بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه صــد و نــه
قال السید الخوئی:
«إذا كان الزمان قصيراً جداً بحيث لا يمكنه الوصول إلى الحجّ فهو عاجز عن إتيان الحجّ وغير مستطيع له، فلا يجب عليه الحجّ لأنّه مشروط بالقدرة العقلية مضافاً إلى القدرة الشرعية الخاصة المفسرة في الروايات، فإنّ الحجّ كسائر التكاليف الإلهية مشروط بالقدرة وعدم العجز عن إتيانه، فإذا كان المكلف عاجزاً عن إتيانه لضيق الوقت ونحوه لا يتوجه إليه التكليف، وأما إذا كان الزمان قصيراً بحيث يتمكّن من إتيان الحجّ بمشقة شديدة فالوجوب مرفوع أيضاً لنفي الحرج، وعليه لا يجب الحجّ إذا اسـتطاع في وقت لا يسع للذهـاب أو أنّه يسع ولكن بمشقة شديدة، وهذا مما لا كلام فيه . »[1]
ويمكن ان يقال:
ان التكاليف الشرعية مشروطة بالقدرة العقلية، ولا يعقل التكليف في صورة العجز ونحو العاجز، والحج مضافاً الى اشتراطه بالقدرة العقلية التي يعبر عنها بالاستطاعة العقلية، مشروطة بالقدرة الشرعية المعبر عنها بحسب ما يستفاد مما ورد في تفسير الاستطاعة بالاستطاعة العرفية وعليه فان الموضوع للاستطاعة العرفية، ما تمت فيه الاستطاعة العقلية، فالاستطاعة العقلية مقدمة رتبة على الاستطاعة العرفية وفي المقام ان من لا يمكنه الوصول الى الحج لضيق الوقت غير متمكن من الاستطاعة العقلية، فلا يعقل توجه التكليف اليه.
ومنه قد ظهر انه لو كان مراد المحقق النراقي من الاستطاعة الاستطاعة العقلية، فهو في محله الا انه لا وجه للاستدلال به بعد الاجماع لعدم معقولية التكليف نحو العاجز. بل لا وجه للاستدلال في مثله بالاجماع، لان الاجماع دليل كاشف عن حكم الشرع، وبعد انتفاء الموضوع لحكمه في مورد العجز لا موضوع للاجماع بوجه .
نعم، يمكن ان يكون ما استدل به وجهاً للصورة الثانية وهي ما امكن له الوصول الى الحج بمشقة شديدة، ويؤيده الاستدلال بلزوم الحرج.
ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه لنفي الوجوب في الصورة الاولى بعدم الاستطاعة العرفية، لان مع العجز ينتفي الموضوع لها، وما ربما قيل بعدم صدق الاستطاعة العرفية في مثل المقام انما هو راجع الى دخل الفرضية المعقولة المقدور معها للوصول الى الحج في الاستطاعة العرفية، دون عدم تحقق الاستطاعة العرفية بالعجز.
فما افاده السيد الخوئي (قدس سره) من اسناد عدم الوجوب الى انتفاء القدرة العقلية في محله.
هذا واما الصورة الثانية وهي ما لا يقدر على الوصول الى الحج الا بمشقة شديدة، فالتكليف في صورتها ممكن عقلاً ولا ينتفي بالعجز كالصورة الاولى.
ففي هذه الصورة يمكن الالتزام بنفي الوجوب للحج من جهة انتفاء الاستطاعة العرفية، لما مرّ من ان الزمان بمعنى التمكن من الوصول الى الحج على النحو المتعارف، بلا اي حرج ومشقة دخيل في الاستطاعة العرفية. وهذا هو عمدة الوجه في عدم وجوب الحج في المقام.
وذلك، لان الحج حسب الفرض مشروط بالاستطاعة، والمراد منها الاستطاعة العرفية، وهي منتفية عند عدم تمكن المكلف من الوصول الى الحج الا بمشقة شديدة لا تتحمل عادة، وعليه فان عدم وجوب الحج مستند الى فقدان الشرط وعدم المقتضي للوجوب فلا تصل الى مقام المانع، فانه لا وجوب حتى يقال انه ترفعه ادلة نفي الحرج والعسر فلا حاجة الى التمسك. بادلته، لانه لا تصل النوبة مع عدم قيام المقتضي الى مرتبة قيام المانع.
فما مرّ في كلام السيد الحكيم، تبعاً للمحقق النراقي من الاستدلال بادلة نفي الحرج لعدم وجوب الحج في غير محله.
نعم، ربما يقال، ان السيد الحكيم التزم حسب ما افاده بعدم دخل الزمان في الاستطاعة، لانه فسرها بمقتضى الروايات بالزاد و الراحلة وغيرهما مما لا يدخل فيه الزمان. وان احتمل ذلك بقوله: «اللهم الا ان يكون مفهوماً من سياق ادلة التفسير»
لانه يقال:
ان السيد صرح في موارد بالاستطاعة العرفية، وقد مرّ عدم تحققها الا فيما امكن الوصول الى الحج بلا مشقة.
نعم، لو قلنا بان الاستطاعة تتحقق بالتمكن من الزاد و الراحلة فقط دون غيرهما كالسيد الخوئي، واعتبرنا بقية الجهات فيها بمقتضى ادلة الحرج لكان للاستدلال بها وجه.
