی اشكال عدم امکان الاحتیاط فی جمع الموارد، و أنه لا يتمکن التشخیص من تشخیص مجاريه فی اکثر الموارد الا بالاجتهاد.
و لعل ما افاده المحقق النائینی (قدس سره) بعد الالتزام بتقدم الامتثال التفصیلی علی الامتثال الاحتمالی ، ان فی موارد التی یتوقف الاحتیاط فیها علی التکرار ، اذا قامت الحجة الشرعیة المعتبرة علی تعین الواجب في احد المحتملین ، فطریقة الاحتیاط ان یأتی اولاً بما قامت علیه الحجة ثم یأتی بالمحتمل الآخر و لا یجوز له العکس.
لأنه مع التمکن من الامتثال التفصیلی بواسطة الحجة لا یحسن له الامتثال الاحتمالی.
و نظره (قدس سره) فی عدم حسن الامتثال الاحتمالی الی عدم حسنه عند العقل الحاکم فی باب الاطاعة و المعصیة.
بل زاد بأن مؤدی دلیل اعتبار الامارة فی موارد قیام الحجة و التمکن من الامتثال بمقتضاها : هو الغاء احتمال الخلاف، و حینئذ کان الاتیان بالمحتمل الآخر اولاً بداعی الأمر المحتمل منافیا لذلك ، لأن معناه الاعتناء باحتمال الخلاف.
اما البرائة :
قال فی الکفایة :
وأما البراءة العقلية :
فلا يجوز إجراؤها إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالحجة على التكليف ، لما مرت الإشارة إليه من عدم استقلال العقل بها إلا بعدهما .
[1] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص405.
[2] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص409.