واما ما افاده السيد الحكيم من ان ادلة نفي الحرج وان لم تكن نافية لملاك الحكم في الواجبات والمحرمات الحرجية غير الحج، لكنها في الحج رافعة لملاكه، فان من مقومات الاستطاعة التي هي شرط الوجوب عدم لزوم الحرج، ولذا بنى الاصحاب على انتفائها في كثير من الموارد التي يكون وجوب الحج فيها حرجياً...
فيمكن ان يلاحظ فيه:
ان ادلة الحرج لا تتكفل رفع الملاك في الاحكام الحرجية، لانها وردت مورد الامتنان، وهو يتحقق بنفي الالزام بلا حاجة الى رفع الملاك.
وما يترأى من الاصحاب على انتفاء ملاك الحج في الموارد التي يكون وجوب الحج فيها حرجياً، لعله ليس من جهة اقتضاء ادلة الحرج لنفي الملاك في خصوص الحج، لانه ليس لنا دليل على تخصيص هذه الادلة بهذه الجهة في خصوص الحج، بل ان انتفاء الملاك هنا راجع الى انتفاء المقتضي بوجوب الحج وهو ظاهر في دخل التمكن الزماني المتعارف في الاستطاعة المقتضية للحج
وبالجملة:
ان نفي ملاك الحج في المقام ليس من جهة اقتضاء ادلة الحرج لنفي الملاك في خصوص المورد، بل كان من جهة ان مع عدم التمكن من الوصول الى الحج بلا مشقة شديدة لا تتحمل عادة لا تتحقق الاستطاعة المقتضية للحج.
وليعلم ان الالتزام به اعم من الالتزام بالاستطاعة العرفية، لانه يمكن الالتزام به ممن يرى الشرط لوجوب الحج الاستطاعة بمعنى القدرة الشرعية.
نعم، الالتزام به اسهل اذا اعتبرنا المراد منها الاستطاعة العرفية.
وما افاده السيد الخوئي (قدس سره) من قوله: «واما اذا كان الزمان قصيراً بحيث يتمكن من اتيان الحج بمشقة شديدة فالوجوب مرفوع ايضاً لنفي الحرج...» راجع الى ما اختاره من ان الاستطاعة هي التمكن من الزاد والراحلة المعبر عنه بالقدرة الشرعية الخاصة واما غيرهما ومنه الزمان غير دخيل في الاستطاعة.
وعليه فان التزامه بعدم وجوب الحج في مثل المقام لابد وان يكون بمقتضى قيام المانع والرافع وهو دليل الحرج لفرض ثبوت الاستطاعة المقتضية للحج بالتمكن من الزاد و الراحلة.
وتمام المشكل هنا في اصل المبنى دون البناء.
ثم انه افاد صاحب العروة (قدس سره) في ذيل المسألة:
«... وحينئذٍ فان بقيت الاستطاعة الى العام القابل وجب والا فلا.»
ونظره (قدس سره) الى ان من لا يمكنه الوصول الى الحج الا بمشقة شديدة لم يجب عليه الحج فاذا بقيت الاستطاعة الى العام القابل وجب عليه الحج بمقتضى تحقق الاستطاعة المقتضية للحج له في العام القابل. ومع انتفاء الاستطاعة الحاصلة، ولو بتعمده لذلك اي باتلافها لا يجب عليه الحج، وحاصله عدم وجوب حفظ الاستطاعة الحاصلة له الى العام القابل.
وافاد السيد الخوئي (قدس سره) ايراداً على ذلك:
« إنما الكلام فيما ذكره المصنف أخيراً بقوله: (وحينئذٍ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب وإلاّ فلا)، فإنّ الظاهر من هذا الكلام عدم وجوب إبقاء الاستطاعة إلى العام القابل وجواز تفويتها اختياراً فلا يجب الحجّ حينئذٍ وإنما يجب إذا بقيت اتفاقاً.
ولكن الصحيح ـكما تقدّمـ وجوب إبقاء الاستطاعة وعدم جواز تفويتها اختياراً، لما عرفت من أنّ وجوب الحجّ غير مقيد بزمان وإنما الواجب مقيد بزمان خاص، فالوجوب حالي والواجب استقبالي كما هو شأن الواجب المعلق، ولذا لو كان إتيان الحجّ مما يتوقف على قطع المسافة أزيد من سنة واحدة كما كان يتفق ذلك أحياناً في الأزمنة السابقة وجب الذهاب، وذكرنا أيضاً أنّ الاستطاعة الموجبة للحجّ غير مقيّدة بحصولها في أشهر الحجّ أو بخروج الرفقة، بل متى حصلت وجب الحجّ ويجب عليه التحفظ على الاستطاعة، مثلاً لو استطاع في الخامس من شهر ذي الحجّة ـ حتى في زماننا هذا ـ ولم يتمكن من السفر إلى الحجّ في هذه السنة يجب عليه إبقاء المال إلى السنة الآتية ليحجّ به، وليس له تفويت المال حتى يقال إن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحجّ وإلاّ فلا.»[2]
[1] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص216.
[2] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص216-217.